هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يسود نقاش هذه الأوقات ينتقد موقف حماس الرافض لتصنيف حزب الله اللبناني حزبًا إرهابيًّا، وبينما بدأ الأمر بتغريدة للدكتور موسى أبو مرزوق في حسابه على موقف تويتر، فقد تأكد ببيان رسميّ للحركة، وأمّا السجال، وإن كان واسعًا لدى جمهور الثورة السورية، الذي لا يمكنه إلا أن يرى حزب الله عدوًّا لاشتباكه معه بالدم والسلاح، وهذا منطق الأشياء، فإنّه حاضر بنسبة ما لدى جمهور حماس، الذي لا يخلو من منتقدين لحركتهم في علاقتها المتجددة مع المحور الإيراني.
ليس صدفة أن الحركة أصدرت بيانين في يوم واحد، الأوّل تضمّن ردًّا على تصريحات لوزير الخارجية السعودي، اشترط فيها تخلّي قطر عن حماس لرفع الحصار عنها وإتمام المصالحة معها، أي مع قطر، والثاني، كان رفضًا لما تضمّنه البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية العرب الطارئ من تصنيف حزب الله حزبًا إرهابيًّا.
تزامن البيانين يفسّر مخاوف الحركة البالغة، إذ القطب الذي يحكم الحراك في الإقليم الآن، هو التأسيس لتحالف يندمج فيه الكيان الصهيوني لمواجهة إيران، وهذا المشروع يحتاج تسوية ما للقضية الفلسطينية، حتى لو كانت مؤقّتة، لتسويغ هذا التحالف.
إنّ تدخل حزب الله في سوريا إلى جانب النظام وممارساته هناك ليست هي الدافع وراء قرار وزراء الخارجية العرب، وإنما الدافع هو التحالف السعودي الإماراتي الإسرائيلي الناشئ
وهذه الخطة كنتُ قد كتبت فيها العديد من المقالات منذ مطلع هذا العام على الأقل، وقد تبينت الآن بما لا يلزمنا بمزيد بيان أو إثبات، بل إنني قلت في بعض ما كتبته أن جانبًا من حصار قطر، متعلق برغبة محاصريها في تسوية المرحلة وفق رؤاهم ومصالحهم بعد انتصارهم على موجة الثورات العربية ومجيء ترامب، هذا يعني بالضرورة التحالف مع بنيامين نتنياهو، وهو الأمر الذي لم يعد محلّ شكّ، وإذن فالأمر بالغ الترابط والتعقيد.
تَنظر حماس للأمر الآن من هذه الزاوية، وباعتبار آخر.
فأمّا الاعتبار الآخر، فهو الحاجة الشديدة التي تعانيها الحركة، وهي حاجة يمكن إنزالها منزلة الضرورة بالنظر إلى أنّها حاجة عامّة، فالحركة لا تفتقر للحلفاء والداعمين فحسب، ولا يتعرض بعض أصدقائها المفترضين للحصار والابتزاز وعلى نحو جعل دعمهم الماديّ للحركة منعدمًا ومنذ بضعة شهور فحسب، ولكنّها تعاني من عوز هائل يحول دون قدرتها على تسيير أمورها، وهي قد لا ترى أن الإعلان عن ذلك صائب، ولكن هذا هو الواقع بحسب معلوماتي، وجانب من هذا الواقع سببه الدول التي تصنف حزب الله إرهابيًّا الآن.
أما الزاوية الأساسية التي تنظر منها الحركة، فهي ارتباط بيان الوزراء الخارجية العرب بالموضوع الفلسطيني أو بالتحالف مع الكيان الصهيوني، حتى لو كانت إيران هي المستهدفة بهذا التحالف، ولكنّه بات يتطلب تحقيق أغراض الكيان الصهيوني، وإظهار التطبيع معه، واجتراح تسوية تصفوية ما، ولو مؤقتة، للقضية الفلسطينية.
إنّ تدخل حزب الله في سوريا إلى جانب النظام وممارساته هناك ليست هي الدافع وراء قرار وزراء الخارجية العرب، على الأقل ليست هي الدافع الأساسي، وإنما الدافع هو التحالف السعودي الإماراتي الإسرائيلي الناشئ، ومن ثمّ فالبيان العربي متّصل بتصورات ومواقف متداخلة جدًّا، ليس الموضوع الفلسطيني منفصلاً عنها.
بكلمة أخرى، لا يمكن النظر لبيان وزراء الخارجية العرب من زاوية الموضوع السوري فحسب، أو لا يمكن فصل الأمور بهذه البساطة، التي تفترض أنه يمكن لحماس أن تنأى بنفسها تمامًا، في الحقيقة ما ينبغي أن يحدّد إعلان حماس لموقف إزاء ذلك، هو التقدير السياسي لنفع الإعلان من عدمه، لا التصوّر أن إعلان وزراء الخارجية العرب، هو مجرد اصطفاف سعودي إيراني، لا ناقة لنا فيه ولا جمل، أو مجرد عقاب لحزب الله لتدخله في سوريا وغيرها من البلاد العربية، وإنما هو إعلان يقع الموضوع الفلسطيني في قلبه، وحماس غير منعزلة عن ذلك بالتأكيد.
إنّ رفض تصنيف حزب الله حزبًا إرهابيًّا يأتي لاعتبار فلسطيني لا يتعلق بموقف من الثورة السورية أو تدخل حزب الله فيها، وإنما دفاعًا عن النفس، لاسيما وأن الأمر لم يعد محل تحليل وتخمين، وإنما تأكّد بجملة مواقف ومعطيات، كلّها من جهة تدلّ على وجود تحالف كهذا، ومحاولات لفرض صيغة ما على الفلسطينيين تمهّد للتطبيع، دون الغفلة عن المواقف السعودية المعلنة التي تبتز قطر بحماس، مما يعني أنّ حماس مرشّحة بقوّة ليأتي الدور لاجتثاثها، في واحدة من مضامين التفاهمات بين نتنياهو والدول العربية المذكورة أعلاه!
هذا حديث مباشر في الموضوع، وليس دفاعًا عن بيان حماس الذي قد يتضمن ما يمكن النقاش فيه، ولا شك أن الأمر يتصل بموضوعات تأسيسية وتقديرية كثيرة، من قبيل تفصيل مسببات العلاقة بين حماس وإيران، وعلاقة القضية الفلسطينية بالموضوعات العربية الأخرى، والظروف التي تغرق فيها الثورة السورية وما آلت إليه الآن.
لكن الفكرة، أن الأمر ليس بتلك البساطة، وتفكيكه على النحو الذي يطالب به محبّو حماس، أو كارهوها، من لم يزل يحمل لها قدرًا من الثقة، أو فَقَدَ تلك الثقة؛ ليس بتلك السهولة.. هذا هو الواقع الذي ينبغي حين انتقاد كيفيات تعامل حماس معه، أن نأخذه بعين الاعتبار، بصرف النظر بعد ذلك عن موقفنا من صوابية قرار حماس من عدمه، لكن التصوّر أن الأمر متعلق برمّته بجانب واحد هو خطأ بلا شك، ومن ينتقد موقف حماس، عليه ألا يغفل السياق المذكور في هذه المقالة، لأنّه لم يعد تحليلاً أو تخمينًا كما سبق قوله.
نعم، يمكن أن ننتقد مسارات حماس، التي جعلتها أكثر احتياجًا لدعم الدول، لكننا الآن نتناقش في واقع قائم، لا يمكن لنا أن نتجاوزه وكأنّه غير موجود.