هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثبتت التجارب السياسية الأخيرة، خاصة ما شهدته الولايات المتحدة الأمريكية
في انتخاباتها الرئاسية، الدور الغامض الذي تلعبه منصات التواصل الاجتماعي والفضاء
الإلكتروني، في ترجيح الفائزين، كما أبرزت التطورات الأخيرة، خاصة في الحوادث الإرهابية
حول العالم، استغلال الجماعات الإرهابية وعلى رأسها داعش لهذا الفضاء الإلكتروني الرحب،
فالمتابع لكافة الحوادث الإرهابية التي شهدتها المنطقة والعالم في الآونة الأخيرة،
نجد التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها داعش قد سبقت يد الغدر الإرهابي بالإعلان عن تلك
العمليات عبر الفضاء الإلكتروني، بشكل قد يشكل أمرا للتنفيذ لخلاياه، أكثر من كونه
إعلانا عن نيته تنفيذ الجريمة.
نحن هنا لسنا بصدد الحديث عن تقصير أمني تجاه الحوادث الإرهابية، أو بصدد
الحديث عن ما يرتكبه الإرهاب من جرائم، نحن بصدد مناقشة عقلانية عن دور منصات التواصل
الاجتماعي وما تشاركه في فضائها الإلكتروني، من أفكار أو حتى أخبار، تنتشر كالنار في
الهشيم مستهدفة عقول الأبناء، خاصة وأنهم الفئة الأكثر تأثرا بهذه الدعاية السوداء،
نظرا لانهم الفئة الأكثر تعاطيا مع هذه المنصات، وما يتبع ذلك من خطورة هذا الفضاء
وتأثيرات تداعياته، على عقول الأبناء الذين هم مستقبل هذه الأمة المبتلاة بالعديد من
المشاكل، وتحيطها المؤامرات من كل حدب أو صوب، وأصبحت مرتعا حقيقيا لآفات عديدة على
رأسها الجهل والفقر والمرض، وتلاحقها الانهيارات الاقتصادية من كافة النواحي، وأصبح
التدخل الخارجي يؤثر بشكل كبير على صناعة القرار في معظم الحواضر العربية.
إن هذا الوضع المحيط بنا، يحتم علينا اذا أردنا تعديل الحاضر القاتم،
وبناء مستقبل مزدهر، يحتاج قبل الحديث عن تنمية إلى الحفاظ على عقول أبنائنا من هذا
الاستهداف، الذي أضحى شديد الوضوح سواء من التنظيمات الإرهابية، أو من الدعاية السوداء
التي تستخدمها الصهيونية العالمية وما يدور في فلكها.
ولعل النموذج الأمريكي أكبر دليل على قدرة هذه المنصات في التأثير على
الشعوب والدخول بأفكار دعائية سوداء محددة من قبل أصحاب المشروع الاستعماري الجديد،
الذي قفز على مرحلة استعمار الأرض واستغلال المقدرات الاقتصادية للبلدان، إلى صناعة
أجيال مستعمرة عقولها، بأفكار تدميرية تحمل في طياتها بذرة الإرهاب أو الانحلال، وتدعو
لكل ما من شأنه تدمير بواعث اليقظة في نفوسنا العربية المحاصرة ما بين سندان الإرهاب،
واستسلام نحو الصهيونية وأفكارها المستجلبة، الساعية لبناء شباب عربي قابل للتطبيع،
متخذة من نعرات وطنية زائفة طريقا لتمرير مثل تلك الأفكار، التي أضحت اليوم تنظر للقضية
الفلسطينية، والتمسك بالحقوق العربية، عبئا يجب التخلص منه، وأصبحت مبادئ حقوق الإنسان
وتقرير المصير مرتبطة فقط بتمرير تلك الأفكار المدمرة، دون النظر لحق الإنسان الأصيل
في النهوض الوطني، وبناء مجتمعات تقوم على العلم والمعرفة.
إن مخاطر هذا الفضاء الإلكتروني تتعدى الاستهداف العقلي، عبر منظمات إرهابية
وصهيونية تستهدف العقل العربي الجمعي، لتكون منصات للتجسس على الدول وبيانات مواطنيها
الشخصية، فهذه المنصات أضحت جزءا من عملية تجسس كبرى ظهرت جلية في الاتهامات الأمريكية
والألمانية، كما ظهرت في التحذيرات الروسية لموقع تويتر، حيث أعلنت موسكو أنها ستتحقق
العام المقبل من امتثال تويتر لقانون يلزم جميع الشركات بحفظ البيانات الشخصية للمواطنين
الروس على الأراضي الروسية.
وقال رئيس الهيئة ألكسندر جاروف للموقع الإلكتروني لقناة (آر.تي/روسيا
اليوم) الإخبارية "يمكن أن نقول بشكل مؤكد إننا سنفحص عملهم حتى نهاية 2018 للتأكد
من وفائهم بتعهداتهم". ويشير تصريح جاروف إلى خطاب من إدارة تويتر قالت فيه إن
الشركة تخطط لحفظ بيانات المواطنين الروس داخل روسيا بحلول منتصف 2018. وحجبت روسيا
العام الماضي موقع (لينكد إن) للتواصل الاجتماعي المملوك لمايكروسوفت بعد أن قالت محكمة
إن الشركة تنتهك قوانين البيانات الروسية.
تشكل المخاطر الأمنية والمستقبلية للفضاء الإلكتروني، حدا ملزما للدول
التي تسعى للحفاظ على استقلاليتها، وتجتهد لتحقيق نمو مستدام يكفل حق أجيالها القادمة،
إلى ضرورة إقامة بناء معرفي يعي الكيفية المثلى للتعامل مع هذه المنصات، وإيجاد بديل
تقني يمنع التسربات الفكرية الخارجية من الولوج إلى فضائنا الإلكتروني، ويراقب عن كثب
نشاط الجماعات المتطرفة، ويفتح الطريق إلى الاستفادة الحقيقية من التطور الذي تحققه
تلك المنصات، ويرصد الأفكار الشاذة حماية لعقول أبناء المستقبل.
الوطن العمانية