هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
واجه الجيش الإسرائيلي خلال مواجهاته وحروبه ضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وتحديدا بين عامي 2006 و2014، الكثير من المشاكل والعقبات الإدارية والميدانية في الوقت ذاته، التي أثّرت بدورها -بجانب جملة من الأمور الأخرى- في الإدارة العسكرية الفاشلة للمواجهات، رغم ما وجهه من ضربات قاسية وتدمير كبير في البنى التحتية واستهداف المدنيين الفلسطينيين.
ولعل اعترافات عدد من قادة الرأي العام والخبراء العسكريين الإسرائيليين، ترجمتها "عربي21"، يقدم ملخصا بليغا حول ما تعرض له الجيش من ضربات قاسية من المقاومة الفلسطينية، ومن أولئك:
كارمي غيلون الرئيس الأسبق "للشاباك"، يعرب عن قناعته بأن الحركة الصهيونية لم تكن لتستطيع الإعلان عن قيام "إسرائيل" لو وُجِدَ قبل العام 1948 عرب على شاكلة رجال المقاومة الفلسطينية، ولولا أن ما يحدث هو حقيقة ماثلة للعيان، لاعتبرنا أن ما تشهده دولتنا مجرد كابوس قاس، عندما تستنزف طاقتها بمواجهة تنظيمات قليلة الإمكانيات، مع ما نملكه من أسباب القوة.
عامي آيالون، القائد السابق لسلاح البحرية، يقول: يجب أن نعي أن ما يحصل في الجنوب مع حماس كان قصورا، أنا رجل عسكري ذو ماضٍ غني، وأعرف ما أقول.
شلومو غازيت الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية "أمان"، يؤكد أننا يجب استخلاص الدروس من "الخزي" الذي ألمّ بدولتنا في المواجهات الأخيرة مع الفلسطينيين، إن تجربتنا القاسية تؤكد باستمرار أننا لا يمكن أن نتوقع في العالم العربي إلا المفاجآت الصعبة، لذلك، فلنتحرك سريعاً لعقد تسوية تقطع الطريق على المتطرفين العرب، إن إمكانية استغلال الصراع القائم من أجل الدفع نحو تعاظم قوتهم، هو الخطر الاستراتيجي الذي يتوجب علينا ألا نسمح له بالتحقق، وهو إلى حدّ ما بأيدينا، فكفانا صلفاً وغروراً في غير محله!
أفرايم هاليفي الرئيس السابق "للموساد"، يسخر بأسىً من الوضع الذي وصلت إليه "إسرائيل" في تلك المواجهات العسكرية، قائلا: لقد سكرنا من شدة الفرح عندما أعلن" شارون" بتبجح سنة 1982 أنه طرد منظمة التحرير من لبنان، لنبكي بعد ذلك حين فوجئنا أن من حلّ مكان منظمة التحرير عدو أكثر خطرا، مرغ أنف دولة بأكملها في التراب.
موشيه أرنس وزير الدفاع الأسبق، يقول: ما ينجزه المتدينون المسلمون في مواجهتنا سيدفع مئات الملايين من العرب والمسلمين للاندفاع نحو الحرب المقدسة ضدّ "إسرائيل"، التي تتحمل مسؤولية تاريخية بعدم السماح لهم بالنجاح في هذه المعركة، لأن أي نجاح لهم سيعني تهاويا لقدرة الردع الإسرائيلية، وسيتجرأ علينا الجميع، وسنتحول حينها إلى أضحوكة أمام العالم.
ومن الممكن وضع أبرز نقاط الإخفاق الإسرائيلية في تلك الحروب:
فشل الاستخبارات العسكرية: لعل الإخفاق الأكبر الذي وقع فيه الجيش يكمن في نجاح المقاومة الفلسطينية، التي تخوض حرب عصابات في "خطف الدولة بأكملها" بعد سنوات عديدة من التسلح والتخفي، بحيث استفاق الجيش ليجدها أكثر تنظيما، ومقاتلوها أكثر تدريباً عما كانوا عليه في جولات القتال السابقة، ما أسفر عن تغير الوضع معهم في ساحة المعركة.
ولعل أسر عدد من الجنود قبيل وبعيد اندلاع بعض تلك الحروب افتتح سلسلة الأخطاء الأمنية الاستخبارية، حيث نجح المقاومون في مباغتة الجيش مرة أخرى، في إشارة إلى وجود خلل استخباري ذريع.
أسهمت سلسلة الإخفاقات الأمنية والاستخبارية بدورها في بروز شروخ أولية في الإسناد الذي منحته القيادة السياسية العليا للجيش منذ بداية المواجهة، وعبّرت محافل سياسية ووزراء في الحكومة في محادثات مغلقة عن قصور الاستخبارات في جمع المعلومات حول تعاظم المقاومة، والاستعدادات المكثفة التي أعدها للمواجهة مع "إسرائيل".
