هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
طرح الباحث الأمريكي سام داغر، وهو مؤلف كتاب عن الحرب في سوريا سيصدر قريبا في مقال نشرته مجلة "أتلانتك" سؤالا طرحه كثيرون، حول السبب الذي يمكن أن يدفع نظام الأسد لاستخدام السلاح الكيماوي بعد أن كان على وشك السيطرة على كامل الغوطة الشرقية.
وفي سياق الإجابة عن السؤال، قدم داغر عدة نظريات، مثل القول إن الهدف هو إرهاب السكان وإخضاعهم، وكذا تحدي الغرب العاجز.
إلا أن داغر توقف عند عامل آخر لم يلتفت إليه كثير من المحللين، يتمثل في الضغط الذي واجهه النظام من الطائفة العلوية، حيث يعتقد أبناؤها أن جيش الإسلام في بلدة دوما احتجز 7500 علوي رهينة داخل المدينة وحولها؛ من بينهم جنرالات وجنود ومدنيون اختطفهم خلال السنوات الماضية على أمل الحصول على تنازلات من النظام.
ويشير الكاتب إلى أن العلويين لا يشكلون سوى نسبة قليلة من مجمل عدد السكان في سوريا، إلا أنهم يسيطرون على مواقع قيادية بارزة في النظام، حيث يسيطرون على أجهزة الأمن، وهم من قدموا الجزء الأكبر من الجنود الذين يدافعون عن النظام منذ عام 2011. ويضيف أن الكثير من العائلات العلوية فقدت أبناءها الذين لا يستطيع الأسد تحريرهم، في وقت يطالبهم فيه بالمزيد من المقاتلين.
ويرى الكاتب أن قدرة الأسد على تحريرهم مهمة لشرعيته وسط العلويين، وهي حقيقة يعترف بها رعاته الروس والإيرانيون.
اقرأ أيضا: حمد بن جاسم ينشر تكهناته بشأن ضربات محتملة لسوريا
ونقل الباحث قول الأسد خلال لقاء مع عائلات علوية يوم الثلاثاء: "لن نتخلى عن المفقودين أو المختطفين وسنفعل ما بوسعنا لتحريرهم وإعادتهم أحياء".
ويعلق داغر بأن تضامن الأسد مع أبناء طائفته أهم من تداعيات استخدام الأسلحة الكيميائية. وبناء على سجل الغرب المتفاوت في الرد على هجمات مماثلة وتصميم حلفائه على حمايته واستعداده لارتكاب أي مذبحة أو الكذب يشير إلى منطق في الوحشية التي يمارسها. فنظامه بني لكي يستمر خاصة مع التشوش الذي سيحدث مع أي شيء يقوم الأمريكيون بعمله. وفي الأحداث التي قادت لهجوم دوما الكيميائي فقد بدا أن الأسد بحاجة إلى إظهار استعداده لعمل أي شيء لكي يحرر السجناء: "فهذا ديكتاتور يعرف بالحدس كيف ستنهار الأمور لو قرر العلويون التحرك ضده".
ويكشف الكاتب أنه تحدث خلال الحرب مع كثير من العلويين الذين قالوا إنهم ضحوا بكل شيء من أجل حماية النظام.
وقد تأثرت كل عائلة علوية بالحرب التي يقول قادة الطائفة إنها لم تكن لحماية الأسد، بقدر ما هي حماية للطائفة نفسها، بخاصة أن رواية النظام تقوم على فكرة أن الفكرة التي نبعت منها الثورة هي رغبة الغالبية السنيّة بسحق العلويين.
ويشير داغر إلى أنه مع بداية الانشقاقات والهروب من الجيش سارع العلويون للانضمام إلى الميليشيات الطائفية التي أنشأها النظام الذي كان دائما مهتما بالميليشيات الإيرانية بما فيها حزب الله والتي تدفقت نحو ساحة المعركة لإنقاذه.
ويقول الكاتب إن العلويين طالبوا نظام الأسد باستخدام أقسى الأساليب ضد المعارضة من أجل الإفراج عن سجنائهم، وحين فشل في ذلك، قرر الأسد أن ساعة الحسم قد حانت. وأصدر يوم الجمعة إنذارا نهائيا يقول: الموت والدمار أو الإفراج عن العلويين. ثم جاء هجوم السبت الذي يُعتقد أنه اشتمل على استخدام مزيج من الغازات السامة والكلور. وعاد جيش الإسلام للتفاوض على شروط الاستسلام حيث كان مصير العلويين والمفقودين منهم على قائمة المفاوضات، وهو ما منح العلويين حالة من الرضى المؤقتة.
ويكشف داغر أن عائلات العلويين تدفقت على دمشق من غربي البلاد متوقعة أن تقابل أبناءها المحتجزين، لكن لم يخرج من دوما سوى 200 علوي، حيث قيل إن الرقم 7500 كان عبارة عن "أخبار زائفة" من أجل ابتزاز العائلات لدفع فدية. وفي لحظة نادرة قررت العائلات تنظيم مظاهرة مرتجلة وساروا نحو السفارة الروسية في دمشق، والتي تحولت لنقطة انتظار. وقام الأمن السوري بتطويق المكان وأرسل الإعلام الرسمي لتهدئة الناس والسماح لهم بالتنفيس عن غضبهم. ولم يُسمح للصحافة الأخرى ومنها المستقلة بالتغطية.
وضمن سياق حالة الغضب بين العلويين، اتهم الأسد بأنه منشغل بتحسين صورته كرئيس لكل السوريين وليس للطائفة العلوية. ونقل عن محمد جابر، الذي قاد مرة ميليشيا تابعة لشقيق الأسد، ماهر إن الرئيس ليس حاسما مثل والده الذي سحق المعارضة في حماة عام 1982.
وينتهي الكاتب إلى القول إنه من المفارقة أنه رغم الحرب التي مضى عليها سبعة أعوام وقتل فيها أكثر من نصف مليون شخص وشرد الملايين وجرّت العديد من القوى الدولية للساحة السورية، فإن الخطر الذي يواجه الأسد ليس من هذا كله، وإنما من طائفته.