هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "نيوزديبلي" تقريرا لسامر بوداني ولونا صفوان، يصفان فيه حياة الناس في الغوطة الشرقية المحاصرة في سوريا.
ويقول الكاتبان إن مزرعة أبي كمال كانت في الماضي تمتلئ بصفوف البندورة والخيار، لكن الآن يقوم المزارع البالغ من العمر خمسين عاما برعاية أكياس معلقة من السقف، حيث يزرع الفطر، ويقول: "هل تعلمون أن الفطر له مذاق اللحم؟".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه من الصعب الحصول على اللحوم منذ أن حاصرت قوات الحكومة الغوطة الشرقية في 2013، تاركة للسكان البالغ عددهم 393 ألف شخص وحوالي 99500 نازح القليل من المواد الغذائية والخدمات الصحية الأساسية.
ويذكر الموقع أن كلا من سوريا وروسيا قامتا بتصعيد غاراتهما الجوية وقصفهما الشهر الماضي، ما أدى إلى تفاقم الظروف الإنسانية السيئة أصلا، خاصة في ضاحية حرستا، حيث تحارب قوات النظام مجموعات الثوار لأكثر من أسبوع، مشيرا إلى أنه قتل أكثر من 129 مدنيا، بما في ذلك 30 طفلا في القصف والغارات الجوية على الغوطة الشرقية منذ 29 كانون الأول/ ديسمبر، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان في المملكة المتحدة، فيما تسببت غارة جوية في 24 كانون الأول/ ديسمبر بأضرار في المركز الصحي الرئيسي في حرستا، وقتل منذ ذلك الحين ثلاثة مسعفين في الضاحية، بحسب اتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الصحية.
ويستدرك الكاتبان بأنه بالرغم من الظروف المعيشية المتزايدة سوءا، إلا أن أبا كمال والكثير من المواطنين في آخر جيب للثوار، بالقرب من العاصمة السورية، طوروا استراتيجيات للتأقلم مع الحياة خلال أكثر من أربع سنوات من الحصار.
وينقل التقرير عن محمد، وهو مواطن في العشرين من عمره وعاطل عن العمل، قوله: "الحوانيت فارغة، والشوارع مدمرة والقصف بالكاد يتوقف.. أحيانا يبدو الأمر كأنه فيلم من أفلام هوليوود، خاصة عندما أرى الأفكار التي يخرج بها الناس ليبقوا على قيد الحياة".
ويفيد الموقع بأن إنتاج الفطر لا يحتاج إلى تكلفة كبيرة ولا إلى مساحة كبيرة، حيث يقول أبو كمال إنه ينتج الفطر في أكياس معلقة من السقف، وهو أسلوب لجأ إليه أهالي الغوطة الشرقية لتغطية حاجتهم الغذائية.
ويلفت الكاتبان إلى أن معقل الثوار يعاني من معدلات عالية من الجوع وسوء التغذية، حيث قالت منظمة اليونيسيف في تشرين الثاني/ نوفمبر بأن 11.9% من الأطفال تحت سن الخامسة يعانون من سوء التغذية، ويشكل هذا "أعلى معدل تم تسجيله في سوريا" منذ بداية الصراع هناك، بحسب الوكالة.
ويوضح التقرير أن معدل سوء التغذية العالي سببه سنوات من نقص المواد الغذائية، وارتفاع الأسعار بشكل كبير للمواد المتوافرة، فبحسب برنامج الغذاء العالمي، فإن معدل سعر السلة الغذائية في الغوطة الشرقية كان حوالي 521 دولارا، أي أكثر من 8 أضعاف المعدل على مستوى البلد، لافتا إلى أنه بعد أكثر من أربعة أعوام من الحصار، فإن معظم السكان توصلوا إلى استراتيجيات للاستفادة القصوى من الكميات القليلة المتوفرة من المواد الغذائية.
وينقل الموقع عن أبي محمد، وهو بائع متجول يبلغ من العمر 60 عاما، قوله بأن عائلته تجفف معظم الخضار الذي تشتريه؛ لضمان وجود هذه الخضراوات خلال فصل الشتاء عندما تنقطع، فهم يقطعون الخضار ويجففونه تحت أشعة الشمس لأيام، قبل أن يتم تخزينه في ظروف أو أوعية زجاجية، وقد يتم تحويله إلى معجون ثم يتم تخزينه.
