قضايا وآراء

جروح تنزف.. فهل سيداويها عام 2018 أم سيزيد من نزيفها؟!

أميرة أبو الفتوح
1300x600
1300x600

وجاء العام الجديد مُثخناً بجراح عام رحل وحمّله كل انكساراته وإخفاقاته، تركة ثقيلة ورثها عنه، وللأسف لم تكن فيها أية انتصارات تذكر  للعالم العربي! ألقى عام 2017 حمولته ومضى، ليصارع العام الجديد وحده أمواجا مجهولة لا نعرف كيف سيتصدى لها!

إن العالم العربي يمر بمنعطف شديد الخطورة لم يشهد له مثيل في العصر الحديث، فالأمة مهددة بالتقسيم والتفتيت، وإن اتفاقية سايكس-بيكو التي وقعت منذ مئة عام والتي قسمت الأمة الإسلامية والوطن العربي إلى دول ودويلات، والتي نعاني من نتائجها حتى يومنا هذا، الجزء الثاني منها الآن ليتم تجزئ تلك الدول إلى دويلات جديدة، على أسس طائفية وإثنية وعرقية. وللأسف الشديد، بمساعدة حكامها، وكلاء القوى الاستعمارية في المنطقة، والذين لا يبغون إلا البقاء على عروشهم ولو على دمار بلادهم!!

 

العالم العربي يمر بمنعطف شديد الخطورة لم يشهد له مثيل في العصر الحديث، فالأمة مهددة بالتقسيم والتفتيت

 

بشار السفاح والسيادة الوطنية!


وها نحن نرى ذلك جلياً في سوريا تحت حكم السفاح بشار الأسد؛ الذي استجلب الاحتلال الروسي والإيراني لبلاده، وأدخلها في أتون حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، قضت على الأخضر واليابس في عاصمة الأمويين، وقتلت ما يزيد عن المليون سوري، وهجرت الملايين من أبناء الشعب السوري خارج بلاده، كي يظل بشار الأسد متربعاً على العرش، حتى وإن كان الحاكم الفعلي لسوريا هو بوتين؛ بعد أن استجلبه ليحميه من قبضة الثورة التي كادت أن تقوضه من كل جانب.. وكان قاب قوسين أو أدنى من السقوط، رغم الوجود العسكري الإيراني، فكان للتدخل العسكري الروسي الفضل في إنقاذه من السقوط، وإبقائه على سدة الحكم، حتى وإن كان ذلك صوريا! وأبلغ تعبير عن هذا الوضع الشاذ؛ يوم أن توجه الرئيس الروسي مباشرة في استعراض عسكري لزيارة قاعدته العسكرية في حميميم باللاذقية، والتي غنمها من حربه على الشعب السوري، حيث جُعلت لروسيا قاعدتان دائمتان على ساحل البحر المتوسط (طرطوس وحميميم)، وبهذا تكون روسيا قد عادت من جديد إلى الشرق الأوسط من بوابة سوريا، بعد أن خرجت منه بعد سقوط الاتحاد السوفييتي..

