أثار إعلان الولايات المتحدة الأمريكية، في الأيام القليلة الماضية، استهداف مواقع لتنظيم الدولة في
اليمن، للمرة الأولى، أسئلة كثيرة حول حقيقة وجود التنظيم وتوقيت العمليات وهل تمت بالتنسيق مع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا أم مع التحالف العربي الذي تقوده السعودية؟
وكانت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) قد قالت إن قوات أمريكية قتلت عشرات من عناصر
تنظيم الدولة في ضربة يوم الاثنين على معسكري تدريب في اليمن.
وأضافت الوزارة، في بيان لها، الثلاثاء، أن المعسكرين في محافظة البيضاء (وسط البلاد) يُستخدمان في تدريب المقاتلين الجدد على استخدام بنادق الكلاشنيكوف والأسلحة الآلية وراجمات الصواريخ.
كيان غامض
وتعليقا على هذا الموضوع، قال خبير عسكري يمني في الشؤون العسكرية والأمنية إن تنظيم الدولة باليمن، كيان غامض الهياكل، والقادة، والقيادات، وذلك ما يثير الشبهات حول حقيقته، وحجمه، وأماكن تمركزه، وحقيقة كل ما سبق من عدمه.
وأضاف، مفضلا عدم نشر اسمه في حديث خاص لـ"
عربي21" أن "وراء هذا التسويق محاولة مكشوفة لدفع التنظيم إلى الواجهة، بعد تراجع
تنظيم القاعدة، الذي كان مبررا لتدخل الولايات المتحدة، بعد حمل اليمن على توقيع اتفاقيات أمنية سرية تبيح لطائرات الدرونز (بدون طيار)، وغيرها العبث في هذا البلد تحت يافطة مكافحة الإرهاب".
ويرى الخبير العسكري أنه "إذا أخذت ظاهرة داعش في التنامي، فليس ذلك سوى عمل مخابراتي، لتكون ورقة المرحلة القادمة، كأحد المبررات التي تمدد من عمر التدخل الأمريكي، وتطوير التدخل الخليجي في اليمن إلى أبعد من دعم الشرعية وهو مكافحة الإرهاب"، مؤكدا أن "كل هذه العناوين مداخل استعمارية جديدة، لا تقل بشاعة عما يجري في العراق وسورية".
وحول دلالة المكان المستهدف في الضربات الأمريكية المعلنة، أوضح الخبير اليمني أنه "لن يقتصر ذلك على ما أعلن من مناطق، وإن كان ذلك معدا ببراعة، لإسقاط أي شكوك حول نوايا المستقبل؛ لأن بعض مناطق مدينة البيضاء التي تتوسط محافظات البلاد، كانت ملاذات آمنة للهاربين من جماعة أنصار الشريعة (جناح تنظيم القاعدة باليمن)".
وأردف قائلا: "ستتسع خريطة هذه الادعاءات لتشمل مدن الساحل، ومناطق منابع الطاقة، وطرق نقلها، ومناطق الفصل الجغرافي بين شطري ما قبل مايو 1990، كما تتطلبه الأجندات الاستعمارية التدميرية".
وفيما يتعلق بعملية التنسيق مع الحكومة الشرعية أم التحالف، قال المتحدث ذاته إن التنسيق "يجري مع كل الأطراف اليمنية (في إشارة إلى حكومة هادي وتحالف الحوثي وصالح) فكل طرف يحاول التقرب من واشطن، ليثبت لها مدى تعاونه معها"، لافتا إلى أن هذا التنسيق يتم في حدود ما يسيطر عليه من الأرض.
وبحسب الخبير العسكري فإن "الأمر المثير أيضا في هذا الملف، هو مشاركة دولة الإمارات، العضو في التحالف العربي، التي ثبت تورطها في استهداف مدنيين عزل في عملية الإنزال الأمريكية الشهيرة على بلدة ولد ربيع في البيضاء مطلع هذا العام".
وفي نهاية كانون الثاني/ يناير من العام الجاري، نفذت قوات أمريكية عملية إنزال في بلدة ولد ربيع بالبيضاء، أسفرت عن مقتل 16 شخصا، بينهم نساء وأطفال، ومقتل ضابط يدعى "ريان أوينز"، وجرح اثنين من فريق الهجوم، فيما أعلن البيت الأبيض أن 14 من ناشطي تنظيم القاعدة قتلوا في هذا العملية.
تدابير دون تنسيق
من جهته، أكد الخبير اليمني في شؤون الحركات الإسلامية، سعيد الجمحي أنه في الوقت الذي أصبح فيه تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على شفير الانهيار، تحاول واشنطن منع ظهور خلف محتمل، وهو تنظيم الدولة.
