قضايا وآراء

بين مؤتمري الرياض وسوتشي

حسين عبد العزيز
1300x600
1300x600
مع استكمال اجتماعات استانا لمهمتها تقريبا، تستعد الساحة السورية لمخاض سياسي جديد يعكس طبيعة المرحلة الحالية الناجمة عن التفاهم / التنافس بين اللاعبين الرئيسيين في الملف السوري، الولايات المتحدة وروسيا.
 
إنها مرحلة تتطلب توحيد المعارضة أو إجراء اصطفاف جديد في صفوفها قبيل الانتقال إلى المفاوضات الماراثونية، وهي المهمة التي أوكلت للسعودية من قبل المجتمع الدولي، وخصوصا من الولايات المتحدة.
 
ولذلك، يمكن القول إن مؤتمر الرياض المقبل سيشكل مفصلا مهما في السياق السياسي لحل الأزمة السورية، لأنه يعكس الحاجة السياسية التي نجمت عن التوافقات الدولية.
 
بعبارة أخرى، سينجم عن مؤتمر الرياض تشكيل سياسي جديد وربما مرجعية سياسية جديدة، لا تشكل قطيعة مع المرجعية السابقة بالمجمل، لكنها تخفف من حمولاتها السياسية، بمعنى أن مسألتي الحكم ومصير الأسد تتطلبان حلا يتجاوز ليس بيان "جنيف 1" الذي عفى عنه الزمن فحسب، وإنما أيضا تجاوز بعض مقررات القرار الدولي 2254 الذي ما زال إلى الآن يشكل المرجعية القانونية للحل، مثل الفقرة الرابعة التي تؤكد على المرحلة الانتقالية وحدودها الزمنية.
 
هذه الصيغة تبدو مدعومة من منصتي القاهرة وموسكو، ومن هيئة التنسيق وبعض الشخصيات المنضوية في "الهيئة العليا للمفاوضات"، في حين لا تزال تلقى رفضا من قبل الائتلاف الوطني وبعض الشخصيات مثل رئيس الهيئة رياض حجاب.
 
ومن الواضح أن الرياض ستمارس نوعا من القسوة السياسية لحسم هذا الملف، وهي قسوة ظهرت مؤخرا في الملفات الداخلية، وفي تنحي الحريري عن رئاسة الحكومة اللبنانية بشكل صارخ لم تعهده الدبلوماسية السعودية التي طالما اتسمت بالهدوء السياسي.
 
لكن حتى الآن ليس معروفا حجم الضغوط التي ستمارسها الرياض والمدى السياسي الذي يمكن أن تصل إليه مع المعارضة، وكيف سيكون شكل التشكيل السياسي الجديد؟ وهل يمكن أن تتحمل الهيئة منصة موسكو بين جنباتها؟
 
قد يكون إدخال منصة القاهرة عملية سهلة بسبب تقاربهما في الرؤية السياسية، لكن المشكلة في منصة موسكو التي تتبنى أطروحات روسية وأطروحات دمشق.
 
وفي حال نجحت الرياض بإحراز إنجاز سياسي، فإن هذا الإنجاز لن يكون مكتملا في ظل غياب قوى أصبحت وازنة في المعادلة السورية على الصعيدين العسكري والسياسي، مثل "حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي، الذي سيصبح في المرحلة المقبلة بيضة القبان بين الطرفين، ومحاولة استبعاده مؤشر على مراهقة سياسية.
 
على المعارضة إنهاء مرحلة رد الفعل والانتقال إلى ممارسة الفعل، هل علينا التذكير، كيف اضطر الائتلاف نتيجة ضغوط دولية وإقليمية إلى إنشاء كيان سياسي جديد هو الهيئة العليا للمفاوضات؟ وهل علينا التذكير أيضا كيف أن الهيئة نفسها رفضت خلال العام الماضي إدخال منصات جديدة في بنيتها، وها هي اليوم تتفاوض مع منصتي القاهرة وموسكو، وقوى أخرى؟
 
إن تشكيل مروحة واسعة من القوى المعارضة وإحداث تغيير في السقف السياسي لا يعتبر هزيمة، فالسياسة لا تبنى على القناعات ولا على المواقف الاخلاقية، وإنما تبنى على الوقائع وكيفية استثمارها واللعب عليها لتحصيل ما يمكن تحصيله من مكتسبات.
 
ليس أمام المعارضة ترف الوقت في ضوء التحركات الروسية الساعية إلى صناعة حلبة تفاوضية وفق قوانين وأدوات مختلفة، وما كان قبل سنوات مستحيلا يبدو الأن قيد الإمكان.
 
لقد آن الأون بالنسبة لموسكو تعويم القوى المحسوبة على النظام، وبعض القوى الأخرى المتمايزة عنه لكنها ليست معادية له، وهذه هي مهمة مؤتمر "الحوار الوطني السوري" المقرر في سوتشي.
 
ومن الواضح أن المؤتمر يتعامل مع الأزمة السورية من منطلق أنها أزمة بين مكونات الشعب السوري، في تعميم غير صحيح لحالة القوقاز، ويتناسى أن جذر المشكلة متمثلا بالاستبداد وكيفية التخلص منه للوصول إلى نظام ديمقراطي يشارك الجميع فيه.
 
وربما تكون أحد الأسباب الرئيسية لتأجيل مؤتمر سوتشي، هو معرفة نتائج مؤتمر الرياض الذي قد يتأجل نتيجة عدم توافقات المعارضة، وإذا ما فشلت المعارضة في التوصل إلى تفاهمات، فإن مؤتمر الحوار السوري قد يلقى اهتماما دوليا وإن كان قليلا، وهو المطلوب روسياً.
0
التعليقات (0)