نعود إلى زيارة الرئيس الروسي لقاعدة حميميم، والتي كان في استقباله فيها وزير الدفاع الروسي والضباط الروس. ولترسيخ فكرة أنه الحاكم الفعلي لسوريا، فقد تعمد ألا يتوجه أولاً لزيارة رئيس الدولة التي عليها قاعدته العسكرية، كما تقتضى جميع البرتوكولات الدولية بين الدول، بل إن أحد ضباطه الصغار منع بشار من اللحاق به في مشهد مخز ومُذل؛ يجلب العار لأي حاكم لديه ذرة من الكرامة وعزة النفس وبعض من الغيرة على بلده، ولكن عادة لا يملك السفاح مثل هذه الأشياء لأنه لا يفهم معانيها!! وها هي سوريا التي أصبحت تحت الاحتلالين الروسي والإيراني، يتنازعان بينهما على مناطق النفوذ في كيان مدمر ومحطم، مهددة الآن بالتقسيم إلى ثلاث دول، دولة علوية ودولة سنية ودولة كردية! ولا يزال المجتمع الدولي يمارس نفاقه بعد أن تخلى عن الثورة السورية، ويتمسك بالسفاح بشار الأسد لحكم سوريا؛ بعد أن خدعنا طيلة سنوات الثورة الست بأن بشار يجب أن يقدم للمحاكمة كمجرم حرب على كل الجرائم التي ارتكبها في حق شعبه، واتضح أن المجتمع الدولي لن يتخلى عنه، فهو الحارس لحدود الكيان الصهيوني، وأصبحت الثورة السورية يتيمة بعد أن تخلى عنها القريب والبعيد!! وها هي تتوه في أروقة وطرقات جنيف في مفاوضات ومباحثات عبثية، صنع وفد من يمثلها على أعين أجهزة مخابرات دول مناهضة للثورة السورية، أما الثوار الحقيقيين على الأرض السورية، فلا يزالون يلملمون شتاتهم، ويداوون جراحهم، بعد الضربات التي تلقوها من الطيران الروسي الغادر، ولا تزال النيران مُشتعلة تحت الرماد في انتظار مَن يُوقدها ولا نعرف متى ولا كيف ستشتعل في عام 2018!

 

ها هي سوريا أصبحت تحت الاحتلالين الروسي والإيراني، يتنازعان بينهما على مناطق النفوذ في كيان مدمر ومحطم

 

إلى أين يقود "المحمدان" اليمن؟

أما في اليمن، فحدث ولا حرج.. فقد فرضت عليه حرب ضروس من ذوي القربى، من إخوة الدم والدين والتراب في ما عُرف بعاصفة الحزم التي قادتها السعودية باسم التحالف الوهمي بعد أن استولى الحوثيون على الحكم، لإعادة الشرعية للبلاد. وها هي تقترب من عامها الثالث، ولم تعد الشرعية، ولن تجني منها غير الخسران المبين، مخلفة وراءها الخراب والدمار في بلاد اليمن السعيد، والذي لم يعد سعيداً بعد قتلهم لمئات الآلاف من شعبه وانتشار الأوبئة والأمراض، وخاصة وباء الكوليرا الذي انتشر في البلاد بين الأطفال، وحصد المليون من أبناء اليمن ما بين مصاب ومتوفى بهذا المرض، حسب تقرير منظمة الصحة العالمية. كما أن اليمن مهدد بالمجاعة نتيجة الحصار الظالم الذي فرضته عليها السعودية ودولة الإمارات العربية التي عاثت في الأرض فسادا، وتعمل جاهدة على فصل جنوبه عن شماله، واستولت على منافذه البحرية في الجنوب، وأقامت قواعد عسكرية لها، وأقامت سجونا سرية تحت الأرض؛ تمارس فيه أبشع أنواع التعذيب لأبناء الشعب اليمني، كما تقوم بعمليات اغتيال واسعة من خلال فرق الموت التي أعدتها لقتل مشايخ ووجهاء العشائر والشخصيات المنتمية لحزب الإصلاح المنبثق عن الإخوان المسلمين، عدوها اللدود والذي تريد أن تقضى عليه في جميع البلدان العربية..

 

بعد مقتل علي عبد الله صالح على يد الحوثيين، تسعى الإمارات والسعودية نحو قيادات حزب الإصلاح ليخرجهما من المستنقع اليمني، بعد أن غرقا فيه