وأضاف في حديث خاص لـ"
عربي21" أن ضرب
القوات الأمريكية مواقع مفترضة لتنظيم الدولة، الذي لا يزال تواجده ضعيفا في اليمن، لربما يأتي في سياق "اتخاذ تدابير احتياطية"، مشير إلى أن تواجد تنظيم الدولة يقتصر على بضعة عناصر ومتعاطفين، لا يشكلون تهديدا حقيقيا محليا، فضلا عن مقدرة التنظيم على أن يكون فاعلا على المستوى الإقليمي، أو الدولي.
وبحسب الجمحي فإن للولايات المتحدة حساباتها الخاصة، في حربها على الإرهاب، في اليمن، فقد وجد الأمريكيون الوضع الهش في هذا البلد، فرصة، لتحقيق مكاسب، لا علاقة لها بمحاربة الإرهاب، بل لفرض مزيد من الهيمنة على المنطقة، من خلال هذه الورقة.
ولفت إلى أن الأمريكيين يشعرون بقلق بالغ بعد اتضاح ضعف حكومة الشرعية، وعدم قدرتها على فرض سيطرتها على المناطق المحررة.
وفيما يخص التنسيق بين السلطات الشرعية والولايات المتحدة قبل تنفيذ مثل هذه العمليات، أجاب الخبير اليمني أن "تحرك واشنطن في الأراضي اليمنية يتم دون أي تنسيق مع الشرعية، بل تنصب الاتفاقات والتنسيق مع دول التحالف، والتي استطاعت تحرير حضرموت من قبضة تنظيم القاعدة في وقت قياسي (في نيسان/ إبريل عام 2016) بعد أن بسط التنظيم هيمنته على عدد من المدن الحضرمية، بما فيها عاصمة المحافظة المكلا في العام 2015".
غموض
وبموازاة ذلك، يلف الغموض موقف حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي حول العمليات الأمريكية في البلاد، وسط تساؤلات عن حجم التنسيق بينها وبين الإدارة في واشنطن، بشأن الضربات على مواقع مفترضة لتنظيم القاعدة، لاسيما الغارات الأخيرة التي استهدفت مواقع تنظيم الدولة وسط البلاد.
ولم يتسن لـ"
عربي21" الحصول على تعليق رسمي حول الضربات التي نفذتها القوات الأمريكية على مواقع قيل إنها تابعة لتنظيم الدولة وسط البلاد، وأسفرت عن سقوط عشرات القتلى في صفوفه.
في حين، ذكر الحساب الرسمي لوحدة "مكافحة الإرهاب" في اليمن (تتبع الحكومة الشرعية)، على "تويتر"، أن ضربات جوية أمريكية استهدفت مواقع ومعسكرات تابعة لتنظيمي القاعدة والدولة في مناطق يكلا والعبل وقيفة ببلدة ولد ربيع بمدينة البيضاء.
ووصفت العملية بـ"الدقيقة"، فيما لم تذكر الوحدة عبر حسابها الخسائر في صفوف التنظيمين جراء هذه الغارات.
غير أن اليمن سبق وأن سجل اعتراضه على العملية العسكرية التي استهدفت تنظيم القاعدة في محافظة البيضاء، في كانون الثاني/ يناير مطلع العام الجاري، في رسالة وجهها للحكومة الأمريكية.
ونقلت شبكة "CNN" عن مسؤولين موالين للرئيس هادي في حينه، قولهم إن حكومة بلادهم استنكرت في رسالة "حازمة" للإدارة الأمريكية عدم التنسيق عبر مطالبة واشنطن بعدم تنفيذ أي عمليات على الأرض دون موافقة الحكومة اليمنية ومشاركة تفاصيل العملية.
وشدد أحد المسؤولين على أن "الضوء الأخضر الذي كانت تحظى به أمريكا لتنفيذ عليمات على الأرض في اليمن أصبح أحمر اللون، نتيجة الغارة الأخيرة التي أدت إلى مقتل جندي من البحرية الأمريكية وسقوط ضحايا من النساء والأطفال".
وقال إن "حكومة اليمن لم توافق على تفاصيل العملية الأمريكية ولم يعلم كبار القادة العسكريين شيئا عن المهمة.. وفق المعلومات الاستخباراتية المتوفرة لدينا، كان تنفيذ الغارة الخيار الخاطئ وكُتب له الفشل، الجانب الوحيد الذي استفاد هو تنظيم القاعدة".
ومنذ أشهر، يشن الجيش الأمريكي ضربات جوية متواصلة على مواقع مفترضة لتنظيم القاعدة، في محافظات شبوة (جنوب شرق) وأبين (جنوبا) وفي البيضاء ومأرب.