هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تتصاعد أزمة الرئاستين الأولى والثانية في لبنان، في ظل عدم توفر
الحلول، وعجز الوساطات بين رئيس الجمهورية ميشال عون وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري عن معالجة أزمة تسريب التسجيل المصور لوزير الخارجية جبران باسيل، الذي وصف خلاله
بري بـ"البلطجي"، وبأن "رأسه سيتكسر"، على خلفية خلاف حول قانون
"أقدميات ضباط في الجيش".
وأدى
كلام باسيل، المسرب منذ يومين، إلى غضب في الشارع المؤيد لبري، حيث خرج المئات من
أنصار حركة أمل التي يتزعمها بري إلى الشارع، وقاموا بقطع طرقات ومهاجمة مكاتب
عائدة للتيار الوطني الحر الذي يرأسه باسيل، وهو صهر رئيس الجمهورية.
خطوة التصعيد
وحول طبيعة الخلاف، قال الوزير السابق ورئيس حزب الاتحاد، عبد الرحيم
مراد: "ليست المرة الأولى التي تبرز فيها أزمات كهذه في لبنان، فهذا المشهد
جزء من تركيبة البلد السياسية"، مشيرا في تصريحات لـ"عربي21" إلى
أن "ما يحصل من سجالات يبعد الناس عن الملفات التي تثقل كاهلهم، كأزمات
الكهرباء والمياه والنفايات".
واستغرب مراد عدم إقدام باسيل على تقديم الاعتذار عما بدر منه،
فالأمر "لا يشكل انتقاصا له في حال اعترافه بالخطأ وتراجعه عنه، ولو سارع إلى
ذلك لكنا قد وفرنا على أنفسنا الكثير من التسخين على المستويات كافة".
وحذر
مراد من خطورة التصعيد، لافتا إلى أن "تحركات المناصرين في الشارع لا يستطيع
أحد ضبطها"، آملا في الوصول إلى تسوية؛ من خلال "تدخل رئيس الجمهورية
ميشال عون مباشرة، والمبادرة إلى الاتصال برئيس مجلس النواب نبيه بري؛ لترطيب
الأجواء؛ تمهيدا لإعادة الأمور إلى نصابها"، ومتوقعا أن يلعب أمين عام حزب
الله، حسن نصر الله، دورا هاما "في التقارب وجسر هوة الخلاف بين الطرفين، لما
فيه مصلحة لبنان واستقراره سياسيا".
وعن مدى تأثر العلاقة بين التيار الوطني الحر وحزب الله بفعل موقف
الأخير المتضامن مع حركة أمل ورئيس مجلس النواب نبيه بري، قال مراد: "ما بين
حزب الله وحركة أمل علاقة تآخ، أما ما بين التيار الوطني الحر والحزب فهي حالة
تحالف"، متابعا: "الفروق واضحة بين الأمرين، وبالتالي لن يرمي حزب الله
بعلاقة الأخوة لصالح تحالف مع أي طرف كان".
واستبعد مراد تأثير هذه الأزمة على مسار الانتخابات النيابية،
المقررة في شهر أيار/ مايو المقبل، قائلا: "الآراء تجمع على ضرورة تمرير
الانتخابات وعدم تأجيلها".
محاكمة باسيل
من جهته، طالب النائب عن حزب البعث، عاصم قانصو، بمحاكمة الوزير
جبران باسيل، وعدم الاكتفاء بقبول اعتذاره أو استقالته، قائلا: "لقد أهان
رئيس مجلس النواب الذي أنتمي له أنا وشخصيات عدة ممن يرفضون أن تكال الشتائم إلى
رئيسهم".
وأكد قانصو، في تصريحات لـ"عربي21"، على ضرورة أن
"يطرح التصويت على عزل جبران باسيل، باعتباره أهان الهيئة التشريعية الممثلة
بالرئيس بري"، لافتا إلى أن "اللجوء إلى هذا الخيار يعد حلا يطفئ نيران
هذه الأزمة".
وانتقد قانصو "رفض باسيل الاعتذار عن إساءته، وكأنه يتسلح
بمصاهرته لرئيس الجمهورية لارتكاب تجاوزات لا يمكن القبول بها"، داعيا الرئيس
عون "إلى معاقبة باسيل على ما اقترفه من إساءات".
وعن أسباب الخلاف المتصاعدة بين عون وبري، قال قانصو: "هناك
صراع تاريخي منذ قبل اتفاق الطائف"، لافتا إلى أن عدم تطبيق هذا الاتفاق بحرفيته
أتاح "إبقاء هذا الزخم الطائفي في العلاقات بين الأطراف السياسية في لبنان،
وأدى إلى انفجار العديد من الألغام والمطبات، آخرها الأزمة الأخيرة التي أعطت
طابعا بأن الخلاف مذهبي بين الشيعة والموارنة، بعد أن كان في فترة الحرب الأهلية
بين المسلمين والمسيحيين".
ونبّه قانصو إلى أن الاستمرار على النسق نفسه سياسيا، "سيؤدي
بالبلاد إلى الذهاب نحو الدرك الأسفل"، مطالبا بقانون انتخابي قائم على مبدأ
الدائرة الواحدة مع النسبية؛ لتخفيف النزعة الطائفية".
وتحدّث قانصو عن محاولات قديمة خاضها بعض النواب لإلغاء الطائفية
السياسية، لكنّ جهودهم لم تبصر النور، وقال: "قدمت مع زميلي مروان فارس عام
2002 مقترحا لإلغاء الطائفية السياسية، وتم التصويت عليه، لكنه لم ينفذ، وتاه في
متاهات السياسة اللبنانية".
شمعون: الخطأ كبير
بدوره، توقع المحلل السياسي، الدكتور عماد شمعون، أن "يتمّ
احتواء الأزمة وتبريدها، وصولا إلى تعليبها، على غرار ما حصل في الأزمات السياسية
في لبنان"، مؤكدا في تصريحات لـ"عربي21" أن الخطأ كبير؛ ما يستدعي
"محاصرته، ومنع تمدده؛ لمنع التداعيات الكارثية التي قد يسببها".
واعتبر أن وضع الأزمة في خانة "الخلاف بين التيار الوطني الحر
وحركة أمل هو المتاح؛ منعا من التأزيم أو الذهاب بالخلاف إلى دائرة أوسع تشمل حزب
الله".
وشدد شمعون على أن "حزب الله والتيار الوطني حريصان على تحييد
الخلافات عن تحالفهما"، متابعا: "ستكون الجهود منصبة على معالجة هذه
الأزمة بالسرعة اللازمة".
وعن عدم بروز وساطات حقيقة لتقريب وجهات النظر، قال شمعون:
"القلوب (مليانة)، والعلاقة المتوترة بين التيار الوطني والرئيس بري ليست
وليدة اليوم، بل هي نتيجة تراكمات، وجاء هذا الحدث ليفجرها".