هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قلت في آخر مقال لي هنا، ما معناه أن جامعة الدول العربية، قامت بدون دراسة جدوى، وما زالت عديمة الجدوى، وسجل "إنجازاتها" الخاوي كفؤاد أم موسى، شاهد على ذلك (استثني هيئة أليسكو التابعة لها فقد اجتهدت، ولها سجل مشرف في مجالات التربية والتعليم والثقافة).
وفي نظر المواطن العربي، فالجامعة العربية مثل استراليا، التي تقول الوثائق الرسمية إنها قارة، ولكن لا أحد يحس بوجودها أو يسمع عنها كثير شيء، وجُل ما نسمعه عن هذه المنظمة التي شاخت وهي في المهد (عمرها اليوم زهاء سبعة عقود)، يتعلق بضائقات مالية تعاني منها.
ومن الناحية الدفترية، فميزانية الجامعة السنوية فوق الستين مليون دولار، ولكن، ولأنه، حتى الدول الأعضاء "تستخسر" فيها مثل هذا المبلغ، فإنها لا تفي بالتزاماتها المالية السنوية تجاهها، ويقال إن شح الموارد المالية يشكل تحديا وجوديا للجامعة وقد يؤدي إلى إغلاقها (إنه سميع مجيب).
وأوردت في مقالي الأخير بالعنوان أعلاه، كيف أن لوائح الجامعة تكشف عوار أنظمتها، من حيث أنها تنص على أنه من حق أي دولة رفض الالتزام باي قرار لم توافق عليه، حتى لو أجازته بقية الدول الأعضاء، وبهذا فإن الجامعة تحترم أصول الديمقراطية في الدول الأعضاء: راي الأغلبية غير ملزم للحاكم.
في عام 2016 تدهورت ميزانية الجامعة الى نحو عشرين مليون دولار، وتعللت بعض الدول الرافضة لسداد حصصها المتفق عليها في الميزانية، بأن معظم بنودها مخصصة للرواتب ومكافآت نهاية الخدمة للموظفين الذين بلغوا سن التقاعد.
مدى الهرج والمرج في تصريف شؤون الجامعة المالية، يؤكده ما تم اقتراحه خلال الفترة من 2012 إلى 2015 بإنهاء خدمات 400 موظف في الجامعة يعملون لسنوات طوال بعقود "مؤقتة"، ولكن أن تتساءل بالمصري "ودي تيجي إزاي؟" كيف عقود مؤقتة ولسنوات طوال.
وثمة أمر غريب آخر في إدارة شؤون الجامعة العربية: أمينها العام يجب أن يكون مصريا، و"يجب" هذه ليس منصوصا عليها في ميثاق الجامعة أو نظامها الأساسي، ولكنه يحدث ب"الاجماع السكوتي"، وتداول على المنصب ثمانية أشخاص كان الوحيد غير المصري منهم هو التونسي الشاذلي القليبي، الذي كان حالة استثنائية لأنه تقلد المنصب في الفترة التي تم فيها تجميد عضوية مصر في الجامعة عقب إبرامها اتفاق سلام مع إسرائيل، وانتقال مقر الجامعة من القاهرة الى تونس (استقال من منصبه عام 1990 احتجاجا على الاعتداء الدولي بقيادة الولايات المتحدة على العراق، في سياق تحرير الكويت من الاحتلال العراقي).
ولا أشكك في الكفاءة المهنية للمصريين السبعة الذين شغلوا المنصب، فأربعة منهم كانوا دبلوماسيين ذوي خبرة ضخمة في السياسة الدولية، ولكن جعل منصب الأمين العام حكرا لمصر، باعتبار أنها الدولة صاحبة المبادرة في تأسيس الجامعة، يقوم دليلا على أن أمور الجامعة تدار ب"المجاملات"، أو على أن بقية الدول الأعضاء لا ترى في المنصب ما يغريها على الحرص على الفوز به.
من اقترح إنشاء منظمة الأمم المتحدة هو الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين روزفلت، في عام 1942، وانعقد المؤتمر التأسيسي للمنظمة في سان فرانسيسكو، وتم اختيار نيويورك مقرا لها، ومع هذا لم تطالب الولايات المتحدة باحتكار منصب الأمين العام للمنظمة، بل شكلت عصابة مع كبار المؤسسين الخمسة، تحمل اسم مجلس الأمن تنص لائحته على نص مسروق من لائحة الجامعة العربية: إذا رفضت واحدة من الدول الخمس قرارا ما للمجلس، يحبط القرار ويصبح كأن لم يكن (لائحة الجامعة أفضل حالا في هذه الجزئية، لأن الدول التي ترفض قرارا لمجلس الجامعة، في حِلٍّ من الالتزام به، ولكن الدول الموافقة عليه تلتزم بها – إذا رأت ذلك).
ومن أقوى النصوص في ميثاق جامعتنا هذه "لا يجوز الالتجاء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين من دول الجامعة". طيب ماذا إذا لجأت دولتان عضوتان الى القوة لفض نزاع بينهما؟ سؤال سخيف. ففي مثل هذه الأحوال هناك الأمم المتحدة والولايات المتحدة.
ولأن ذلك النص يتعلق بالنزاع بين دولتين فالجامعة هذه غير معنية بالاقتتال الدامي داخل الدول الأعضاء، وبالتالي، لا شأن لها بالتقاتل الأهلي في دارفور في غرب السودان، وفي كردستان في شمال العراق، ولم تذرف حتى دمعة تمساحية، عندما فقد السودان ثلث مساحته وسكانه بانفصال الجزء الجنوبي منه.
وإليك قائمة بالاتفاقيات التي وقعت عليها جميع الدول الأعضاء في الجامعة:
1.تسهيل التبادل التجاري
2.التعرفة الجمركية الموحدة
3.المؤسسة العربية للإنماء الاقتصادي
4.اتفاقية الوحدة الاقتصادية
5.اتفاقية الدفاع العربي المشترك
هذه اتفاقيات عمرها أكثر من نصف قرن، وإذا أثبت لي أحدٌ أن أيّاً منها موضع تنفيذ بنسبة 5%، "أحلق شنب" سينغ شوهان الهندي، الذي يفوق طوله أربعة أمتار وادفع له التعويض الذي قد يطالب به.
وكلمة إنصاف في حق الجامعة العربية كجسم اعتباري: ليس كل العلة فيها، بل في عضويتها، التي تريد لها أن تظل كليلة ومشلولة، و"لا تعمل رأسها برأس الأمم المتحدة او الاتحاد الأوربي".