ويضيف أبو محمد للموقع: "هذا ما يحصل، إن تمكنت من شراء كيلو من البندورة سنستهلك نصفه ونجفف النصف الآخر لفصل الشتاء.. إن الوضع صعب، لكن على الأقل نجد حلولا مؤقتة".
ويبين الكاتبان أن السكان يحاولون إيجاد بدائل للسلع باهظة الثمن التي لا يستطيعون شراءها بسبب الفقر، مشيرين إلى أن الخبز مثال جيد على ذلك، حيث ارتفع سعره في الغوطة الشرقية في أواسط تشرين الثاني/ نوفمبر إلى 85 ضعف سعره في دمشق على بعد 15 كم، وبحسب منظمة "أوسوس"، التي تراقب أسعار السلع في الضواحي، فإن ربطة الخبز العربي وصلت إلى 3 دولارات في شهر كانون الأول/ ديسمبر.
ويورد التقرير نقلا عن الخباز المحلي أبي ياسر، قوله بأن سعر كيلو طحين القمح قد يصل في المناطق المحاصرة إلى 12 دولارا، والكيلو الواحد يعطي 3 ربطات من الخبز، ولذلك فهو يضطر إلى خلط الطحين بالأعلاف والتبن ليخفف من تكلفة الخبز.
ويقول أبو ياسر للموقع: "إن الطحين المحور، الذي يحتوي على كميات أكبر من العلف يكلف في حدود 3 دولارات، والناس عادة ما يلجأون لشراء الأرخص".
ويكشف الموقع عن أن السكان يحاولون إيجاد بدائل عن الأرز، الذي كان يكلف بحسب البرنامج العالمي للغذاء حوالي 7.6 دولار للكيلو في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، وتراجع السعر في شهر كانون الأول/ ديسمبر إلى 5 دولارات.
وينقل الكاتبان عن محمد، قوله إنه يبيع البلاستيك الذي يجمعه من الشارع لشراء الذرة بدلا من الأرز، ويضيف: "استبدلنا الأرز بالذرة، كوز الذرة الواحد يكلف دولارا أو أقل، فأشتري 6 إلى 7 أكواز من الذرة لعائلتي، وهي في العادة تكفي بل تزيد.. أشتري أيضا بعض العلف لتستطيع والدتي صنع الخبز".
ويجد التقرير أنه مع هذه البدائل فإن معظم سكان الغوطة الشرقية يعانون من قلة الوقود للطبخ، ولذلك تعتمد معظم العائلات على البلاستيك المذاب، الذي يكلف 6.8 دولار للتر الواحد، أي 10 أضعاف سعر الديزل في سوريا، بحسب برنامج الغذاء العالمي.
وينوه الموقع إلى أنه مع ندرة الوقود فإن السكان سعوا لإيجاد وسائل بديلة لمصادر الحرارة في الشتاء، فتقول نجلاء البالغة من العمر 34 عاما بأن بعض الناس يجمعون الأخشاب من ركام البيوت، من الأبواب والكراسي والأسرة المكسرة.
وتقول نجلاء: "كنا نعتمد على التدفئة التقليدية أو الدفايات، واليوم لا نستطيع الاعتماد سوى على الأخشاب التي نستطيع جمعها.. وكأنا عدنا للقرن الثامن أو التاسع عشر"، مشيرة إلى أن جمع الأخشاب أصبح بالنسبة للأطفال لعبة "ونوعا من المنافسة"، مضيفة أن هذه المنافسة ستصبح جادة في وقت قريب مع بدء نفاد ما هو موجود من الحطب والأخشاب، خاصة أن حرق الأحطاب والأخشاب أصبح هو المصدر الرئيسي للتدفئة بالنسبة لمعظم السكان.
ويستدرك الكاتبان بأنه بالرغم من أربع سنوات من الحصار، فإن يوسف البالغ من العمر 26 عاما، وهو ناشط إعلامي يعيش في الغوطة الشرقية، لا يزال يأمل أن الوضع سيتحسن يوما ما.
ويختم "نيوزديبلي" تقريره بالإشارة إلى قول يوسف: "أعتقد أننا فعلنا كل شيء كان علينا أن نفعله، والآن علينا فقط أن ننتظر اليوم الذي ينكسر فيه الحصار.. وأنا متفائل بأن أياما أفضل في طريقها إلينا".