كتاب عربي 21

حادث مروع جديد في بنغازي

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600
هكذا هي الأحداث في ليبيا متسارعة بشكل يفاجئك، فقد كتبت مقال هذا الأسبوع مساء الأربعاء تعقيبا على بعض كلام رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا السيد غسان سلامة، ثم وقعت الاحتجاجات بسبب التحقيق مع الرائد محمود الورفلي في مدينة بنغازي فكان أن تخليت عن موضوعي الأول.

لم يجف الحبر على الورق حتى وقع التفجير المروع في مسجد سعد بن عبادة في أحد أحياء المدينة المنكوبة فلم يكن بد مما منه بد.

لن تسعفني الكلمات لوصف المرارة والحزن وأنا أراقب الأحداث المروعة والتي كان آخرها تفجير كبير في مسجد في حي مكتظ وفي صلاة الجمعة، وبقدر الألم والحزن الذي يعتريك فإن هناك غضب عارم تجاه من يقدمون على مثل هذه الأعمال التي تفوق الإجرام والإرهاب، ولا يشفي الغليل القلم في نقل ما تشعر به تجاههم.

وفي زحمة هذه الحالة الشعورية ومع متابعة ردود الفعل على الواقعة المروعة تختلط عندك المشاعر مرة أخرى وأنت تراقب كيف يتم توظيف الحديث بشكل غير مقبول في متاهات الصراع السياسي، وكيف يذهب التفكير الشيطاني بالبعض لتحقيق السبق في جر الجريمة لصالحه.

الأعجب هو ما تسمعه من القيادات السياسية والأمنية والذين لا يختلفون أبدا في أسلوبهم الخطابي عن المهرجين والمتشنجين على شاشات التلفاز وفي صفحات التواصل الاجتماعي.

في زحمة هذا التهريج يبتعد مسار التعامل مع تلك الوقائع الإرهابية المروعة عن الجادة وعن الإجراءات الصحيحة لتحقيق الهدف الأكبر وهو منع وقوع مثل هذه الجرائم مرة أخرى، وتخضع للتوظيف السياسي والعسكري واللذان لم ولن يفيدا في وقف الترويع الذي واجهته ولا تزال تواجهه بنغازي.

لقد عادت بنغازي إلى مربعها الأول فيما يتعلق بملف الإرهاب وأحداث الترويع التي عرفتها خلال السنوات 2012-2014، وذلك بعد شن حرب مدمرة، فهل من معتبر من هذا الواقع المر؟، وهل يمكن أن تتحرك العقول باتجاه عمل وطني يتجاوز أخطاء التجربة السابقة.؟

الاغتيالات مستمرة، وفجائع التفجيرات أكبر، بالمقابل فإن الجبهة الأمنية التي من المفترض أن تشكل درع الحماية مهلهلة، وتشلها الفوضى في التخصصات ويضعفها صراع النفوذ.

الجيش التابع للبرلمان لا ينشط إلا في المواجهات المفتوحة، ولقد كانت الأهداف بالنسبة إليه واضحة في العام 2014، أما اليوم فالصورة مختلفة، وإذا أردا الجيش أن يخوض حربا فهي مع أنصار الأمس وشركاء حرب الكرامة.

ترِكة السنوات الأربع الماضية أوجدت عدد كبيرا من الكتائب والتشكيلات التي تسهم في إرباك المشهد وفسح المجال للاختراقات الأمنية، وسيناريو صراع النفوذ غير مستبعد من قائمة الاحتمالات في تفسير دوافع ما يقع في بنغازي اليوم.

هناك اليوم حاكم عسكري، وأجهزة شرطية بقيادة مديرية الأمن، وهناك البحث الجنائي، وهناك الأمن الداخلي والأمن المركزي، غير أنها لم تقم بما يطمئن المواطن فيما يتعلق بسلسلة التفجيرات التي استهدفت أفرادا بعينهم، أو تلك التي أوقعت عشرات الضحايا، إذا لم يدار تحقيق جاد جنائي قضائي مكتمل الأركان ثم قدمت نتائجه للرأي العام في أي من الوقائع المتكررة.

تحجج البعض بمسألة شح المال وأن هناك اتجاه إلى تحويل الأنظار إلى معركة سياسية حول حصة بنغازي من موارد البلاد، وهذه قضية لا يمكن أن تفيد في السعي لمجابهة الخطر الداهم وذلك في ظل الانقسام الواقع.

ومن المهم أن ننوه إلى أن التمويل لم يكن مشكلة بقدر ما كان هدر المال هو التحدي، فقد تحدث تقرير للمصرف المركزي بطرابلس عن أن حجم الانفاق العام تحت سلطة الحكومة المؤقتة ومركزي البيضاء تجاوز 20 مليار دينار.

صندوق النقد الدولي كشف أن الحكومة المؤقتة أنفقت في عام 2015 نحو 10 مليار دينار ليبي وذلك مع استمرار صرف المرتبات الحكومية والدعم السلعي ودعم الوقود عن طريق مركزي طرابلس، ولن أناقش مصادر التمويل وكيف تحصلت الحكومة المؤقتة على هذه المبالغ الكبيرة، ولكني أتسأل أين ذهبت تلك الأموال، ولماذا لم يوجه قدر منها لتعزيز القدرات الأمنية لمواجهة الأعمال الإجرامية التي تشهدها المدينة اليوم؟!

مأساة بنغازي يمكن أن تستمر إذا ظل الواقع السياسي والأمني على ما هو عليه، وإذا ظل اتجاه التفكير منحصر في التراشق وتبادل التهم والتهييج، وغاب التفكير المنهجي والضغط النخبوي والشعبي باتجاه تحميل القيادات والأجهزة النافذة المسؤولية في حال استمر مسلسل الترويع.

0
التعليقات (0)