قضايا وآراء

حاجة فلسطين إلى جبهة وطنية جامعة!

بلال خليل ياسين
1300x600
1300x600

منذ أن احتُلت فلسطين عام 1948م وشعبنا الفلسطيني يُقدم أجمل معاني الصمود والكبرياء في وجه أبشع محتل عرفته البشرية وعاصره التاريخ، فقد قدم آلافا من الشهداء الأنقياء، وآلافا من الأسرى الأقوياء، وآلافا من الجرحى الشرفاء، وما زال شلال التضحية والإباء في أزهى صوره ينطق عن عمق الوعي الوطني والإنساني لقضيته المباركة ومقدساته الشريفة.


وقد مرَّ هذا الشعب وقضيته الفلسطينية العادلة بمسارات مختلفة، منها ما شكل حالة انكسار، ومنها ما اعتبر حالة من الانتصار، ففي عام 1967م احتلت باقي الأراضي الفلسطينية وأجزاء من الأراضي العربية، ثم جاءت أحداث أيلول الأسود عام 1970م في الأردن، وبعدها حرب 1982م وخروج فتح والمنظمة من بيروت، ثم انتفاضة الحجارة عام 1987م، ثم اتفاق أُسلوا عام 1993م الذي مهد الطريق أمام الحكم الذاتي وما تبعه من تراجع كبير لحقوق الشعب الفلسطيني وموقعه المتقدم، ثم انتفاضة الأقصى عام 2000م والتي تخللها اغتيال العديد من قيادات الشعب الفلسطيني أبرزهم رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، وقائد حركة حماس الشيخ أحمد ياسين، وبعدها فوز حركة حماس في انتخابات 2006م، وما تبعها من أحداث داخلية أدت إلى الانقسام الفلسطيني عام 2007م، ثم خوض غزة ثلاثة حروب ضاريات، وصفقة تبادل الأسرى عام 2011م والإفراج عن 1027 أسيرا مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، ومحاولات المصالحة الفلسطينية بين حماس وفتح في أكثر من جولة في عواصم الدول العربية وغيرها، كل هذه المسيرة والشعب الفلسطيني يُقدم صمودا ووعيا نوعيا لقضيته العادلة، مما يعكس تقدماً ملحوظاً للشعب الفلسطيني على قياداته المختلفة.


وفي ظل المصالحة الجديدة بين حماس وفتح والتي تسير بخطى إيجابية رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها نطرح تساؤلا مهما وهو ما مدى حاجة الشعب الفلسطيني إلى جبهة وطنية جديدة، تُقيم الواقع الجديد، وتقدم رؤية جديدة للقضية وتعقيداتها المختلفة؟ 


إننا بهذا التساؤل لا نقلل من قيمة الفصائل الفلسطينية وقيادته الشريفة، وخصوصا الذين ضحوا بأغلى ما يملكون في سبيل القضية الفلسطينية المباركة، ولا نُقلل من جهودهم المتنوعة في الدفاع الإنسان وكرامته المسلوبة، لكننا أمام مشهد جديد وفرصة جديدة لاستثمار هذا الجهد نحو البوصلة الصحيحة، ومن الطبيعي أنَّ كل مرحلة تاريخية تحتاج إلى قادة جدد يقدرون هذه الفرص ويأخذون بيدها نحو أفضل الثمار وأحسنها.


برأيي أننا قد نكون بحاجة ماسة إلى جبهة وطنية جديدة، جامعة للكل الفلسطيني، بحاجة إلى قيادات ناضجة، قيادات تحمل رؤية جديدة، وأملاً جديدا يحقق آمال الشعب الفلسطيني وطموحاته المشروعة؛ وذلك للأسباب التالية: 


أولا: وصول جميع الأطراف إلى طريق مسدود، فبرنامج التسوية وما يلحق به من إجراءات أمنية أصبح لا يجدي نفعاً منذ سنوات عدة، وغير مقبول لدى الشعب الفلسطيني وفصائله المختلفة.


أما برنامج المقاومة فهو أيضا أصبح عبئا كبيرا على الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة بالتحديد؛ بالتأكيد لا أحد يُنكر أهمية القوة العسكرية من أجل التقدم، لكنَّ التجربة الأخيرة من الحروب القاسية أكدت لنا أنَّ السلاح دون عمق إقليمي واستراتيجي لا يجدي نفعاً في ظل عدم تكافؤ القوة.


