ضاق الخناق على عبد الفتاح السيسي بعد ان عجز
عن الظفر بمرشح رئاسي يقدّه على المقاس. فبعد الانسحاب المهين الذي فُرض على احمد
شفيق اثر تسليمه من الامارات، ثم اعتقال سامي عنان قائد الأركان سابقا والمرشح
القوي من داخل المؤسسة العسكرية والقادر على منافسة السيسي، سارع قادة حزب النور
السلفي كعادتهم، بلحيهم الكثة ووجوههم الكالحة ليعلنوا دعمهم السياسي لعبد الفتاح
السيسي في الانتخابات الرئاسية القادمة، تماما كما اصطفوا خلفه وهو يتلو بيان الانقلاب
على الثورة والشرعية قبل اربع سنوات.
ولَم يجد هؤلاء صعوبة في حشد الأدلة
"الشرعية" والسياسية لإسناد السيسي في المسرحية الانتخابية القادمة
ومساعدته على فرض نفسه حاكما مطلقا أوحد لمصر ما بعد الثورة.
ليس سرا ان التيارات السلفية باتت في اغلبها عبئا
ثقيلا على الاسلام وإفسادا للدين والدنيا عامة. ولا اتحدث هنا عن السلفية بما هي
مدرسة فقهية محددة من بين المذاهب السنية الأربع المعروفة، اي المذهب الحنبلي
واتباعه.
ولا اتحدث ايضا عن التدين التلقائي الذي يغلب
عليه السمت السلفي المحافظ، كما هو الحال في بعض دول الخليج العربي وحتى بلاد
الشام. اقصد ذلك التيار الديني الذي يتسم بالتشدد الفكري والسياسي، وياخذ تارة
طابعا تكفيريا عنيفا، ويغدو تارة اخرى مجرد العوبة بيد اصحاب النفوذ والسلطة.
يركز هذا التيار على اختلاف تمظهراته على قراءة
اختزالية للنصوص الدينية، ويولي عناية خاصة بالمظاهر الدينية الشكلية، من اطالة
اللحية وتقصير القميص وفرض النقاب على النساء وعدم الاختلاط بهن.
في السلفيات الدينية نزوع عنيف يسوّغ التكفير
وازهاق ارواح غير المسلمين ويستحل دماء المسلمين (على نحو ما نرى في تيار القاعدة
وتفريعاته اللاحقة، من النصرة الى داعش الى أنصار الشريعة).
وهذا الصنف يجمع بين التطرّف في الفكر وفهم
الدين وممارسة العنف في السياسة، بما يجعل اتباعه خطرا على استقرار المجتمعات وتشويها
لصورة الاسلام الذي جعلوه عنوانا للعنف والارهاب واهراق دماء الأبرياء وتخريب
العمران.
وعلى الجهة المقابلة تطالعنا سلفيات اخرى تبدو
في ظاهرها بالغة التشدد الفكري والفقهي، لكنها شديدة الانصياع السياسي، تؤدي دورا
شبيها بالإكليروس الديني في القرون الوسطى بأوروبا.
توكل لهولاء مهمة ترويج مقولات طاعة ولي الامر
المطلقة وتحريم الخروج عليه، عبر النبش في المفاهيم الفقهية القديمة التي تقرن
مفهوم الفتنة بالخروج على الحاكم. هكذا يغدو اي نوع من انواع المعارضة السياسية
"خروجا" و"فتنة" و"ضلالا" يودي بصاحبه في النار في
الآخرة ويستوجب السجن، ولم لا قطع الرقاب في الدنيا.
وتعتبر الوهابية التي نشأت في نجد قلب الصحراء
العربية، مصدرا مباشرا أو غير مباشر للتيارات السلفية. والمفارقة ان الوهابية التي
قامت في اصلها على الخروج على العثمانيين الأتراك وتكفيرهم، حرمت الخروج لاحقا،
بعد ان تحولت الى ايديولوجيا رسمية في خدمة الدولة.
اذ لا تجيز الوهابية اي نوع من المعارضة
السياسية أو انتقاد الحاكم ولو كان مخففا، وتعدّ ذلك خروجا على ولي الامر، وتشدد
على ان نصيحة ولي الامر لا تكون الا خاصة له وفِي مجلسه، اي مباشرة من فم
"السلفي" الى اذن ولي الامر.
