هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في معركة الوجود والتصادم مع إرادات كبار المستعمرين، يبدي
الفلسطينيون لياقة فذة في تفكيك الألغام، والعبور من أصعب المراحل، وهم يعرفون أي
قوة يمتلكون، إنها قوة الحق، وإنها مكانة فلسطين في قلوب العرب والمسلمين.. وتصبح
إدارتهم للمعركة هي السلاح الفتاك إما لهم أو عليهم، وهي أقوى من كل الأسلحة.
فلقد
أصبح جليا أن لا أحد يستطيع أن يبيع ويشتري بالقضية الفلسطينية إن هم وقفوا على
تخومها رافضين التنازل.. بل وسيجد الجميع أن لا طريق أمامهم إلا الوقوف مع
الفلسطينيين في الدفاع عن القدس والأرض المباركة، وهذا يلقي عليهم مسؤوليات إضافية
بأن يتحسسوا خطواتهم التي ينتظرها مئات ملايين العرب والمسلمين ويحبسون أنفاسهم
على وقعها، ويحددون مسار خطاهم على ضوئها.
لم
يتوحد العرب والمسلمون، ولم يبذلوا دما وأموالا بسبب أي قضية كما فعلوا ويفعلون
بسبب القضية الفلسطينية، وهم لا يزالون على استعداد أن يبذلوا الغالي والنفيس،
والمسألة فقط رهينة بالموقف الفلسطيني.
لم
يبخل العرب والمسلمون بمشاعرهم وبفيض إخلاصهم لفلسطين، ولقد ارتقى الأمر لديهم أن
جعلوها معيارا، فمن اقترب منها بخير فهو عزيز وحبيب، ويكفي هنا أن نتحسس مشاعر
العرب والمسلمين نحو فنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية وسواها من الدول التي تقف مع
فلسطين، ويكفي أيضا أن نتحسس مشاعر الأمة نحو الإدارات الأمريكية والغربية، بل
والأنظمة العربية التي تهاونت مع القضية الفلسطينية، لندرك بعد ذلك أن فلسطين
الرقم الصعب، وأنها قوة كبيرة وحقيقية بيد الفلسطينيين متى استطاعوا أن يفعلوها
ويتحركوا بنفاذيتها.
فماذا
سيفعل الفلسطينيون بعد أن أغلق ترامب الباب في أوجه السلطة الفلسطينية وأشار إليها
بالدخول من باب موارب يتم التنازل عند عتبته الأولى عن القدس واللاجئين، يعني
بوضوح تصفية القضية الفلسطينية؟ ماذا سيفعل الفلسطينيون؟
هل
يكفي تقديم ملفات الانضمام إلى بعض المنظمات الدولية؟ إن ذلك يوجب التنبه والحذر،
حيث كما يبدو أصبحت القضية الفلسطينية عبارة عن حقيبة بيد وزير الخارجية
الفلسطينية يفتحها وفق المسموح به على أرضية تقدير مواقف يتحكم فيها أكثر من معطى
ذاتي وموضوعي.
من
المؤكد أن السياسيين الفلسطينيين يدركون أن هناك مئات القرارات الأممية لصالحهم،
بل لديهم قرار دولي بالسماح لهم بقيام دولتهم على ما يقارب النصف من فلسطين
التاريخية ويعرفون أنهم لم ينالوا أقل بكثير مما أقرته الشرعية الدولية، ويمكن
إضافة قرارات المنظمات الإقليمية إليها، ولكن دونما فائدة.
بعد
أن أكد الرئيس الفلسطيني أن لا جدوى من الوضع القائم المجسد في السلطة بلا سلطة
ومفاوضات عبثية، يصبح على الفلسطينيين اتخاذ خطوات عميقة لتجديد ثورتهم والانسلاخ
من معطيات الوهم بسلام تصنعه الإرادة الدولية.. فهل من الوارد أن تتجدد الحالة
السياسية الفلسطينية بعد أن تكلست أوضاع كثيرة وأصبحت عبئا على صانع القرار
الفلسطيني بما اكتسبته من امتيازات وليدة اتفاقيات أوسلو..؟
ليس
أمام الفلسطينيين إلا باب واحد.. إنه المقاومة والمرابطة، وسحب الاعتراف بالكيان
الصهيوني، ووقف كل أشكال التنسيق، وإحياء فعالية منظمة التحرير الفلسطينية
باستيعاب كل الطيف الفلسطيني، عسى أن يستطيعوا مواجهة التحدي الكبير.. والله غالب
على أمره.
الشروق الجزائرية