هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كانت الغوطة الشرقية من أوائل المناطق التي ثارت على النظام، وساهمت في زعزعة وضعه في بدايات تحول مسار الثورة السورية من التظاهرات إلى حمل السلاح، لكن النظام وبعد معاناة كبيرة تمكن من فرض حصار خانق عليها، لكنه خسر فيها العشرات من ضباطه وكوادره.
إلا أن رجحان كفة النظام في حربه ضد الفصائل عامة بعد التدخل الروسي أدى إلى تمكنه مؤخرا من السيطرة على الغوطة عن طريق اقتحامها وفرض تسويات على فصائلها، باستثناء دوما التي يسيطر عليها "جيش الإسلام" بالرغم من حديث روسيا عن اقتراب التوصل إلى تسوية مع الأخير.
ماذا تعني خسارة الغوطة للفصائل؟
في هذا الصدد، يرى المحلل العسكري والاستراتيجي العميد أحمد رحال، أن خسارة الغوطة لها انعكاسات سياسية وعسكرية على مسار الثورة السورية، إذ يعني تمكن إيران من تطويق دمشق وجعلها منطقة نفوذ شيعية، إضافة إلى أن الفصائل خسرت آخر نقطة لها، في التأثير على العاصمة دمشق.
وقال العميد رحال في حديثه لـ"عربي21": "أهل الغوطة صمدوا كثيرا، ولا يمكن أن نضع اللوم عليهم، فيجب أن نلوم الفصائل عامة، وفصائل الغوطة خاصة لأنها راهنت على المجتمع الدولي، الذي لم يفعل لهم شيء، كما أنها راهنت على الفصائل الأخرى، وهذا غلط كبير، إذ كان بإمكان فصائل الغوطة تجنب هذا المصير، فإذا لم تكن قادرة على الصمود، وتعلم أنها ستنسحب فكان الأجدر بها، أن تنسحب من البداية وأن تجنب الغوطة هذا الدمار، علما أن الانسحاب لا يعني الهزيمة، إذا كان يتبعه فتح معارك أخرى ضد النظام".
واعتبر أن كثرة الفصائل وتجمعها في الشمال السوري سيكون عبئا على الثورة، قائلا: "المتوقع أن يتجه النظام بعد الغوطة إلى الرستن والحولة، وليس من الضروري إلى درعا وإدلب، لأن ما يجري هو إحداث خرائط جديدة في المشهد السوري، كتقسيم سوريا لأربع مناطق نفوذ تركية وأخرى روسية وأمريكية، إضافة إلى الإيرانية".
من جهته، اعتبر الشرعي البارز في الثورة السورية عبد الرزاق المهدي، أن سقوط الغوطة الشرقية يعني الكثير، فهي كانت منطقة إزعاج للنظام، الذي كسب بسيطرته عليها شعبية لدى مؤيدوه كونه أمن لهم دمشق.
وقال المهدي في حديثه لـ"عربي21": "حتى لو فتحت الفصائل جنوبا وشمالا الجبهات ضد النظام، لن تشفع للغوطة عن السقوط لكن كان من الممكن أن تخفف عنها، أما وجهة النظام بعد الغوطة فستكون درعا التي لن يكون بها مقاومة بسبب التسويات، وقد يتجه النظام إلى مناطق تنظيم الدولة في حي القدم ومخيم اليرموك، وبعدها سيأتي إلى إدلب مكان تجمع الفصائل، التي تقاتل بعضها الآن بدلا من نصرة الغوطة".
ويحمل المهدي المسؤولية الأكبر في سقوط الغوطة لفصائلها، قائلا: "فصائل الغوطة تنازعت فيما بينها، وقامت بتجاوزات، وظلمت الناس، حيث حدث شرخ بين الفصائل وحواضنها، والنظام استفاد كثيرا من سقوط الغوطة الشرقية، التي هددت وجوده، من خلال تمرس الفصائل على حرب المدن، ولم يكن ليربح النظام لولا خيانة البعض وتواطؤه مع النظام، فتجربة الغوطة قد تنسحب على مناطق الجنوب والشمال السوري، إلا في حال فتحت الفصائل من الآن معارك ضد النظام قبل أن يتفرغ لكل منطقة على حدا، لكن كل هذا لن يجدي نفعا، لأن هناك تآمرا عربيا ودوليا على الثورة السورية، التي تعيش حاليا أكبر تهديد وجودي لها".
في هذا الموضوع، يرى الناشط أحمد خليل أن خسارة الغوطة أكبر من خسارة حلب، بسبب محاذاتها لمعقل قوة النظام ومركز ثقله "دمشق".
وقال خليل في حديث مع "عربي21": "خسارة الفصائل الغوطة سببها ليس كثافة القصف والحصار ضدها فحسب، بل بسبب مراهقة تلك الفصائل ومناكفات بعضها البعض، فهي عاشت في دائرة الثأر المناطقي، فهذا ابن دوما، والآخر ابن سقبا، وكذلك بسبب مراهنة الفصائل على المجتمع الدولي الذي خذلها، إذ كانت تثق أن ذلك المجتمع سيقف معها كونها حاربت التطرف، وطردت الجماعات الجهادية، لكن نظرتها كانت ضيقة، وهي اليوم تدفع الثمن".
واعتبر أن النظام كسب نصف المعركة المتبقية له مع الثوار بسيطرته على الغوطة، "الثورة الآن تعيش آخر مشاهدها الدرامية، فالنظام هو الذي يحدد الزمان والمكان، ويعمل باستراتيجية معينة دأب عليها، منذ منتصف عام 2013، عندما بدأ يستعيد ما خسره ببطء، يقابله نظرة فصائلية سطحية لمجريات الصراع، وانعدام الرؤية والاستراتيجيات".