هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أجمع باحثون مغاربة على أن الإيديولوجية الوهابية هي التي أذكت في نفوس الشباب المغربي مظاهر التطرف، بمقابل قضائها على "الإسلام الشعبي" الذي عُرف به المغاربة وكان صمام أمان لهم، بحسب تعبيرهم.
جاء ذلك في ندوة فكرية نظمتها كلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط، تحت عنوان "سوسيولوجية التطرف الديني في المغرب"، أمس الجمعة.
التدين الشعبي والسلفية
قال الباحث الإسلامي، محمد عبد الوهاب رفيقي إن "تدين المغاربة في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي إن قارناه بفترة التدين في السبعينيات والثمانينيات والتسيعنيات سنجد فرقا واضحا جدا، حيث أن في الفترة الأولى وما قبلها كان شكل التدين الذي كان عليه المغاربة رسميا وشعبيا، أكثر انفتاحا وتسامحا مما هو عليه اليوم".
وأوضح الباحث أنه "بعد دخول الإسلام السياسي أصبح كثير من الناس يقسمون بعضهم البعض إلى إسلاميين وعلمانيين وأصبح هذا الاصطفاف الاديولوجي طاغيا، بينما في الخمسينيات والستينيات لم يكن له وجود"، لافتا إلى أن المغرب كان يعيش نوعا من الانفتاح والتسامح في شكل التدين إلى أن تسللت الإيديولوجية السلفية الجهادية التي اعتبرها "خطأ كبيرا".
وأكد رفيقي أن "كل ما عرفه المغرب من موجات التطرف كان نتيجة هذا الخطأ الكبير، حيث أزيح زعماء السلفية الوطنية الذين كانوا علماء تنويريين متأثرين بحركة النهضة بمصر، وبعلماء من قبيل محمد عبده وجمال الدين الأفغاني ورشيد رضا وتم إجهاض أفكار هؤلاء العلماء التي كانت منبثقة من الدين نفسه لأسباب سياسية، ومكّن للإديولوجية السلفية الوهابية بشتى الوسائل والأدوات التي ساعدته في إعادة تشكيل التدين المغربي، فبدأت المعارك داخل المساجد حول البدعة والسنة، خاصة وأن المغرب كان يعرف بالتصوف، وفتحت بشكل كبير دور القرآن وصرفت عليها الأموال الباهضة، كما مكن لكتب هذا التيار من الانتشار الواسع، فأعيد تشكيل نوع التدين الذي عليه المغاربة، وأرى أن كل المواجهات التي عرفها المغرب، وكل الأجيال التي عاشت في هذه الفترة هي كانت ضحية هذا الخطأ الاستراتيجي الكبير الذي وقع في ذلك الوقت".
وأوضح أن السلفية الوهابية تقوت وزادت بعد الثورة الإيرانية أو ما يسمى بـ "الجهاد الأفغاني" بداية الثمانينيات إلى بداية التسعينيات، حيث مولت لمواجهة التيار الشيعي، حتى تسرب هذا الفكر إلى عموم الناس، بل وصل إلى المناهج التعليمية الرسمية التي قوت الصراع والانتقاص من الآخر، ورغم تصحيح كثير من المناهج إلا أن آثارهم لازلت فيها.
الإسلام السياسي والتطرف
وحمل رفيقي مسؤولية ظهور التطرف إلى خطاب الإسلام السياسي، وقال إن خطاب حركات الإسلام السياسي ذكّى ظهور موجات التطرف لأنه يتحدث عن البطولات والأمجاد في التاريخ الإسلامي بالمقابل طمس السلبيات هذا التاريخ، واعتبره "خطابا طوبويا".
وأشار رفيقي أن خطاب حركات الإسلام السياسي عن بطولات وأمجاد المسلمين أثر على الشباب عبر تشكيل وعيهم وهويتهم مما جعلهم لا يعرفون انتماءهم الحقيقي.