وهذا يعني واقعا استحالة هذه النصيحة، لان
الأرجح ان تنعقل ألسنة من يفترض فيهم إسداؤها، وجلا، قبل النبس ب"النصيحة
الخاصة"، أو ان تقطع ان هي انطلقت، وبلغت كلماتها مسامع "ولي
الامر" في "مجلسه الخاص".
وليس سرا ان بعض دول الخليج التي صدمها الربيع
العربي، المعادية للديمقراطية والإصلاح السياسي في الصميم، قد عملت ولاتزال على
استخدام التيارات السلفية لتلويث الساحة الاسلامية وقطع الطريق امام اي إصلاح
سياسي ممكن.
ففي ليبيا، تم استخدام ما يعرف بالتيار المدخلي
السعودي (نسبة لربيع المدخلي) للسيطرة على المساجد والساحات الدينية، وتم تزويده
بالسلاح لبث الفوضى والتحارب في ليبيا.
وفِي اليمن، عملت دول الخليج على توظيف القوى
السلفية في مواجهة ثورة الشباب اليمني ضد عبد الله صالح وتعميق الفتنة المذهبية
بين السنة والشيعة، رغم ما كان يتسم به اليمن من تقاليد تسامح وتعايش بين المذاهب
الاسلامية، وخصوصا الزيدية والسنية.
كما تم استخدام السلفيين في سوريا لتلويث
الأجواء الدينية والسياسية وتأجيج نيران الحرب الأهلية المستعرة.
ويقدم حزب النور السلفي في مصر اليوم نموذجا
مكثفا للوجه المقيت للسلفية السياسية، اذ صار هذا الحزب اداة طيعة بيد النظام
المصري والمخابرات الخليجية التي تضخ له المال وتحدد له المواقف بحسب الحاجة، فغدا
الدين العوبة بيد اصحاب المال والجاه.
بينما غُيِّبت الأحزاب السياسية وحوصرت تحت
سلطة الحكم العسكري في مصر، بقي حزب النور السلفي يتصدر المشهد السياسي وتنشط
مكاتبه ومقراته على امتداد كامل المدن والنجوع المصرية. وكلما احتاج الجيش الى
غطاء ديني وسياسي لتمرير موقف ما، كانوا على أتم الجاهزية لأداء المهمة المطلوبة.
كنت ذكرت في مرات سابقة ان ابلغ الأضرار التي
لحقت بالحالة السياسية الاسلامية تمثلت في الاختراق السلفي بقوة المال الخليجي منذ
سبعينات القرن الماضي، حتى كادت تغيب الحدود الفاصلة بين قوى الاسلام السياسي
والتيارات السلفية.
بل ان هولاء السلفيين المصنّعين على المقاس،
بجدالاتهم الفقهية والدينية الصاخبة، قد فرضوا أجندتهم على الحالة الاسلامية
الواسعة، التي بات يغلب فيها استدعاء النصوص والأقوال التراثية على فهم الواقع
والتبصر به.
وهكذا غدت كتب وخطب "علماء" السلفية،
وخصوصا السعوديين منهم، تُروج على نطاق واسع في العالم الاسلامي، على الفضائيات
وفِي منابر الجوامع، حتى أمسى التدين قرين المظاهر الشكلية في الملبس، لا تعبيرا
عن موقف صادق في الضمير والوجدان يصدّقه السلوك والعمل.
واليوم هاهي السلفيات تصبح منبوذة في الخليج وتَعُدّها نخب الحكم الجديدة
عبئا عليها، فتُقلّم أظافرها في الداخل، لكنها تبقي عليها ذراعا ملائما توظفه خارج
الساحة الخليجية.
ولعل اكبر الأخطاء التي ارتكبها الاخوان
المسلمون في مصر، وكانت من بين الأسباب التي ساهمت في إسقاط ثورة 25 يناير، هي
تحالفهم المبكر مع حزب النور السلفي الذي كان يزايد بمقولات تطبيق الشريعة وأسلمة
الدستور والقوانين. ثم انقلب عليهم بمجرد ان تحركت أولى الدبابات في شوارع القاهرة.
عِوَض ان يقطع الاخوان مع التيار السلفي
ومزايداته الفقهية والدينية ويعملوا على توحيد جبهة القوى المدنية، وخصوصا التيار
الشبابي، لمواجهة تحكم الجيش، اذا بهم يتحالفون مع حزب سلفي اخترقته المخابرات
المصرية والإقليمية حتى النخاع.
