نشرت صحيفة "
موند أفريك" الفرنسية تقريرا بينت فيه أن تدهور صحة الرئيس
الجزائري، وازديادها سوءا يوما بعد يوم، قد ساهم في تنامي العدوانية بين الأطراف التي تعمل على خلافته في حكم البلد.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، إن صحة الرئيس عبد العزيز
بوتفليقة، الذي لا يكاد يبارح قصر زرالدة الرئاسي، الذي تحول إلى مركز للرعاية الصحية، قد تعكرت مرة أخرى. وخلال نهاية الأسبوع الماضي، راجت عدة شائعات مفادها أن الرئيس الجزائري قام برحلة ذهاب وإياب إلى عيادة جنيف، حيث يداوم على العلاج بانتظام. وهو ما أثار عدة تساؤلات حول قدرته على استقبال إيمانويل ماكرون، في بداية الأسبوع القادم، ولو كان ذلك لبضع دقائق فقط.
وأوردت الصحيفة أن الأطراف التي تتطلع إلى المرحلة الانتقالية في الجزائر العاصمة، هما الشق الرئاسي بقيادة شقيق الرئيس،
سعيد بوتفليقة، وشق رئيس أركان الجيش الجزائري، أحمد قايد صالح. وعلى امتداد ثلاث سنوات، عمل هاذان الطرافان على استبعاد رئيس جهاز المخابرات،
الجنرال توفيق، عن المنافسة، ودخلا في حرب بلا هوادة.
وأشارت الصحيفة إلى أنه قد أصبح من البديهي بروز مرشح غير معروف أو بالأحرى لم يقع الإعلان عنه مسبقا ليتصدر السلطة في الجزائر. وهو ما وقع في عدة مناسبات سابقة، على غرار اختيار الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي سنة 1979 من قبل جبهة التحرير الوطني، التي كان يهيمن عليها الجيش.
وأضافت أن الترشح للرئاسة في الجزائر يستند بالفعل إلى الخيارات التي يتخذها الجيش الجزائري، والأجهزة الأمنية، ورجال الأعمال، الذين أصبحوا يتمتعون بنفوذ كبير، فضلا عن الشركاء الدوليين، ولا سيما الشركاء الغربيين. في المقابل، يتم استبعاد الشعب الجزائري.
في الحقيقة، لم يعد يخفى على أحد أن وصي قصر المرادية، سعيد بوتفليقة، يسارع الخطى نحو خلافة أخيه. وهو ما تجلى في حضوره لدورات تدريبية حول وسائل الإعلام وإحاطته من قبل فريق حملته الانتخابية. وحسب شهادة بعض المحيطين به فإن سعيد بوتفليقة "يبدو متحمسا للمطالبة بخلافة أخيه، على طريقة راؤول كاسترو الذي عين خلفا لأخيه فيدل في كوبا، ولسنا متأكدين مما إذا كانت هذه الفكرة جيدة".
أما فيما يخص توازن القوى بين النخب السياسية الجزائرية، نوهت الصحيفة بأن دعم وزير النفط السابق شكيب خليل له قيمة كبيرة بالنسبة لسعيد بوتفليقة. فلفترة طويلة، كان هذا الشخص يعتبر ولي عهد عبد العزيز بوتفليقة المفترض وصديقه المقرب الذي قام بعدة خطوات جيدة في الولايات المتحدة، نفي منذ فترة طويلة هروبا من العدالة الإيطالية.
وأوضحت الصحيفة أن هذه الصداقة ستضمن بدورها لسعيد بوتفليقة دعما كبيرا من الأمريكيين، الذين بدا سفيرهم الجديد في الجزائر نشطا جدا. كما أن البعض صار يعلق آمالا كبيرة على "الطفل المدلل" لبوتفليقة لدرجة أنه وقع اقتراح اسمه لمنصب رئيس الوزراء المقبل مكان أحمد أويحيى، في حالة تنحيه عقب زيارة إيمانويل ماكرون.
وأكدت أن سعيد بوتفليقة يتمتع بدعم كبير من قبل قطاع الأعمال الذي عامله بسخاء في السنوات الأخيرة عن طريق رفع الضوابط التنظيمية عن اللجان بطريقة لم يسبق لها مثيل. أما الوضع السائد في جهاز الأمن الجزائري، فيبدو أكثر تعقيدا. فلتتمكن من تغيير الجنرال توفيق الذي لا يمكن عزله، عينت الرئاسة عثمان طرطاق رئيسا لجهاز المخابرات، الذي سيمر لدعم ترشيح سعيد بوتفليقة لخلافة رئيس الدولة. ولكن إلى أي مدى؟ وتحت أي ظروف؟
وبينت الصحيفة أن هذه الأسئلة تعكس مدى تعقيد مجريات الأحداث التي تسبق هذه الخلافة. ولكن مفتاح هذا الانتقال بيد الجيش، الذي يعتبر العمود الفقري الوحيد للنظام. إلى جانب ذلك، يعتبر الكثيرون أن نائب وزير الدفاع ورئيس الأركان الحالي، أحمد قايد صلاح، هو المشرف على مرحلة الانتقال. فمنذ تعيينه سنة 2013، واصل توسيع مجال تدخله من خلال نشاط المديرية المركزية لأمن الجيش، التي تعتبر بمثابة جهاز مخابرات ثان.
وأضافت أن كبار ضباط الجيش هم وحدهم القادرون على ضمان الحفاظ على النظام العام إذا بدأ الشارع في الحراك بعد اختفاء الرئيس بوتفليقة. كما يستطيعون خلال هذه المرحلة الانتقالية الصعبة، الحفاظ على البلاد من الإرهاب، من خلال ضمان أمن الحدود مع تونس وليبيا. ولكن لا يجب أن ننسى أن هؤلاء الجنرالات مخلصون لزعيمهم الجنرال قايد صلاح، نتيجة شراكة طويلة.
وفي الختام، أفادت الصحيفة بأن مساندة قادة المنطقة العسكرية هو شرط أساسي لأي رئيس مستقبلي للجزائر. وفي حالة استبعاد أركان الجيش، وهو سيناريو يجب التطلع إليه في قصر زرالدة، سيكون ذلك بمثابة انتحار بالنسبة للحكومة الجزائرية الهشة. ولا يمكن إلا للجيش أن يحيد التهديدات التي تواجهها الجزائر على طول مئات الكيلومترات من الحدود مع النيجر ومالي وموريتانيا، ويحميها من الجماعات الجهادية.