كتاب عربي 21

واكتشف ترامب أنه "ألْفَة" بدون سلطة حقيقية

جعفر عباس
1300x600
1300x600

في النظام التعليمي السوداني (عندما كان هناك نظام متعارف عليه في هذا المجال)، كان المعلمون يختارون طالبا في كل صف دراسي، ويكلفونه بضبط الأمور داخل غرفة الدراسة، خلال المرحلة الانتقالية من حصة إلى أخرى، وكان مثل ذلك الطالب يسمى "الأَلْفة"، ودوره الرئيس هو منع الهرج والصخب في غياب المعلم. 


وكانت أهم مهام الألفة، إعداد قائمة بمن يسمون ب"المهرجلين"، بكتابة أسماء ممارسي الشغب من الطلاب على السبورة، وإذا اشتط طالب في الهرج وضع أمام اسمه كلمة "عاصي"، وإذا تمادى في التهريج أعطاه ترقية إلى رتبة "عاصي جدا"، ليأتي المعلم ويوزع العقوبات الجسدية حسب درجة العصيان. 

 

باختصار كان دور الألفة ذاك هو أن يعطي العين الحمراء، لتخويف الزملاء، وكان - من ثم -يحس بأنه خطير وصاحب سلطة وهيبة مُتَوهَّمة.

 

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لعب دور الألفة، قبل وخلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الخميس الماضي، لمناقشة قبول او رفض قراره القاضي باعتراف بلاده بالقدس عاصمة لإسرائيل، فقد هدد بأنه سيسجل أسماء المهرجلين العصاة ليتعرضوا للعقاب، وكان يقصد بذلك أن كل دولة تدلي بصوتها رافضة ذلك القرار، ستتعرض لغضبة ترامبية عارمة وعقوبات صارمة. 


ترامب وصل إلى كرسي الحكم بوعد جعل الولايات المتحدة "عظيمة مجددا"، والعظمة التي ينشدها ترامب ومن ساندوه من غلاة اليمين الأمريكي، هي أن تستعيد بلاده دور الشرطي الآمر الناهي في كل القارات. 

 

وعند التصويت على قرار القدس، فوجئ ترامب بأن من كان يحسبهم "العيال" كبروا، وبأن من وقفوا إلى جانبه وجانب إسرائيل سبعة عيال قُصَّر: توغو وهندوراس وغواتيمالا ومايكرونيزيا وناورو وبالاو (ولو سألت غوغل عن هؤلاء، جفل بحسبان أن الثلاثة الأخيرين نوع من فيروسات الكمبيوتر). 

 

ومن بين الدول التي آثرت التقية وامتنعت عن التصويت: أنتيغوا بارباو -  الباهاماس - بنين - بوتان - البوسنة - - الدومنيكان - - فيجي - هاييتي - هنغاريا - جامايكا - كيريباتي - لاتفيا - ليسوتو - مالاوي -  جزر سليمان - ترينيداد وتوباغو - توفالو - - فانواتو.

 

والقائمتان أعلاه تؤكدان أن المجتمع الدولي لم يعد قاصرا كما حسب ترامب، بدليل ان من صوتوا في اجتماع الجمعية العامة منحازين إلى الطرف الأمريكي – الإسرائيلي، أو مؤثرين عدم الانحياز، في معظمهم من الدول التي قامت بدون دراسة جدوى، والتي لا يعلم حتى غوغل بوجودها على الأطلس، برغم أنه (غوغل) يزعم أنه سيد العارفين في مجال المعلومات في عالم اليوم. 

 

أما اللطمة التي جعلت تهديدات ترامب التي سبقت اجتماع الجمعية العامة قرقعة برميل فارغ، فقد تمثلت في أنه، حتى الدول العربية، التي تعتبر رضا الولايات المتحدة عنها، في القاموس السياسي، في مرتبة رضا الوالدين في القاموس العائلي، وجدت نفسها مضطرة لرفض قرار ترامب الخاص بالقدس. 

 

ولكن الطعنة البروتسية التي تلقاها ترامب كان مصدرها حلفاء الولايات المتحدة التاريخيون أو من كانت تحسبهم صنائعها: أفغانستان – ألبانيا - أرمينيا - النمسا - أذربيجان - روسيا البيضاء - بلجيكا - بوتسوانا - البرازيل - بلغاريا - بوروندي - الكونغو - كوستاريكا - كوت ديفوار - قبرص - الدنمارك - جيبوتي - الدومنيكان- إكوادور - إريتريا - إثيوبيا - فنلندا - فرنسا جورجيا - ألمانيا -   اليونان - - أيسلندا - إيرلندا - إيطاليا - اليابان - لوكسمبورغ - - مالطا - - هولندا – نيوزيلندا - نيكاراغوا - نيجيريا - النرويج - البرتغال - كوريا الجنوبية - السنغال - سنغافورة - سلوفاكيا - سلوفينيا - إسبانيا - سيريلانكا - السويد - سويسرا - تايلاند – مقدونيا.

 


وحتى صاحبة وعد بلفور (بريطانيا)، رفضت اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، دعك من أن الدول ذات الوزن الثقيل، والتي ما أقامت قط في بيت الطاعة الأمريكي، وهي روسيا والصين والهند، والتي يقيم فيها نحو 40% من بني البشر الأحياء في عالم اليوم، جاهرت بالقول بأن ترامب على خطأ في شأن وضع القدس الحالي والمستقبلي. 

 

وبهذا انتصر الراي العام العالمي على ترامب، ولكنه نصر معنوي وليس له انعكاس فوري ملموس على أرض الواقع، بل تكمن أهميته في أنه يضيف إلى الرصيد التراكمي للنضال الفلسطيني من أجل استرداد الوطن، أو بالأحرى ما كان متبقيا من ذلك الوطن بعد قيام إسرائيل عام 1948. 

 

استمعت -قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشة قرار القدس - للزعيم الفلسطيني محمود عباس/ أبو مازن يقول "إنهم" سيسعون لنيل العضوية الكاملة في الأمم المتحدة ونحو عشرين من المنظمات الدولية وقال في هذا السياق "إن دولة فلسطين أحق بذلك من إسرائيل التي هي دولة بلا حدود معروفة". 

 

ولا أريد إفساد الفرحة بالقرار الأُممي الرافض لجعل القدس عاصمة لإسرائيل، ولكن لا علم لي بوجود دولة فلسطينية ذات حدود معروفة إلا في الأطالس القديمة، ثم كيف يستقيم اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية المعلن بإسرائيل (سبتمبر 1993) وقول أبو مازن إنها دولة بلا حدود معروفة؟ كيف تورطت المنظمة في الاعتراف بكائن يقول زعيمها الحالي إنه هلامي؟ 

 

ويا خوفي من أن تخذل السلطة الفلسطينية المجتمع الدولي، وتعترف يوما ما بأبو ديس عاصمة للدولة الفلسطينية المرتقبة، فقد عهدنا منها عنتريات المنابر، ثم الانبطاح وتقديم التنازلات على أرض الواقع. 

0
التعليقات (0)

خبر عاجل