هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أرجع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في تصريحاته المتكررة، أسباب التشدد الديني في بلاده إلى ما حدث بعد عام 1979 من انتشار أفكار التيار الصحوي، واعدا بإرجاع السعودية إلى ما كانت عليه قبل ذلك التاريخ من الاعتدال الديني والتسامح مع الأديان الأخرى.
ووفقا لباحثين، فإن تصريحات ولي العهد السعودي تنطوي على مغالطات تاريخية ودينية، فالدولة السعودية منذ أن قامت تبنت الدعوة الوهابية كتوجه ديني رسمي، وهي التي توجه إليها أصابع الاتهام باعتبارها المحضن المسؤول عن إنتاج التشدد الديني، وإشاعة ثقافة التكفير والتضليل والتبديع في المجتمعات.
في هذا السياق، أشار الأكاديمي الشرعي السوري، عداب محمود الحمش، إلى خلاصة ما قاله المستشرق جولدتسيهر في كتابه "مذاهب التفسير الإسلامي" حول جذور الدعوة الوهابية التي تمتد إلى أحد أكثر فروع مدرسة الحنابلة تشددا، ألا وهو الفرع البربهاري (نسبة إلى فقيه حنبلي توفي سنة 329هـ).
واستغرب الحمش في حديثه لـ"عربي21" إرجاع التشدد الديني في السعودية إلى ما بعد سنة 1979، وتحميل التيار الصحوي المسؤولية عنه، مؤكدا أن "التدين البربهاري الوهابي" هو الذي أنتج حالات التشدد والتطرف والغلو .
وأشار الأكاديمي السوري المتخصص في الحديث النبوي وعلومه إلى أن "النظام السياسي في السعودي يوظف هذا الاتجاه الديني لمصالحه السياسية، خاصة تلك الأحكام التي تعظم ولي الأمر، وتحرم الخروج عليه؛ لأن غلبة السلطان هي المناط، فبأي طريق تغلب، استحق الطاعة، وحرم عصيانه والخروج عليه".
واعتبر الحمش تصريح ولي العهد السعودي، الذي قال فيه إن بلاده نشرت الوهابية بطلب من حلفائهم الغربيين، دليلا على أن (آل سعود) ينفذون ما يطلبه منهم أولياء أمورهم في الغرب، وأنهم أبعد الناس عن الالتزام بهذا الدين، فإذا ما قالوا لهم: شددوا وادعموا الإرهاب فعلوا، وإذا قالوا لهم: أنشئوا هيئة للترفيه، وألغوا هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعلوا ذلك".
وتابع حديثه بالقول: "لقد أباحوا الرقص والغناء والاختلاط"، متسائلا: أين ذهب دينهم الذي كان يحرم ذلك كله؟ مضيفا: "بعد السياسات والقرارات الأخيرة للنظام السعودي الحالي، وسكوت مشايخهم عنها، لم يعد ممكنا وثوق أحد بما يروجون له إلا المنتفعين من أموالهم وعطاياهم".
بدوره، امتدح الباحث الشرعي عمر البطوش "ما أقدم عليه ولي العهد السعودي بدعوته إلى إصلاحات
تجديدية في الفكر الديني الوهابي، والعمل على نشر ثقافة التسامح مع المخالف وقبول الآخر"، واصفا إياها بـ"الخطوة المهمة والجريئة".
وعلل البطوش ذلك بقوله: "الفكر الوهابي التقليدي بات مصدرا من مصادر التطرف والكراهية داخل الجسد الإسلامي"، واصفا مهمة ولي العهد بأنها "ليست أمرا سهلا، لأسباب كثيرة، من أهمها رسوخ خطاب وفكر الكراهية والإقصاء للآخر في جميع مفاصل المؤسسات الدينية في السعودية، بحكم طغيان الفكر الوهابي وانتشاره طوال العقود السابقة".
ووصف البطوش التشدد الديني المتغلغل في النسق الديني السعودي، كما ينظر إليه على نطاق واسع، بـ"القديم والمتجذر في الفكر الوهابي التقليدي، ولم يكن نتيجة لتيار ما يعرف بالصحوة بعد عام 1979، الذي ربما أظهر معالمه، وعمل على تقويته"، مؤكدا أن "الفكر الوهابي منذ نشأته قائم على التعصب والكراهية، ونبذ الآخر المخالف وتبديعه، بل وأحيانا تكفيره، وكتب علماء الوهابية طافحة بذلك".
وجوابا عن سؤال "عربي21": كيف سينتقل الخطاب الديني السعودي من نسقه السلفي المعروف بتشدده تجاه الآخر الإسلامي إلى حالة الاعتدال والتسامح الديني مع المخالف؟ قال البطوش: "لن يتمكن القائمون على الحالة الدينية في السعودية من تحقيق رؤية ولي العهد إلا بتجديد الخطاب الديني السعودي، ونبذ التعصب وفكر الكراهية".
وتابع حديثه بالقول: "لن يتحقق ذلك إلا بالعودة إلى حضن الفكر الإسلامي المعتدل، المتمثل بالمذاهب العقدية والفقهية المشهورة والمتبوعة، التي عليها عامة الأمة الإسلامية وساداتها عبر التاريخ الإسلامي المديد، المتمثل بعقيدة أهل السنة والجماعة من الأشاعرة والماتريدية والمذاهب الأربعة المشهورة".
من جانبه، دافع الداعية السلفي الأردني، خالد الخشاشنة، عن الدعوة السلفية الوهابية "التي كانت وما زالت وستبقى معتدلة ومتسامحة، وهو ما يعرفه كل منصف إذا ما نظر إلى الأطراف الأخرى، فإيران مثلا منعت أهل السنة حتى من مسجد يصلون فيه، بينما الشيعة في السعودية لم يعتد عليهم أحد. وإذا أردت أن تعرف تسامح السلفية، فانظر إلى مؤتمر الشيشان الذي حوى كل معاني التطرف" على حد قوله.
وأضاف لـ"عربي21": "الدعوة السلفية أخرجت الناس من التشدد والانغلاق والتعصب المذهبي، وساهمت بجمع الأمة تحت راية الكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة، دون تعصب لأحد".
ووصف الخشاشنة النظام السعودي بأنه "لم يعد يحمل مشروعا إسلاميا، بل بات خصما لكل ما هو إسلامي"، وقيادته الحالية، خاصة ولي العهد محمد بن سلمان، لا تعرف إلا مشروعا واحدا، ألا وهو القيام بشكل مباشر بما يتوافق مع المشروع الأمريكي"، بحسب عبارته.
يشار إلى أن التحولات الدينية التي أحدثها ولي العهد السعودي، خاصة ما يتعلق بتصريحاته عن العودة بالسعودية إلى التدين الوسطي المعتدل، تأتي في سياق توجهاته وخططه الرامية إلى تمكين أركان عرشه وملكه القادم، داخليا وخارجيا، بحسب مراقبين.