نشرت صحيفة "لوس أنجلوس الأمريكية" مقال رأي للأمير تركي بن فيصل بن عبد العزيز آل سعود، يرد فيه على التصريح الأخير للرئيس الأمريكي دونالد
ترامب، الذي اعتبر أن
القدس عاصمة إسرائيل، موجها له خطابا شديد اللهجة تارة ومعاتبا تارة أخرى.
رد الأمير تركي بن فيصل، في هذا المقال الذي ترجمته "عربي21"، الصاع صاعين للرئيس الأمريكي وتصريحاته المستفزة، خاصة عند قوله إنه "لا يمكننا حل الصراع إذا قدمنا الفرضيات الفاشلة نفسها، وكررنا الاستراتيجيات العاجزة نفسها التي اتبعناها في الماضي، لذا أراهن أن هذا الفعل سيخدم مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية، وسيعمل لصالح تحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين".
وأكد الأمير السعودي للرئيس الأمريكي أنه يمارس الفرضيات الفاشلة نفسها، ويكرر الاستراتيجيات نفسها التي أخفقت في الماضي، معتبرا أن هذه الخطوة التي أقدم عليها ترامب ليست أكثر من تكرار لإخفاقات الرئيس ترومان، الذي خالف نصائح وزير خارجيته الجنرال جورج مارشال، واعترف بالكيان الإسرائيلي كدولة للصهاينة.
ورأى الأمير تركي بن فيصل أن ترامب يكرر ما فعله ترومان، وأن التاريخ يعيد نفسه. فكما سبب اعتراف ترومان بدولة إسرائيل ظهور مظلمة تاريخية تمثلت في تهجير وتقتيل الشعب الفلسطيني واحتلال أرضه وأراضي عربية أخرى، من أجل تحقيق أهداف انتخابية فحسب، فإن هذا ما سيحدث بعد تصريحات ترامب الأخيرة.
وحيال هذا الشأن، قال الأمير: "لا يا سيد ترامب، إن ما أقدمت عليه لن يخدم مصلحة الولايات المتحدة. كما أنك بهذه الخطوة قد تخليت عن الوعد الذي قطعته للشعب المسلم، في أيار/ مايو الماضي في الرياض، حين عرضت تقديم شراكة تقوم على المصالح والقيم المشتركة، بعلة السير نحو تحقيق مستقبل أفضل لنا جميعا. فأين وعدكم ذاك بعد إقدامكم على هذا الفعل أحادي الجانب؟"
كما أكد الأمير تركي أن القدس ليست عاصمة لإسرائيل، قائلا لترامب إن بلاده كانت من خطّط لصياغة القرار 242 لمجلس الأمن الدولي، الذي ينص على عدم جواز اكتساب الأراضي عبر خوض الحروب، وهو مبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي أكدته قرارات مجلس الأمن اللاحقة.
ورأى الأمير أنه تم السيطرة على القدس الشرقية عبر الحرب. وفي هذا الصدد، توجه الأمير لترامب قائلا "إن إخفاقكم في الاعتراف بهذه الحقيقة، هو محاولة متعمدة للتعتيم والتشويش عن الحقيقة التي يعترف بها كل العالم، باستثنائكم أنت ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالإضافة إلى المتطرفين اليمينيين في إسرائيل والولايات المتحدة وغيرها من البلدان".
كما حاول الأمير، الذي كان سفيرا للسعودية في الولايات الأمريكية المتحدة وبريطانيا، أن يوقظ الرئيس الأمريكي ورئيس الحكومة الإسرائيلية من غفلتهما، مبينا أن إسرائيل ليست بلد الديمقراطية كما مدحها ترامب، ويمكنه أن يسأل المسلمين والمسيحيين الذين يعيشون هناك عن التمييز والعنصرية التي يتعرضون لها.
أما فيما يخص اعتبار ترامب أن قراره سيخدم مصلحة طرفي النزاع، قال له الأمير تركي بن فيصل: كيف أمكنك التوصل لهذا الاستنتاج غير المنطقي؟ كيف يمكنك تسهيل تحقيق سلام دائم باستجابتك لطلب غير شرعي من أحد طرفي النزاع؟ كيف أمكن لك أن تدعي أنك لن تتخذ موقفا نهائيا من أي إشكالية، بما في ذلك رسم الحدود أو مشكلة السيادة الإسرائيلية في القدس أو حل الحدود المتنازع عليها، وأنت تقدم على هذه الخطوة؟
وأورد الأمير تركي، في خطاب توجه به مباشرة لترامب، أن ما أقدم عليه لا يؤكد مجددا التزام إدارته طويل الأمد بتحقيق السلام والأمن في المنطقة في المستقبل. كما أن قراره قد زاد من جرأة جهات متطرفة في المجتمع الإسرائيلي، فقد اتخذوا قراره رخصة لطرد الفلسطينيين من أراضيهم وإخضاعهم لدولة الفصل العنصري.
كما قال له أيضا: "أين السلام في ذلك؟ خاصة أن قرارك قد شجع إيران وتوابعها من الإرهابيين، على التصريح بأنهم المدافعون الشرعيون عن الحقوق الفلسطينية في مواجهة الأهداف الإمبريالية الأمريكية والإسرائيلية. فأين هو السلام والأمن المستقبلي للمنطقة في ذلك؟ لقد منحتم التهديدات الإرهابية التي كانت بصدد الضمور، الفرصة للازدهار وتجنيد المتطوعين لتوسيع هجماتهم الدموية على المدنيين الأبرياء في جميع أنحاء العالم. فأين السلام والأمن في ذلك؟"
وبين الأمير لترامب أنه لا يمكنه أن يدعو إلى التهدئة واتباع الوسطية والاعتدال والتسامح، وأن يتوقع سيادة هذه القيم وتغلبها على مورّدي الكراهية، عندما يكون قراره البلسم الذي تزدهر فيه هذه القيم السلبية. والقوت الذي تتغذى عليه والأكسجين الذي تتنفسه.
وفي سياق متصل، أضاف: "لا يا السيد ترامب، لا ترسل نائبك لنا لأنه غير مرحب به. إذا كنت ترغب في تصحيح الخطأ الذي ارتكبته، فيمكنك إصدار بيان يعترف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. وغير ذلك، لن نسمع للكلام الحلو الذي تتملقنا به، وخير شاهد في هذا الموضع ما قاله السكان الأصليون لما يسمى أمريكا "الرجل الأبيض يتحدث بلسان متقلب"، ولقد فهمنا هذه العبارة منذ سنة 1917".
وفي الختام، أكد الأمير أن ملك وولي العهد والحكومة والشعب السعودي يدينون قرار ترامب، حيث ينصحه الملك بالعدول عن هذا القرار، من أجل السلام والأمن العالميين، وهو يأمل هذه المرة أن يأخذ بنصيحته.