هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في الشرق الأوسط اليوم تصدع وقلق ونكايات يصعب فهم أسبابها. في داخل المجتمعات العربية صراعات ونزاعات وتصفيات. وعلى مستوى الإقليم تموضع وتقارب ومراجعات. الأحداث تتوالى على إيقاع تغيير القيادات ومساعي تهويد القدس وتفاقم الأزمات الاقتصادية لبلدان الإقليم، وتنامي شهوة التطبيع لدى البعض، ومساعي آخرين لتحويل مطالبات الجماهير بالحرية والمشاركة إلى صراع ذي صبغة طائفية.
ما يحدث في الإقليم اليوم يشغل الساسة والمراقبين والشعوب، ويحاول الجميع أن يتنبؤوا بما قد يتمخض عن التحولات التي تتنامى بسرعة تفوق قدرتنا على الاستيعاب. غالبية دول وحكومات الإقليم تجد نفسها اليوم مضطرة للإعلان عن موقفها من القضايا الساخنة والصراعات المحتدمة في جنبات الإقليم.
قائمة القضايا التي تتباين حولها المواقف تتراوح بين مساعي تهويد القدس والحرب في اليمن ومكافحة الإرهاب والصراع في سوريا والموقف من إيران. بالرغم من أهمية القضايا لبعض الأطراف إلا أن القدس وفلسطين كانت وما تزال موضع إجماع العرب والمسلمين باعتبارها رمزا للوجود والهوية والتاريخ.
الرابع من حزيران تاريخ يرتبط في ذهن الشعوب العربية بهزيمة كلفت الأمة خسارة ما تبقى من فلسطين التاريخية وضياع كل من سيناء والجولان، ويذكرنا بالأيام التي توالت فيها بيانات الإذاعات العربية وهي تنقل للأمة أخبار الانتصارات الوهمية. منذ ذلك التاريخ والأمة غارقة في أجواء الهزيمة التي تسابق الجميع على التنصل من مسؤوليته عنها.
استمر العرب بالرغم من خساراتهم المتتالية لمعظم جولات الصراع، يحيكون الروايات وينصبون أقواس النصر. وظل الإسرائيليون يقدمون قضيتهم للعالم كشعب مسالم يخشى على وجوده من القوى المعادية المحيطة به، فكان جيشهم يتألف من مواطنين جرى تدريبهم للدفاع عن وجودهم ووطنهم وأهلهم وعقيدتهم وكرامتهم، ينصرف كل إلى عمله في العلم وميادين النشاط المختلفة ويجري استدعاؤهم للتدريب السنوي، أو عندما تحتاج لهم الدولة للالتحاق بوحداتهم التي تشكل بمجموعها "جيش الدفاع الإسرائيلي".
في كل مرة يخاطب ساستهم العالم يتحدثون عن الأخطار التي تهددهم والكراهية التي يحملها العرب لهم، والضيم الذي يحتملونه من الفلسطينيين الذين يحاولون قتلهم وإبادتهم. بالمقابل يتحدث ساستنا عن الحقوق المشروعة والبطولات التي سجلوها والنضال الذي يقومون به من أجل القضية.
لا أحد ينكر الانتصارات التي حققتها الجيوش العربية والمقاومة الشعبية في الكرامة وتشرين والانتفاضات الفلسطينية، وما قام به الآلاف من الرجال والجنود والقادة وبعض الزعماء العرب بنية صادقة، لكن المشكلة الكبرى ما تزال في الخلاف على الصراع وطبيعته وأسبابه ومداه ودرجة التزامنا به، وأهميته لوجودنا ومستوى الرغبة في إنهائه وأحقية اتخاذ القرار وغيرها من الأسباب.
معظم العرب منخرطون هذه الأيام في جدل لا يكاد ينتهي حول الأسباب التي أوصلتنا لما نحن عليه. الانقسامات في العالم العربي والإسلامي حادة وخطيرة لدرجة جعلت البعض يرى أن القدس وفلسطين لم تعد قضية الأمة الأولى، في حين يرى البعض الآخر أنها كانت وما تزال وستظل جوهرا للصراع الأممي. بعض الذين يحاولون مغادرة معسكر الصمود يعانون من حالة اليأس ويعدون القضية عائقا في وجه تقدم مجتمعاتهم وإنشاء تحالفاتهم وتحقيق أحلامهم.
المواقف الجديدة من المساعي الأمريكية الإسرائيلية لتهويد القدس، أعادت خلط الأوراق وبعثرت جهود إنشاء التحالفات على أساس الجوار والتقارب المذهبي، فقد أصبحت تركيا وإيران أكثر قربا من غيرهما إلى موقف الشارع العربي الإسلامي، الأمر الذي أحدث تفاعلا عميقا في وجدان ومواقف وتفكير العرب والمسلمين، وقاد إلى مراجعات جدية للتحالفات التقليدية بين الأنظمة والدول والجماعات الفاعلة في الإقليم.
المال والسياسة والعقيدة والقوة والمذهب والتحولات الاقتصادية الثقافية والاجتماعية، عوامل ذات أهمية بالغة في التأثير على ما يحدث في الشرق الأوسط اليوم. لكن الرغبة في الحصول على شهادات حسن السلوك وتهيئة النفس لتحالفات جديدة عوامل يصعب تجاهلها في أي محاولة لفهم ما يحدث في الإقليم والعالم. المناورات الدبلوماسية التي تجريها بعض الأطراف في الفضاء العربي وتحطم الكثير من التابوهات السياسية والدينية والاجتماعية، تفتح شهية المراقبين والنقاد لممارسة هوايات الرصد والتحليل، بيد أنهم لا يلبثون أن يواجهوا حقيقة تسارع الأحداث بمتوالية تفوق قدرتهم على الملاحظة والاستيعاب والتحليل.
الغد الأردنية