حقق الجيش التركي والجيش السوري الحر، فجر الأحد، انتصارا كبيرا، حين دخلت القوات المشاركة في عملية غصن الزيتون مدينة
عفرين شمال غربي
سوريا، بالتزامن مع ذكرى انتصار الجيش العثماني على البريطانيين والفرنسيين في معركة جناق قلعة التاريخية قبل أكثر من قرن. وفرح المؤيدون للعملية العسكرية التي أطلقها الجيش التركي قبل حوالي شهرين بهذا الانتصار، كما اضطرت المعارضة التركية للتعبير عن فرحتها، ولو على مضض.
المقصود بالمعارضة التركية هنا هو بالتحديد
حزب الشعب الجمهوري برئاسة كمال كيليتشدار أوغلو، وقد يضاف إليه بعض الأحزاب الصغيرة، كـ"الحزب الجيد" الذي تأسس مؤخرا برئاسة البرلمانية السابقة مرال آكشنير؛ لأن هناك أحزابا تؤيد عملية غصن الزيتون بقوة، على الرغم من أنها غير مشاركة في الحكومة، كحزب الحركة القومية برئاسة دولت بهتشلي وحزب الاتحاد الكبير الذي يتزعمه مصطفى دستيجي. وأما حزب الشعوب الديمقراطي الذي ينشط في
تركيا كجناح سياسي لحزب
العمال الكردستاني، فيعارض هذه العملية جملة وتفصيلا؛ لأنها تستهدف عناصر المنظمة الإرهابية الانفصالية، وترمي إلى تطهير منطقة عفرين من الإرهابيين.
حزب الشعب الجمهوري، منذ بداية الثورة، يؤيد نظام الأسد ويعادي جميع فصائل الثوار. ويرى أن ما يجب على الحكومة التركية في الملف السوري هو الجلوس على طاولة المباحثات مع النظام لترميم العلاقات. وكان يرفض بشدة أن تفتح تركيا أبوابها أمام اللاجئين الهاربين من مجازر قوات النظام وحلفائه، ولذلك يحمل خطابه قدرا كبيرا من الكراهية والتحريض ضد اللاجئين.
قبل انطلاق عملية غصن الزيتون، كان حزب الشعب الجمهوري يطالب الحكومة التركية بإرجاع السوريين إلى بلادهم، ويقول: "ليقاتلْ السوريون في بلادهم بدلا من التسكع في شوارع المدن التركية وسواحلها، وبدلا من أن يقتل أبناؤنا من أجلهم". وكان يسعى إلى تصوير العملية على أنها فقط من أجل السوريين، وليس من أجل القضاء على المخاطر الجسيمة التي تهدد الأمن القومي التركي. وبعد انطلاق العملية بمشاركة الجيش السوري الحر، وحمل هؤلاء الشباب السوريين السلاح ليقاتلوا جنبا إلى جنب مع إخوانهم الأتراك ضد المنظمة الإرهابية، انتقد حزب الشعب الجمهوري مشاركة هؤلاء السوريين في العملية، ووصف الجيش السوري الحر بـ"الإرهابيين".
حزب الشعب الجمهوري والمقربون منه كانوا يعارضون التدخل العسكري في شمال سوريا لإبعاد الإرهابيين عن الحدود التركية، وبعد أن انطلقت العملية بتأييد شعبي واسع، بدأ يحذر من دخول مدينة عفرين، بحجة أن تحريرها من الإرهابيين قد يؤدي إلى سقوط عدد كبير من الشهداء في حرب الشوارع. وبعد تحرير مدينة عفرين وهروب الإرهابيين منها، نسي حزب الشعب الجمهوري تحذيراته، وقدَّم تهانيه إلى الجيش التركي، وقال إنه كان واثقا من انتصاره.
هذه المواقف المتناقضة من عملية غصن الزيتون سببها الخوف من غضب الشعب التركي الذي يؤيد العملية ويفتخر بنجاحها، كما أن كيليتشدار أوغلو ورفاقه، على الرغم من معارضتهم الشديدة للعملية، لا يريدون أن يرى الشارع التركي حزب الشعب الجمهوري كــ"محامي حزب العمال الكردستاني" و"معادٍ للجيش التركي".
تركيا مقبلة على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية في 2019. وهذه الانتخابات ستؤدي إلى طي صفحة النظام البرلماني وتنقل البلاد إلى النظام الرئاسي. ولذلك، يسعى حزب الشعب الجمهوري إلى تشكيل تحالف انتخابي قادر على منافسة تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية في هذه الانتخابات بالغة الأهمية، ولا يريد أن يخسر أصوات القوميين الأتراك والعلمانيين الذين طالما قدَّسوا القوات المسلحة التركية.
عملية غصن الزيتون قد تنتهي بعد تحرير ما تبقى من مناطق عفرين، إلا أن تركيا عازمة على تطهير الشمال السوري من الإرهابيين. وكانت هناك تفاهمات توصلت إليها أنقرة وواشنطن خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون، إلا أن عاقبة تلك التفاهمات أصبحت مجهولة بعد إقالة تيلرسون وتعيين مايك بومبيو وزيرا للخارجية الأمريكية. وذكر وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، في مؤتمر صحفي عقده اليوم الأربعاء، أن تركيا لم تتوصل بعد إلى اتفاق نهائي مع الولايات المتحدة حول مدينة منبج، إلا أن تركيا ستواصل مساعيها لحماية أمنها القومي وتطهير حدودها من الإرهابيين، سواء عن طريق الدبلوماسية والتفاهمات، أو التدخل العسكري على غرار عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، وبغض النظر عن معارضة حزب الشعب الجمهوري ومواقفه المتقلبة.