هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
رغم همومنا وما يحيط بنا من قوى تتربص بمصيرنا وبمستقبل أجيالنا في خليجنا العربي، وما نعانيه في قطر من حصار الأهل والأشقاء الخليجيين، إلا أننا لن ننسى آلام وأحزان وجراح أهلنا في فلسطين، ولا يمكن أن يمر علينا يوم ذكرى وعد بلفور المشؤوم دون التوقف عنده، ونذكر شبابنا وأجيالنا القادمة بما آل إليه الحال جراء ذلك الوعد المشؤوم، فإن كنا لم نستطيع لأسباب وأسباب أن نسترد ما سلب منا أرضا وموارد وسيادة ومقدسات، فلا يجب السكوت بل من واجبنا أن نغرس في أذهان أجيالنا القادمة جيل بعد جيل أن من حقهم استرداد ما عجز عن استرداده الحكام العرب في ذلك الزمان.
اليوم، يمر على صدور وعد بلفور في الثاني من نوفمبر الحالي مائة عام، وينص ذلك الوعد المشؤوم على "أن الحكومة البريطانية تلتزم إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وأنها سوف تبذل جهودها لتسهيل تحقيق هذا الهدف"، وقد تحقق الهدف المنشود، وقامت دولة إسرائيل في فلسطين عام 1948. ولتذكير جيل الشباب العربي فإن اللورد أرثر بلفور كان وزير خارجية بريطانيا في ذلك العام 1917 م.
(2)
الغريب أن كتب التاريخ العربي المعاصر تركز فقط على دور بريطانيا في إيجاد وطن قومي لليهود في فلسطين وتنسى الدور الفرنسي، والحق أن الداعية الأول والإستراتيجي الرهيب (نابليون بونابرت) هو أول من فكر في إيجاد ذلك الوطن وتمثل فكره في استعمال ظاهرة الوطنية اليهودية والأحلام التوراتية للمطالبة بوطن قومي لليهود إنقاذا لهم من الشتات، وبذلك يتحقق له مجموعة من الأهداف، أهمها: الإفادة من اليهود في صراعه مع بريطانيا، وتوجيه الهجرات اليهودية القادمة من روسيا القيصرية وأوروبا الشرقية نحو أوروبا الغربية إلى اتجاه جديد، وهو فلسطين. لقد وجه بونابرت خطابا إلى اليهود جاء فيه: "من نابليون بونابرت القائد الأعلى للقوات المسلحة للجمهورية الفرنسية في إفريقيا وآسيا، إلى ورثة فلسطين الشرعيين، أيها الإسرائيليون، أيها الشعب الفريد، الذي لم تستطع قوى الفتح والطغيان أن تسلبه نسبه ووجوده القومي، وأن كانت قد سلبته أرض الأجداد. انهضوا بقوة أيها المشردون في التيه، إن فرنسا تقدم لكم يدها الآن حاملة إرث إسرائيل، وهي تفعل ذلك في هذا الوقت بالذات، ورغم شواهد اليأس والعجز، (.....)" (محيي الدين سليمان المصري، العمل العربي المشترك).
ما أردت قوله هنا أن هناك أكثر من يد ساعدت وعملت وتغاضت عن هجرة اليهود إلى فلسطين وأخرها قيام الكيان الإسرائيلي بشكله الراهن.
(3)
نلاحظ أن نابليون بونابرت في دعوته لليهود بالهجرة إلى فلسطين كان هدفه الجوهري إبعادهم عن فرنسا على وجه التحديد وأوروبا الغربية على وجه العموم إلى جانب استغلالهم ضد بريطانيا العظمى لصالح فرنسا. كذلك نجد أرثر بلفور نفسه أكثر الناس كرها ومعارضة لليهود، وكان دائم الهجوم عليهم، وقام بإصدار تشريعات بعد توليه رئاسة الوزراء للحد من هجرة اليهود إلى بريطانيا لخشيته على بلاده من شر هذه الهجرة.
لويد جورج، رئيس وزراء بريطانيا كان لا يقل كرها لتلك الجماعات، ومن قبلهم تشامبرلين الذي قام بإصدار وعد بلفور لإقامة وطن لليهود في شرق إفريقيا، ونلحظ أن كل من أيد وأسهم باستيطان اليهود في فلسطين كانوا يريدون الخلاص من وجودهم في بلادهم.
ونستدعي في هذه المناسبة خطاب أحد أبطال التحرير في أمريكا بنجامين فرانكلين الذي ألقى خطابا في المجلس التأسيسي لإقرار الدستور الأمريكي عام 1789 في فيلادلفيا قال: أيها السادة لا تظنوا أن أمريكا نجت من الأخطار بمجرد إعلان الاستقلال. فهي ما زالت مهددة بخطر جسيم لا يقل خطورة عن الاستعمار، وهذا الخطر سوف يأتينا من جراء تكاثر عدد اليهود في بلادنا، أن اليهود بمجرد تمركزهم في أي بلد يعمدون إلى القضاء على تقاليد ومعتقدات أهلها وقتل معنويات شبابها بفضل سموم الإباحية واللاأخلاقية أنهم أسرع إلى استنباط الحيل لمنافسة مواطنينا والسيطرة على البلاد اقتصاديا وماليا، أني أناشدكم بأن تسارعوا إلى طرد هذه الطغمة الفاجرة من البلاد قبل فوات الأوان".
(4)
رغم ما يعلمنا التاريخ وما تذكرنا أحداثه إلا أننا في خليجنا العربي لا نعتبر من التاريخ ودروسه، إذا أنحيت باللائمة على الآباء والأجداد من الحكام لكونهم لم يتلقوا تعليما أكاديميا ولم يتفرغوا لدراسة أحوال الأمم فما عذر حكام الخليج الجدد الذين يعادي بعضهم بعضا ويتسابقون لاسترضاء إسرائيل بل ويجاهرون به، رأيتم أعلاه حكام بريطانيا على اختلاف اتجاهاتهم الحزبية وكذلك الفرنسيين يعملون بكل جهودهم لإبعاد اليهود عن مجتمعاتهم وكذلك الأمريكان، وأنتم يا حكامنا الميامين تتسابقون نحوهم أنهم لا يريدون بكم خيرًا، أنهم سيفسدون عليكم كل إنجازات آبائكم وأجدادكم من قبل فلا تضنوا بهم وبمن والاهم ضنا حسنا.
آخر الدعاء: يا رب ارزقنا قيادات صالحة تدفع عنا الشرور وتوحد صفوفنا وتجعل كلمتنا هي العليا على كل البغاة.
يا رب لا تولي علينا من لا يخافك ولا يرحمنا وانصرنا على من عادنا.
الشرق القطرية (31/10/2017)