وقد ساهم هذا التوجه في تعميق الاستقطاب
الثنائي وبدا الامر وكأنه صراع على الخيارات الأيديولوجية والمجتمعية بين قوى
دينية يمثلها الاخوان والسلفيون واُخرى مدنية أو علمانية يمثلها القوميون
والليبراليون، بدل ان يكون خط الاستقطاب والفرز بين القوى السياسية المدنية في
مواجهة مؤسسة عسكرية تتحكم في مفاصل السياسة والحكم والاقتصاد، في مشهد بالغ البؤس
مظهرا وجوهرا.
ثمة حاجة ملحة اليوم للقطع مع التيارات السلفية
فكرا وممارسة، ومع تركيزها المفرط على المظاهر والاشكال، ومقولات تطبيق الشريعة
وأسلمة الدولة والمجتمع، والتوجه بدلا من ذلك نحو طرح برنامج سياسي واضح لاصلاح
الوضع العربي وإخراجه من متاهات الدكتاتورية وانتشاله من أتون الحروب الأهلية.
هذا يعني تحرير الاسلام من ألاعيب السلفيين
والحكام المستبدين. وقد يكون الرد الأمثل على ذلك المضي صوب ما اسميه بالليبرالية
الاسلامية، التي ينبسط القول فيها في مقالات لاحقة، بإذن الله.
26
شارك
التعليقات (26)
مندهش
الأحد، 26-07-202012:04 م
والله اذا اللي ابتحكية الاخت صحيح .. الله يعينا .. الله يعينا ... الله يعينا
مواطن
الأحد، 09-12-201810:52 ص
اعلم أنك جاهل وجهلك هذا جهل مركب '
فريد
الثلاثاء، 24-04-201802:39 م
السلفية حركة تمشي عكس التاريخ, بل تجعل تاريخ الأمة محصورا في القرون الأولى, طبعا لا شك في فضل السلف الصالح و لا ينكر فضلم إلا من كان يعادي أولياء الله , لكن السلفية شيئ و السلف الصالح شيئ آخر , بل على طرفي نقيض.
لكنكم أنتم جماعة الإسلام السياسي بمسمياتكم كلها المتغيرة و المذبذبة تحالفتم مع السلفية يوما و كنتم تدافعون عنهم و هذا موثق.
اليوم عرفتم أن السلفية خطر!!
ثانيا لا وجود لإسلام سياسي لأن الإسلام في النهاية معتقد فردي يحاسب عليه الناس فرادى, فالشريعة ليست هي الإسلام السياسي بل هي تطبيق لما جاء به الذكر الحكيم من مبادئ و قيم تنظم مجتمعا يفهم الشريعة. أما أن تصبح الشريعة كالموضة التي تبلى بنقص الطلب فهذا مخالف لروح الإسلام.
أنتم جماعة الإخوان تتاجرون في الدين و أنتم أغلبكم لا تعلمون, و منكم من يتعمد و يضل غيره.
رأيتكم تتحالفون مع كل من هب و دب ممن يمهد لكم طريق السلطة و هذا أيضا موثق.
و السلام
اينشتاين
السبت، 24-02-201810:35 م
هذا التيار الذي تتحدثين عنه هو صنيعة الاستبداد المقنع الذي تستر طويلا وراء الدعوة الوهابية ، وتستر كذلك وراء خدمة الحرمين الشريفين ، وعليه فهو من الأدوات الفعالة في يد تلك السياسة لإطالة عمر الاستبداد المتستر وراء الدين . ماذا لو كانت السعودية والإمارات ضد السيسي ، هل كان السلفيون سيقفون هذا الموقف ؟ ماذا لو جاهرت السعودية والإمارات بالعلاقة مع إسرائيل ، هل كان السلفيون سيتأخرون عن تعويم الساحة بالشعارات المعروفة ؟ يمكن أن تروا من المداخلة ( صنع في السعودية ) العجب العجاب ، فهم مرشحون إلى جانب السيسي للقيام بخنق المقاومة داخل فلسطين ، أما تونس فكانت بحق عصية على هؤلاء والحمد لله ، أما الحل فليس من باب اللبرلة كما تقولين أستاذة رغم أن المسلم المتحضر أو الذي انتقل إلى دائرة الإيمان الحق وأدرك دوره الرسالي من باب الشهادة على الناس في دنيا الناس من خلال النموذج المطلوب على طريق التفوق الحضاري ، يمكن أن يكون أكثر الناس ليبرالية بالمفهوم الحقيقي والصارم كما هو مفهومنا للحرية التي تتلاءم مع مفهوم النظام بجميع ركائزه ، الحل يكمن في مرافقة الناس في كل مكان لإنقاذ الأبريان الذين يقعون يوميا في شباك المدخلية ( ماركة سعودية ) بامتياز مصادق عل فعاليتها إماراتيا بامتياز .
