هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "ميديابار" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن قرار وزارة العدل الإسرائيلية فتح تحقيق ضد محقق في جهاز الأمن الداخلي في إسرائيل بتهمة ممارسة التعذيب بحق فلسطيني.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن هذه الخطوة تعتبر سابقة تاريخية أثارت جدلا كبيرا وموجة من التخمينات حول مدى جديتها وأهدافها الخفية والمعلنة، وفي هذا الإطار، فتحت وزارة العدل تحقيقا جنائيا ضد أحد أعضاء الشاباك بتهمة "ممارسة أعمال محظورة أثناء تأدية عمله".
وصرحت مديرة اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل، راشيل سترومزا، أنه لولا أن القضية تتعلق بالتعذيب لما تكفلت بمتابعتها "ميتفان"؛ وهي كلمة عبرية واختصار لاسم وحدة إسرائيلية مسؤولة عن التحقيق في شكاوى التعذيب الواردة من قبل السجناء أو المشتبه بهم ضد محققي الشاباك.
ونقلت الصحيفة عن سترومزا قولها إن "فتح هذا التحقيق مهم جدا، وضروري لكي تُفهم وزارة العدل الشاباك بأنه ليس فوق القانون. وفي الأثناء، لا يمثل هذا التحقيق إلا المرحلة الأولى، وأخشى أن يكون الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، وبالتالي، يجب ألا يعتقد الناس أن هذا التحقيق سينهي المشكلة".
وقد شاطر مدير مركز "عدالة" القانوني، حسان جبارين، الذي يدافع عن حقوق عرب إسرائيل، سترومزا الرأي والتحليل، مصرحا إن "هذا التحقيق يأتي بعد أن تم تجاهل مئات الحالات المشابهة. وسيؤكد ذلك للشاباك على أن النظام له ضوابط ويجب أن يحترم القانون".
وأوضحت الصحيفة أن وحدة "ميتفان"، ومنذ إنشائها في سنة 2001، لم تتخذ أي إجراء بشأن الآلاف من الشكاوى التي وصلتها حول حالات تعذيب مارسها محققو الشاباك. من جانبها، أكدت سترومزا ذلك، حيث قالت: "لقد قدمنا لهم اتهامات تتضمن انتهاكات خطيرة تتعلق بالتعذيب الجسدي والجنسي والنفسي، ومدعومة بحجج طبية وإدارية. إلا أنه من الصعب تصديق أن أي من هذه القضايا لم تعتبر قوية بما فيه الكفاية لفتح تحقيق جنائي".
اقرأ أيضا: كيف عمل "الشاباك" على حصار المدارس العربية في مناطق 48؟
وأضافت سترومزا أنه "كان بالإمكان إجراء تحقيقات دون توجيه اتهامات إليهم، أو كان بالإمكان تقديم لوائح اتهام دون محاكمة تؤدي إلى إدانة. ففي كل نظام نجد أناسا يقومون بأشياء سيئة، ولا أعتقد أن الشاباك يمثل استثناء لذلك".
ونقلت الصحيفة عن المحامية الإسرائيلية المتخصصة في الدفاع عن السجناء الفلسطينيين، ليا تسيميل، قولها: "منذ سنوات، دافعت عن فتاة من غزة تعرضت للتعذيب الجنسي من قبل محقق في الشاباك. وأنا أعلم أن هذا المحقق أصبح محل تحقيق داخلي، ومن المحتمل أنه لم يعد يسمح له باستجواب النساء والأطفال. وفي حالات نادرة، سمعنا بتغيير منصب محقق ما، أو وضعه محل متابعة في أعقاب صدور تقرير داخلي. ومن المؤكد، بحسب ما أعلم، أنه لم يتم في أي حال من الأحوال طرد أي منهم من الشاباك".
وأكدت الصحيفة أنه خلال سنة 1999، وفي سابقة تاريخية، قضت المحكمة العليا الإسرائيلية بالإجماع بعدم السماح للشاباك باستخدام التعذيب خلال الاستجواب، وأن استخدام مثل هذه الأساليب سيُحظر من الآن فصاعدا. أما على أرض الواقع، ومثلما هو الحال في غرف الاستجواب، لم يتخل جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي أبدا عن ممارسة التعذيب.
وأوردت الصحيفة تصريحات المحامي أفيغدور فيلدمان، ومؤسس اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل، الذي طعن في نزاهة المحكمة العليا في ذلك الوقت، واعترافه قبل بضعة أسابيع بأنه كان "ساذجا" باعتقاده أنه قد حقق النصر، حين أصدرت المحكمة قرارها بحظر التعذيب. وقال فيلدمان في مقال نشرته صحيفة هآرتس: "إن فرحتنا كانت سابقة لأوانها. إن التعذيب أمر شائع ومبتذل وسيبقى كذلك، وسنظل نحن المحامون سُذّجا".
وقالت الصحيفة إن المحامين اعتقدوا عند إعلان تكوين وحدة "ميتفان" بمرسوم من المحكمة العليا، بأن هذا الأمر يعد خطوة إيجابية إلى الأمام. في المقابل، أوردت ليا تسيميل أنه "سرعان ما تبين لنا بأن الأمر كان مصطنعا". وتجدر الإشارة إلى أن وحدة "ميتفان" كانت دائما مرتبطة بالشاباك، ولم يكن فيها سوى محقق واحد يتلقى أوامره من الجهاز الذي كان من المفترض أن يراقبه.
وأضافت الصحيفة على لسان تسيميل أنهم "صنعوا شبحا ليُسكتونا، وليجعلونا نعتقد بأنهم يأخذون شكوانا على محمل الجد، ويحققون في محتواها، ولكنها ليست أكثر من طريقة لدفنها. في الواقع، لا تستجوب وحدة "ميتفان" المتهمين في تلك الشكاوى إلا نادرا، وإن فعلت ذلك، فيكون بحضور عضو من الشاباك. ولا يمنحنا ذلك شعورا بأن التحقيقات مستقلة. فالهدف من ذلك واضح جدا، وهو تبييض سيرة المحققين المدانين بممارسة التعذيب، ويحدث ذلك في 99 بالمائة من الحالات".
وذكرت الصحيفة، فيما يتعلق بالسبب الذي فُتحت من أجله هذه التحقيقات، أن بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية ترى بأن الشكوى قد دُعّمت بشهادة عضو آخر في الشاباك. ولكن، لم تؤكد وزارة العدل بعد هذه الإفادة. من جهتها، ترى راشيل سترومزا أن السبب قد يكون سياسيا وأسلوبا جديدا تواجه به وزارة العدل الانتقادات الموجهة لها منذ سنوات، بسبب سماحها للمتهمين المنتمين للشاباك بالإفلات من العقاب.
اقرأ أيضا: ميزانية الشاباك والموساد تحطم رقما قياسا.. كيف تحدد؟
وأشارت الصحيفة إلى أن الدراسات التي أُجريت حول التعذيب، أثبتت أن الأساليب التي يتبعها الشاباك غير ناجعة للحصول على المعلومات. وقد شرح شاين أومارا، أستاذ في تجارب الأبحاث الخاصة بالدماغ في كلية الثالوث في دبلن، في كتابه الذي نُشر في سنة 2015، أن الضغوطات تخلق اضطرابات في الذاكرة والمزاج والتفكير، وأن من يعاني من كل ذلك لا يمكن أن يفصح عن معلومات صحيحة ومعتمدة.