والآن بعد مقتل علي عبد الله صالح على يد الحوثيين، تسعى الإمارات والسعودية نحو قيادات حزب الإصلاح ليخرجهما من المستنقع اليمني، بعد أن غرقا فيه، لتتحالفا معهم ضد الحوثيين. ولا نعرف إن كانت قيادات حزب الإصلاح ستثق فيهما بعد أن اجتمع وليا العهد السعودي والإماراتي مع قادة الحزب، أم سيكونون أكثر حصانة وفطنة وحذرا، خاصة أنهم قد لدغوا منهما من قبل. ويجب على قيادات حزب الإصلاح ألا تأمن لهما، فهما يريدان أن يتخلصا من الحزب ومن جماعة الحوثيين في آن واحد، في حرب بينهما تقضي عليهما معا، لتمهيد الأرض (أي اليمن) لتولي أحمد، نجل على عبد الله صالح، المقيم في الإمارات، الحكم، ليكون اليمن بكامله تحت سيطرتهما، وسيحدد عام 2018 مصير اليمن، وكيف سيكون شكله الجديد: هل سيظل يمنا واحدا أم اثنين؟

 

حفتر يهدد ليبيا

أما ليبيا، فمهددة أيضا بالانقسام إلى ثلاث دول. فالمجرم خليفة حفتر، قائد مليشيا الكرامة، يسيطر على الجزء الغربي منه، ويدعمه النظام المصري بالعتاد والسلاح والتدريب لمحاربة ثوار طرابلس وبنغازي، وسط الأطماع الأمريكية والفرنسية والإيطالية والروسية.. كل يريد أن يكون له موضع قدم في الأراضي الليبية.. وكل هذا مرحل لعام  2018، فهل سيتحدد مصير ليبيا في هذا العام، أم ستستمر في أتون صراعاتها الداخلية؟ إن مستقبل ليبيا لا يزال غامضا، خاصة بعد سماح الحكومة المصرية لروسيا بإقامة قاعدة عسكرية في مرسى مطروح، قرب الحدود المصرية الليبية..

 

منظومة خليجية متفككة

 

تم تكوين ما عرف بلجنة التعاون والتنسيق المشترك بين السعودية والإمارات في كافة المجالات.. أي بين المحمدين: ابن سلمان وابن زايد

وانقضى عام 2017 تاركا شرخا عميقا في المنظومة الخليجية، بمحاصرة قطر من السعودية والإمارات والبحرين ومصر.. وسيؤدي هذا حتما إلى تفكك مجلس التعاون الخليجي، إن لم يكن قد تفكك بالفعل وظهرت بوادره في الاجتماع الأخير في الكويت، والذي تدنى فيه التمثيل لأدنى مستوى، لمجرد حضور الأمير تميم، أمير دولة قطر. كما تم تكوين تحالفات جديدة.. حدث ذلك بالتزامن مع الاجتماع الأخير، حيث تم تكوين ما عرف بلجنة التعاون والتنسيق المشترك بين السعودية والإمارات في كافة المجالات.. أي بين المحمدين: ابن سلمان وابن زايد؛ اللذين ابتليت بهما الأمة، واللذين يعيثانا في الأرض فساداً، ويسعيان لخرابها وتدميرها لصالح الكيان الصهيوني!

 

التلاعب بمصير القضية الفلسطينية


أما أخطر ميراث لعام 2017، فهو اعتراف دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، بالقدس عاصمة موحدة للكيان الصهيوني، ونقل السفارة الأمريكية إليها، تمهيدا لإعلان صفقة القرن في بداية عام 2018، والتي تتضمن الإعلان عن دولة فلسطينية في قطاع غزة مدعمة بأراض غير محددة المساحة بعد؛ من شبه جزيرة سيناء، لتصفية القضية الفلسطينية، وإسقاط حق العودة نهائيا، وإقامة علاقات ديبلوماسية بين الدول العربية والكيان الصهيوني، وليتم التطبيع الكامل بين الدول العربية والكيان الصهيوني، لتدور المنطقة كلها في الفلك الصهيوني!! هذه أحلامهم أو ما يخططون له من خلال عملائهم من الحكام العرب، لكن الشعوب لها كلام آخر وهذا ما لم يعملوا له حساباً، وإن كان نتنياهو قد اعترف مؤخرا بأن ما يعوق التطبيع في البلاد العربية هي الشعوب وليست الأنظمة. ولقد قالت الشعوب كلمتها: لا للتطبيع مع العدو الصهيوني. ونأمل أن يكون عام 2018 هو عام يقظة الشعوب العربية كاملة، والتي بدأت في نهاية عام 2017 مع إعلان ترامب القدس عاصمة للكيان الصهيوني، بانتفاضة الشعوب العربية في كل البلدان العربية نصرة للقدس وللمسجد الأقصى، وهذا ما يجعلني على يقين من أن صفقة القرن لن تمر ولن ترى النور، طالما في هذه الأمة نفس ينبض سمعه العالم أجمع..

