هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن النظام الأمريكي الذي يُنتج أمثال دونالد ترامب ومن يدور في فلكه، معتبرة أن المشكلة لا تكمن في الأسماء التي تسيطر على توجهات البلاد، خاصة في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، وإنما في هذا النظام الذي فسح لهم المجال ومكّنهم من مقاليد الحكم.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن إقالة دونالد ترامب لوزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، ريكس تيلرسون، ومستشار الأمن القومي، هربرت مكماستر، وتعويضه بالمتشدد جون بولتون، السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة سابقا، فضلا عن ترقية مايك بومبيو من رئاسة وكالة الاستخبارات الأمريكية إلى رئاسة الخارجية، لها دلالات عدة.
ورأت المجلة أن هذه التغييرات قد تعني محاولة ترامب التخلص من الكبار، الذين حاولوا السيطرة على تغريداته السنة الماضية، وتعويضهم بمستشارين يرون العالم كما يراه هو، ويتركونه يتصرف على سجيته. وتعني هذه القراءة أن هذا الفريق سيسمح لترامب بأن يعود إلى ما كان عليه خلال حملته الانتخابية في سنة 2016، التي وصف فيها السياسة الأمريكية الخارجية بالكارثية ووعد بجعل أمريكا أولا. وقد عزز ترامب هذه القراءة من خلال تصريحه بأنه قد جمع أخيرا فريقا أراده بشدة، ما يطرح تساؤلات حول من هو "الغبي" الذي وضع الفريق الأول والثاني، وفقا لما ورد في المجلة.
وعرضت المجلة قراءة ثانية يمكن وصفها بأنها أكثر خطورة وتشاؤمية، وتحثّ الأمريكيين على بداية ترميم ملاجئ القنابل. وتنذر بمغادرة تيلرسون ومكماستر، وقدوم بولتون وبومبيو وهاسبل، بصعود فريق الصقور الذي سينهي الاتفاق النووي ويعيد نظام التعذيب، وحتما سيشن حربا على كوريا الشمالية. ويعني وجود بولتون في البيت الأبيض أن ترامب يحظى بمستشار يرى الحرب حلا لكل المشكلات.
وأضافت المجلة أن تعيين بولتون يتماشى مع معظم خيارات ترامب الشخصية، وهو ما يعني أن هناك كارثة تلوح في الأفق. وتحمل وجهات نظر دونالد ترامب حول السياسة الخارجية في طياتها نظرة عدوانية وحربية، علاوة على أن سجله كمدافع ومحلل للسياسة لا يقدم أي شعور بالطمأنينة، ولا يبدو أنه تعلم شيئًا من أخطائه الماضية.
وأوردت المجلة أنه في الوقت الذي فعل فيه كل من ماكماستر وتيلرسون ما بوسعهما للحد من الأضرار التي أحدثها ترامب للسمعة الدولية للولايات المتحدة، والشراكات الحاسمة في التحالف، يبدو أن مهارة بولتون الخاصة كدبلوماسي كانت تبحث عن طرق جديدة مبتكرة للإساءة إلى أصدقاء الولايات المتحدة.
ويعتبر وصول بولتون بمثابة عودة لترامب الذي رأيناه في حملة 2016، الذي ترشح للرئاسة من خلال مهاجمة مؤسسة السياسة الخارجية برمتها، واعتبر أنها كانت بعيدة كل البعد عن الصواب، وغير خاضعة للمساءلة، وكادت أن تدفع بالولايات المتحدة لخوض حروب لا طائل منها.
وقالت المجلة إن ترامب، ومنذ توليه الرئاسة، زاد الإنفاق على الدفاع، وسرّع في وتيرة التدخل في أفغانستان، ومنح البنتاغون وبعض حلفاء الولايات المتحدة المتعطشين، الضوء الأخضر لاستخدام قوة أكبر في المزيد من المناطق، مع نتائج مخيبة للآمال. كما أنه ضاعف من اتباع نفس النهج العسكري المبالغ فيه للسياسة الخارجية التي فشلت مرارا وتكرارا في عهد بيل كلينتون وبوش، وحتى في فترة حكم باراك أوباما.
وأشارت المجلة إلى أن تعيين بولتون، إلى جانب تحولات ترامب الشخصية الأخرى، لا يعد تحركا جريئا باتجاه "أمريكا أولا"، إذا كان هذا المصطلح يعني سياسة خارجية أكثر ذكاء وتقييدا، ما من شأنها أن تقلل من الأعباء الخارجية الأمريكية، وتحسن الوضع الاستراتيجي للبلاد، وتجعل الأمريكيين أكثر أمانا وثراء.
وأوضحت المجلة أن العبرة الحقيقية من تعيين بولتون لا علاقة لها ببولتون نفسه، ولكنها تعكس ما يقال عن مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية. ومن المؤكد أن الكثير من التعليقات العاطفية ستنتشر في الأسابيع القليلة القادمة حول مخاطر تعيين راديكالي في مثل هذا المنصب الحساس، غير أن الحقيقة الواضحة تتمثل في أن بولتون ليس نشازا داخل المجتمع الأمريكي للسياسة الخارجية.
ورأت المجلة أن بولتون يشعر بالقلق بشكل خاص إزاء إيران وكوريا الشمالية، لكنه يتوافق في هذا مع معظم أعضاء الكونغرس والكثير من المؤسسات البحثية في العاصمة واشنطن أيضاً. كما أن هناك الكثيرين ممن يؤيدون بقوة الاتفاق النووي الحالي ولكنهم يعتقدون أيضاً أن الولايات المتحدة يجب أن تظهر شيئا من الصرامة مع طهران. بالإضافة إلى أن بولتون ليس الشخص الوحيد في واشنطن الذي اقترح القيام بعمل عسكري ضد كوريا الشمالية. وقبل كل شيء، كان سلفه، ماكماستر المغادر، من دافع عن استراتيجية "الأنف الدموي".
وذكرت المجلة أن بولتون واحد من هؤلاء الذين يؤمنون بالإسلاموفوبيا ويحمل شكوكا تجاه المؤسسات الدولية، لكن ذلك بالكاد يجعله مميزا في دوائر السياسة الخارجية الأمريكية. ومن الأجدر بالنسبة للأمريكيين القلقين من تعيين بولتون أن يفكروا في النظام الذي أنتج مثل هؤلاء، الذين يدفعون بالبلاد نحو حروب كارثية، ولا يعتذرون عما اقترفوه من أخطاء، ثم يواصلون في العقود الموالية الدفاع عن أخطائهم، ويُمنحون الفرصة مرة أخرى لتكرارها.