وأكد أن من "أكبر الإشكالات في هذا الفكر ذلك الحلم الأممي، حيث يحلم الشاب بالأمة الإسلامية تنشر الإسلام في كل ربوع الأرض".
وقال الباحث الإسلامي إن "هذا الاضطراب الهوياتي خطير جدا لأنه يؤدي إلى الهشاشة الهوياتية التي تجعل الشاب قابل للاستقطاب، لأن الداعشي يأتي بكل سهولة ويجد أنه ليس لذلك الشاب هوية صلبة وليس له حصانة تمنعه من الوقوع فيعرض له أحلاما كبيرة بكل بساطة، وهذه من مناطق القوة في الخطاب الداعشي أنه خطاب بسيط جدا ويقدم له عددا من الوعود بتحقيق كل تلك الأحلام التي تشكلت في وعيه فيتم استقطابه بكل سهولة".
الدين والإيديولوجيا
من جانبه، أوضح الناشط والكاتب الأمازيغي، أحمد عصيد، أنه لا وجود لصورة خالصة للتطرف المغربي، لأن الأمر يتعلق بظاهرة معولمة، "فالمتطرف المغربي ليس سوى شخص يعتنق إيديولوجية دينية متشددة عابرة للقارات، تأثرت بعاملان اثنان، الثورة الإيرانية والهجوم الذي حدث على الحرم المكي، الأمر الذي أدى إلى مواجهة المد الشيعي بالمد الوهابي".
ولفت عصيد إلى أن المجتمع انتقل من "التدين الشعبي" إلى نمط تدين مؤطر إديولوجيا بهدف سياسي وخير مثال على ذلك تنظيم الإخوان المسلمين.
تمظهرات التطرف
وحدد الباحث الأمازيغي أربع تمظهرات للتطرف الديني وقال إن "التمظهر الأول هو تغير نظرة المتطرف إلى الدولة والمجتمع حيث يعتبرهما كافران"، فيما التمظهر الثاني فهو "معاكسة المتطرف للاتجاه نحو التحديث والدمقرطة، أما التمظهر الثالث فهو "كراهية الاختلاف وعدم احترام الآخرين بما فيهم أعضاء الأسرة، الأمر الذي أدى إلى تشظي الأسرة المغربية، حيث نجد بعض الشبان يتهجمون على أعضاء أسرهم، ويظهر في سلوكهم رفض تام للدولة والأسرة وتقاليدها". فيما التمظهر الرابع، يضيف المتحدث، فهو "المعاملة السيئة للغير عموما ".
ولفت إلى أن العوامل المساهمة في انتشار التطرف تكمن في "الفقر والتهميش، والتعليم، وشبكات التواصل الاجتماعي".
وقال إن للتعليم دور في انتشار التطرف بالمغرب، حيث تم تكوين "جيل كامل من المدرسين على الأيديولوجيا المتطرفة ليس فقط في التربية الإسلامية بل حتى في المواد العلمية، حيث أصبح أستاذ العلوم يكتب آية قرآنية والموضوع يتعلق بتجارب علمية في المختبر".
وأضاف: "عندما قرر الملك محمد السادس مراجعة المقررات الدراسية فكان الهدف السياسي الرئيسي من هذا الأمر هو تخليص المدرسة من تيار سياسي كان مهيمنا في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، حيث أبعد علماء المغرب والقرويين والمدارس القرآنية، وأعطيت الكلمة للتنظيم الإخواني في المغرب ووسائل الإعلام المغربية، ما أدى إلى تشكيل أطر بهذا التنظيم".
وأوضح الباحث أن مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في نشر الفكر الإرهابي، وقال: "لاحظنا في العشر السنوات الأخيرة انتشار العنف اللفظي بسبب شبكات التواصل، لهذا يجب أن تنتبه الأسرة إلى مثل هذه المواقع التي أصبحت تمارس التحريض ونوعا من تجييش الجمهور عوض المساهمة في تنويرهم".