ورجّحت لجان التحقيق الإسرائيلية عقب تلك الحروب أن المشكلة "الأم" في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، لا سيّما الشاباك وأمان، تعود إلى عدم وجود "أب" لجمع المعلومات في قطاع غزة، ولذلك ألقى جهاز الأمن العام الشاباك المسؤولية على شعبة الاستخبارات العسكرية، فيما ردّت الأخيرة التهمة له.
ثم جاءت سلسلة الإخفاقات الأمنية متمثلة بعدد من المفاجآت قدمتها المقاومة خلال المعارك، لتثير تساؤلات مقلقة في ضوء عدم تزود الجيش بمعلومات من قِبَل الاستخبارات بامتلاكها صواريخ وأسلحة بهذه القدرة.
الإخفاق الميداني للجيش: لم تكن لجان التحقيق الإسرائيلية بحاجة لجهد كبير للوصول للقناعة ذاتها التي وصل إليها بعض العسكريين، وهي أن الإدارة الإستراتيجية للحرب فاشلة، والبراهين على ذلك كثيرة، أهمها:
عجز القوات البرية في وقف حرب الاستنزاف، التي واصلت المقاومة شنّها حتى اللحظات الأخيرة.
فشل الإستراتيجية القائمة على تجنيب "الداخل الإسرائيلي" أي هجوم خارجي، والحرص على خوض حروبه كلها بنقلها فوراً لأرض أعدائه.
وجاءت العرائض التي أرسلتها مجموعة من المقاتلين لقادة الجيش ورئيس الحكومة ووزير الدفاع، احتجاجاً على الأداء الفاشل لقياداتهم العسكرية في ميدان الحرب، وقبل ذلك وبعده، عدم وضوح هدف الحرب، الذي لم يحدد بصورة واضحة أمام الجنود والضباط، والإجماع الذي ساد أوساط المحللين العسكريين على أن ما تلقاه الجيش أمام المقاومة هو "ضربة قاضية"، وبقولهم: "تلقينا صفعة".
وبالتالي لم يجدوا أنفسهم أمام "فشل" عسكري فقط، بل أمام "كارثة" إستراتيجية لم تتضح بعد تبعاتها وإسقاطاتها السلبية بعيدة المدى، فما زال الإسرائيليون جاثمين على الأرض في شبه إغماء، محاولين فهم ما حدث!
تبدد الروح المعنوية الإسرائيلية: أصيبت الروح المعنوية الإسرائيلية في مقتل من خلال عدة شواهد، لعل أهمها المعارك البرية شرق قطاع غزة، حيث تبددت هذه القوة تحت وطأة ضربات المقاومة، وأثبتت المعارك إمكانية تحقيق تكافؤ في التدريب النوعي، إذا ما تحولت العقيدة القتالية من اعتماد الكمية إلى النوعية، وجاء الصاروخ ليبدد الحلم نهائيا بأن تحارب "إسرائيل" من وراء الحدود، وتبقى في مأمن داخلي مطمئن.
كما كشفت الحروب عن الضعف الملحوظ والمتزايد في الروح المعنوية التي سكنت الإسرائيليين، بل إن قوة الردع تهاوت وتجلت حين فشلت العملية البرية، ما سيجعل قادة الجيش "يعدون على أصابعهم العشرة" مستقبلا قبل اختراق الحدود، وضرب مواقع المقاومة، خوفاً من أطنان المتفجرات، التي أثبتت المقاومة أنها قادرة على صبها فوق رؤوسهم يومياً، بالرغم من "عنفوان" المظلة الجوية الإسرائيلية الضاربة.
لقد سجلت حروب غزة من أطول الحروب التي خاضتها "إسرائيل"، حتى اللحظة وأعقدها، وأصعبها، وأكثرها كلفة من الناحية الاقتصادية، والأبهظ من الناحية المعنوية، وفوجئت بمواجهة معطيات قاسية:
ضعف قدرة الجيش على مواجهة حرب عصابية، ذات قوة متحركة تفتقد لقواعد ثابتة.
عدم القدرة على السيطرة على ميدان المعركة في الزمان والمكان ونوعية التسلح.
لم يكن سلاح الطيران يتمتع بالفعالية ذاتها التي تمتع بها في الحروب السابقة.
ما زاد الطين بلة أن الجيش القوي يواجه قوة غير نظامية وغير متكافئة معه البتة من حيث القوة العسكرية، وفي بقعة جغرافية صغيرة بحجم قطاع غزة.
أخيرا.. لعل التعرف على حجم إيلام الإسرائيليين خلال حروب غزة، يتجلى في التعبيرات التي خرج بها الإعلام الإسرائيلي قبيل الذهاب إلى تلك الحروب، ومنها: "دم.. عرق ودموع.. هذا ما ينتظرنا في الأيام القريبة القادمة.. اختبار الدولة.. اختبار المتراس الاجتماعي.. قدرة الصمود.. قدرة الامتصاص"، كلها تؤكد ذلك.