سفيان الجزائري
الثلاثاء، 20-02-201802:24 ص
أولا انت عرفتي السلفية تعريف خاطىء وجعلت السلفية كأنها طائفة او فرقة أكل عليها الدهر وشرب او هي عبارة عن شيوخ فقهاء لا يفقهون الواقع وإنما جل اهتمامهم هو تكفير الناس وتبديعهم وانت بهذا التعريف إنما افتريت الكذب وزورت الحقائق أما جهلا او تجاهلا وكلا الأمرين سيان ولكن الثاني أعظم جرما لأن الأول تشبهتي بالنصارى لأنهم عبدوا الله عن جهل فسماهم الله ضالين والثاني فيه تشبه باليهود لانهم علموا الحق ولم يعملوا به .وبالتالي انت جمعتي بين عدة مسميات تحت اسم واحد ونسبتي عدة فرق إلى منهج الحق المنهج السلفي الوسط اهل السنة والجماعة اهل الحديث الطائفة المنصورة أما تسمية الوهابية فهي تسمية الغرض منها الطعن والتشويه وأن كان الشيخ محمد ابن عبد الوهاب شيخ الاسلام المجدد كان سنيا سلفيا تقيا زاهدا دعى الناس الى التوحيد والسنة فرحمه الله .وبعد هذه المقدمة اقول معنى السلفية لغة هي ما مضى من الزمن او الاسلاف هم من سبقونا .فله ما سلف أي ما مضى .وشرعا هم السلف الصالح الصحابة والقرون الثلاث المفضلة .قال الرسول صلى الله عليه وسلم خير الناس قرني ثم اللذين يلونهم ثم اللذين يلونهم .هم القرون الثلاث المفضلة هم من زكاهم الله في كتابه قال الله عز وجل ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الحق ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا. وقال تعالى و السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار واللذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم وأعد لهم جنات تجرى تحتها الأنهار .ويقول تعالى فإن ءامنوا بمثل ما ءامنت به فقد اهتدو. وقال النبي عليه الصلاة والسلام عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي .وقال عمر ابن عبد العزيز عليك بآثار من سبق ولو رفضك الناس .وإياك وآراء الرجال ولو ز خرفوه لك بالقول .وقال النبي عليه السلام أصحابي النجوم في السلام .وباختصار السلفية هي الاسلام الوسط وهي فهم الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح الصحابة والقرون الثلاث المفضلة. وعدم الابتداع في الدين .قال عمر بن عبد العزيز قف حيث وقف القوم فإنهم عن علم وقفوا وببصيرة كفوا .وقال عمر بن الخطاب نحن اعزنا الله بالاسلام فمن أراد العزة في غيره اذله الله .فمن طعن في السلفية فهو يطعن في المنهج الرباني في المنهج السني الذي يبني أصوله على فهم الكتاب والسنة على فهم السلف اي الصحابة والتابعين لأن الصحابة قد زكاهم الله في كتابه و زكاهم نبيه المصطفى كذلك والمنهج السلفي هو الصراط المستقيم .خط رسول الله خطأ مستقيما وقال هذا صراط الله المستقيم ثم خط خطوطا ذات اليمين والشمال وقال هذه السبل وعلى كل سبيل شيطان يدعوا الناس الى هذه السبل المتفرقة ثم تلى قوله تعالى وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون .اذا السلفية هي الطريق المستقيم هي الاسلام الصحيح ومعناها هو تحقيق الإخلاص لله والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم وفهم الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة .اسأل الله لنا الثبات على منهج السلف وأن نكون من الطاءفة المنصورة إلى قيام الساعة كما قال المصطفى لا تزال طاءفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا خذلهم حتى يأتي وعد الله . وعلماء السلفية هم أعلم الناس بالحق والواقع وارحمهم بالخلق لأن العلماء هم ورثة الانبياء .ونسأل الله ان يوحد هذه الأمة على الكتاب والسنة واتباع منهج السلف لأن منهج السلف لا يأتي إلا بالخير كما قال شيخ الاسلام في مجموع الفتاوى .وهدى الله هذه الأخت لما يحب ويرضى والسلام على من اتبع الهدى