هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا للصحافية كاثرين هيلي، تقول فيه إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدا قبل أربعة أشهر كأنه يسيطر بقوة على الأجندة السورية، فأعلن أن التدخل الروسي في سوريا حقق أهدافه من سحق تنظيم الدولة، وبأنه يجب على الأطراف كلها التحرك نحو طاولة المفاوضات.
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، بأن الغارات الجوية الأمريكية أكدت مخاطر دعم موسكو لنظام بشار الأسد، حيث تجر روسيا وبشكل متزايد إلى زاوية خطيرة، وتؤثر على مصالح روسيا الأوسع، كما يقول الدبلوماسيون.
وتنقل هيلي عن دبلوماسي من عاصمة غربية تنظر للروس بطريقة صديقة، قوله: "يقدمون أنفسهم على أنهم حماة للسيادة السورية، والمقاتلون ضد الخطط الغربية، ومنع تغيير النظام، لكنهم يخاطرون بأن يصبحوا شركاء للأسد ومنبوذين دوليين"، وأضاف: "بدأوا على ما يبدو يظهرون كدولة منبوذة، ويتصرفون أكثر فأكثر كأنهم جانب واحد".
وتشير الصحيفة إلى أنه بعد الهجوم الكيماوي المزعوم في دوما، الذي قتل العشرات فيه، انتقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل محدد الرئيس بوتين، قائلا إن روسيا، إلى جانب إيران، مسؤولة عن دعم الأسد، وأضاف أنهم "سيدفعون الثمن الباهظ"، لافتة إلى أن موسكو رفضت بشدة الاتهامات التي تقول إن الجيش السوري هو المسؤول عن الهجوم، ونفت أن يكون تم استخدام الأسلحة الكيماوية.
ويجد التقرير أن "النفي كان جزءا من سلسلة خطوات لمنع تمديد التفتيش الدولي على نظام الأسد، وحمايته من الضغوط الدولية، ويبدو أن هذا الموقف سيخلق للروس مخاطر على المستويين الاقتصادي والسياسي".
وتورد الكاتبة نقلا عن مندوبة واشنطن في الأمم المتحدة نيكي هيلي، قولها إن هناك خططا لفرض عقوبات على روسيا بسبب دعمها للأسد، حيث تأتي العقوبات بعد أسبوع من عقوبات طالت النخبة الروسية، ومنهم ملك الحديد أوليغ ديرباسكا، الذي تواجه شركته "روسال" مخاطر الانهيار، لافتة إلى أنه في الوقت ذاته، فإن الولايات المتحدة قالت إنها لن تسحب قواتها من شمال شرق سوريا حتى تحقق أهدافها بهزيمة تنظيم الدولة.
وتفيد الصحيفة بأن دبلوماسيين في موسكو يرون أن الزعيم الروسي قد يواصل دعمه لرئيس النظام السوري، حيث نشر بوتين قواته وطائراته هناك عام 2015، وكان ذلك نقطة تحول في الحرب الأهلية لصالح النظام، مشيرة إلى قول دبلوماسي أوروبي: "غاص عميقا لدرجة أنه أصبح رهينة للأسد".
ويؤكد التقرير أنه مع اتهام الأسد باستخدام السلاح الكيماوي ضد شعبه، فإن خبراء في الشرق الأوسط يرون أن موسكو لا تملك خيار التخلي عنه، حيث قال دبلوماسي روسي: "نعترف بأن الانقسام بين الأسد والجزء الأكبر من المعارضة السورية لا يمكن ردمه"، وأضاف الدبلوماسي، الذي يملك خبرة ثلاثة أعوام في الشرق الأوسط: "لكننا لم نجد رمزا بديلا يمكنه ضمان الاستقرار والسيادة للبلاد".
وتعلق هيلي قائلة إن "الدعم المتصلب للأسد ليس انعكاسا للثقة أو التفضيل لشخص الزعيم السوري، أكثر من كونه تعبيرا عن المنطق الروسي للمشاركة في النزاع: احتواء تأثير الولايات المتحدة على المسرح الدولي بشكل أوسع، وبحسب سفير روسي سابق لا يزال مشاركا في محادثات موسكو مع جماعات المعارضة السورية، فإن الانتقال السياسي، الذي تشرف عليه إيران وتركيا بالإضافة إلى روسيا، الذي تشارك فيه الأطراف كلها، ويضمن فوز الأسد، هو الحل الوحيد المتوفر على الطاولة؛ لأن الولايات المتحدة مصممة على تمزيق البلد".
وترى الصحيفة أن سياسة موسكو تجاه دمشق مدفوعة بسلسلة من الأهداف المتداخلة: حماية مصالحها الاقتصادية في المنطقة، التي تراجعت بعد زمن السوفييت، ومواجهة الجماعات الإسلامية, التي تهدد جيران روسيا والمسلمين الذين يعيشون فيها، والاستفادة من تراجع الولايات المتحدة، ومحاولة إحياء التأثير الروسي في الشرق الأوسط، ومنع تغيير النظام، الذي يعتقد بوتين أنه مصدر عدم الاستقرار الدولي.
وينقل التقرير عن الخبير في الدور الروسي في الشرق الأوسط نيكولاي كوزانوف، قوله قبل فترة في ورقة بحثية إن "الأساليب العسكرية الروسية تدفعها فكرة حماية نظام الأسد من الانهيار الكامل؛ باعتبارها الطريقة لحماية سوريا من المضي في طريق العراق وليبيا".
وتورد الكاتبة نقلا عن الخبير في النزاع في مجلس الشؤون الدولية الروسي غريغوري لوكيانوف، قوله: "إن سوريا بالنسبة لبوتين هي ساحة للمقاومة في المواجهة الأيديولوجية مع الولايات المتحدة".
وتبين الصحيفة أنه بموجب هذا المنظور، فإنه رفع سقف الرهانات، حيث تراجعت علاقة روسيا مع الولايات المتحدة وأوروبا؛ وذلك على خلفية الهجوم على العميل الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا في بريطانيا، وانتهزت النخبة المتشددة الروسية الفرصة ومارست الضغوط على الرئيس بوتين ليتخلى عن التعاون مع الغرب.
وينوه التقرير إلى أن الخبراء الروس يرون أن موسكو وواشنطن تجنبتا المواجهة العسكرية المباشرة في سوريا نهاية الأسبوع الماضي، إلا أن المواقف المتشددة بالنسبة للأسد، واستخدام الأسلحة الكيماوية، قد دفعتهما إلى أخطر مواجهة منذ أزمة الصواريخ الروسية عام 1962.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى قول مدير مجلس العلاقات الدولية الروسي أندريه كورتونوف: "لم يعد الأمر متعلقا بالسبب، بل بالصمود، ومن لديه إرادة أقوى، وقد تكون هذه مخادعة، لكننا سنموت جميعا، وعندما ينظرون للهاوية، كما حدث بعد أزمة الصواريخ الكوبية، فإنهم سينظرون لأنفسهم ويغيرون الزخم".