ثانيا: اختصار وجه الوطن في فصيلين متناقضين في الأفكار والمفاهيم والمسارات والآليات يُقزم من قضيتنا ووجها الإنساني، ويُقلل من قيمة الشعب الفلسطيني وتضحياته الكبيرة، وهذا ليس تناسيا للفصائل الأخرى، إلا أنَّ دورها المتواضع لا يرقى لطموحات الشعب الفلسطيني؛ نظرا لمصالحها الخاصة والمرتبط بعضها بالفصائل الأخرى. 


ثالثا: التغيرات الإقليمية بعد أحداث الربيع العربي، وخطورة التطبيع العلني مع إسرائيل، الأمر الذي يعكس أهمية رأب صدع الجبهة الداخلية الفلسطينية لمواجهة التحديات العاصفة بفلسطين وقضيتها العادلة.


رابعا: التغير التدريجي للمنظومة الدولية والتي تتجه نحو إنهاء سياسة القطب الواحد، مما يدفعنا لأن نقتنص الفرص لإحداث اختراق دولي يحقق مصالح الشعب الفلسطيني وطموحاته المشروعة.


خامسا: تعزيز أفق المصالحة المجتمعية والفصائلية من خلال رؤية سياسية تعمل على جسر الهوة بين حماس وفتح بالقدر الذي قد لا يحدثه الطرفان في حال حدثت انتخابات جديدة، وفاز أحد الأطراف المذكورة، وخصوصا أنَّ أغلب فئات المجتمع الفلسطيني قد ملّت من حالة الانقسام وآثاره السيئة على الإنسان، والقضية الوطنية.


في الحقيقة لم أكن الوحيد الذي يُقدم على هذه التساؤل، بل أقدم عليه آخرون من أصحاب الرأي والتجربة في تاريخ القضية الفلسطينية، وحاضرها المهني والأكاديمي، فقد قرأت تساؤلات مشابهة، واقتراحات مماثلة لعدد من الكتاب والأكاديميين المميزين، الذين قدموا تجربة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه مثالا للعمل السياسي المميز في ظل الواقع الذي كان يعيشه، وما حققه من نتائج كبيرة بعد خروجه من عباءة حزب نجم الدين أربكان الذي كان يتبنى فكرة المواجهة والتصادم مع الدولة وأجهزتها المختلفة التي كان الجيش مسيطرا عليها.


غير أنَّ هذه التساؤلات وغيرها قد يقف أمامها العديد من المعوقات التي يراها بعض المهتمين أنها رئيسية وقد تؤدي إلى عدم أهلية الفكرة وقدرتها على تحقيق الأهداف المنشودة، والتي من أبرزها أنَّ غالبية الشعب الفلسطيني منطوي تنظيميا تحت جناح التنظيمات الفلسطينية المختلفة مما يشكل حالة من العبث التنظيمي والتكديس المؤسسي، كما أنَّ الشعب في ظل ما قدم من تضحيات ومواقف يُشكر عليها يحتاج إلى من يدعمه ماديا أكثر ممن يُنظّر عليه فكريا، وأنَّ القضية الفلسطينية تحتاج إلى فصائل تحررية وليست سياسية في ظل وجود الاحتلال الصهيوني.


لا شك أنَّ هذه التساؤلات وغيرها مشروعة، وتحتاج إلى نقاش عميق لبلورة الفكرة بشكل يليق بتضحيات الشعب الفلسطيني وغاياته النبيلة؛ لذلك أدعو الجادين من أبناء الشعب الفلسطيني، وأصحاب التجربة والعطاء أن يجتمعوا من أجل منقاشة ما تم ذكره، وتقييم الوضع الفلسطيني الحالي، وتحديد أولويات العمل المرحلي والاستراتيجي، واستثمار ما وصل إليه الآخرون، وتحقيق رؤية تكاملية مع القوى الفلسطينية الأخرى، وإيجاد رؤية متوازنة، وشاملة، لا تُفرط بثوابت الشعب الفلسطيني وحقوقه المعروفة.

0
التعليقات (0)

خبر عاجل