 

رفعت أقلام عام مضى ولم يجف حبر المصالحة الفلسطينية التي تمت فيه بين منظمتي فتح وحماس، وسوف يجف حبرها هذا العام بإعلان وفاتها رسمياً


رفعت أقلام عام مضى ولم يجف حبر المصالحة الفلسطينية التي تمت فيه بين منظمتى فتح وحماس، وسوف يجف حبرها هذا العام بإعلان وفاتها رسميا؛ لأنها كانت مصالحة إذعان لحماس، وليست مصالحة شراكة أخوية. وكيف تحدث مصالحة بين مشروعين على طرفي نقيض فكري وتنظيري وعملي وواقعي؟ مشروع ينسق مع العدو الصهيوني أمنيا لحمايته من المقاومة، ومشروع تحرر وطني مقاوم لنفس العدو الصهيوني؟!

 

هل من إيجابيات؟

 

الميراث الإيجابي الوحيد من عام 2017، والذي يصب في صالح الأمة الإسلامية، فهو الشراكة الاستراتيجية بين تركيا والسودان، إثر زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان للسودان

أما الميراث الإيجابي الوحيد من عام 2017، والذي يصب في صالح الأمة الإسلامية، بعيداً عن المنظور الضيق للقوميات التي ندور في فلكه منذ تفكك الدولة الإسلامية العظمى، فهو الشراكة الاستراتيجية بين تركيا والسودان، إثر زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان للسودان، والاستقبال الحافل وغير المسبوق له من الشعب السوداني، فكان يوماً مشهودا في تاريخ السودان، لما لهذه الزيارة من أهمية بالغة للبلدين في جميع المجالات، الزراعية والصناعية والسياحية والعسكرية، حيث اتفق الطرفان على تأسيس ميناء عسكري تركي سوداني على البحر الأحمر، واستئجار تركيا لجزيرة "سوكن" التاريخية على البحر الأحمر، والتي كانت معبرا للمعتمرين والحجاج إلى ميناء جدة المقابل على ساحل السعودية. وهذا ما عبر عنه بذكاء الرئيس أردوغان في خطابه، حيث ربط التاريخ بالحاضر، ليس كسلطنة وخلافة، وإنما كرباط أخوى بين الشعبين المسلمين. ولم يستحضر الجزيرة على أنها كانت مرفأ عسكريا للقوات العثمانية، بل تحدث عنها كمعبر تاريخي للمعتمرين والحجاج، وتعهد بتطويرها وتحديثها، وأن المستثمرين الأتراك سيعيدون لها مجدها الديني بتقنيات حديثة، وجعلها قبلة سياحية عالمية. كما تحدث بعفوية عن أنه يشعر كأنه في إسطنبول وليس في الخرطوم، من فرط الحفاوة التي عمت كل لقاءاته. وبعيدا عن القوميات البغيضة، فقد رأى العرب في أردوغان الزعيم والقائد الذي يحلمون به لنهضة الأمة من كبوتها، والتي تسبب بها صبية صغار يحكمون العالم العربي بسياسة النكاية، أو ما يسمى بـ"كيد النسا" وشغل العصابات والمافيات، وليس برؤى واستراتيجيات رجال دولة..

وأخيرا، فإن سنة 2018 حبلى بالأحداث التي قد نشهد ميلادها أو سقوطها إلى الأبد..

التعليقات (0)