يثور السؤال في مصر والدول العربية ... مع من نتضامن؟
المعتقلات والسجون امتلأت بالشباب والسيدات، وبسبب حالة الاستقطاب السياسي والاجتماعي، وبسبب فقدان البوصلة الأخلاقية أولا، ثم السياسية ثانيا ... نرى السؤال مطروحا وبشدة ... مع من نتضامن؟
يقول كثيرون بلسان الحال أو المقال:
شهداؤنا في الجنة ... وقتلاكم في النار !
معتقلونا أبطال ... وسجناؤكم أنذال !
معتقلونا مثلهم مثل يوسف الصديق... وسجناؤكم ينطبق عليهم قول المثل (من أعان ظالما سلّطه الله عليه) !
يا تجار الدين ... يا عبيد العسكر !
ويستمر التنابز، والتنابذ، وكفى الله المستبدين شر الثوّار !
***
لكي نعرف إجابة سؤال (مع من نتضامن؟) ... لا بد من الإجابة على سؤال (لماذا نتضامن؟)
وللسؤال إجابتان صحيحتان ... وإجابة خاطئة.
تقول الإجابة الخاطئة: نتضامن مع "الشرفاء" فقط، وبعد ذلك يفرض عليك المجيب توصيفا محددا للشرفاء خلاصته أنهم أصدقاؤنا، وأهلونا، والذين يشبهوننا جدا جدا، أما الذين يختلفون معنا فهؤلاء ليسوا من الشرفاء، بل هم مجرمون أعداء للدين أو للوطن أو للثورة، لا همّ لهم سوى الوصول للحكم أو منع الآخرين من الوصول للحكم ... الخ.
يقصي بذلك تيارات بأكملها، يخونها، وينال من قياداتها ومعتقليها، بل إن هؤلاء تجدهم يفعلون ذلك مع التيار الذي ينتمون إليه أيضا، فترى الجماعات – داخل التيار الواحد – تتلكأ في إعلان تضامنها مع كل من يختلف معها في بعض المواقف أو التحالفات أو التفاصيل الصغيرة.
والإجابة السابقة خاطئة لأنها تخالف الأخلاق التي تفرض علينا نصرة كل مظلوم، وخاطئة لأنها تخالف قواعد السياسة التي تفرض علينا أن نتحد في وجه العدو المشترك، وتوسيع دائرة الاتفاق، وتقليل أنصار النظام، وتكثير من يرغب في مواجهته.
***
أما الإجابة الصحيحة الأولى فتقول: نتضامن لأن أخلاقنا تفرض علينا أن نقف مع كل مظلوم في سجون النظام الاستبدادي (ولكل قارئ مستبده الخاص، لا فرق بين "سيسي" و"حفتر" و"بشار").
إجابة واضحة لا لبس فيها، مرجعيتها الدين والقانون والأخلاق، صاحبها لا يجعل من نفسه إلها، بل يخضع لضميره الإنساني أولا، ثم الأخلاقي.
هناك اعتراضات على هذه الإجابة، مثل سؤال: (هب أن مظلوم اليوم كان ظالما بالأمس؟)
والإجابة الأخلاقية: نتضامن معه مظلوما، ونحاسبه بالعدل والقانون ظالما فيما ينسب إليه من أفعال، فلسنا آلهة لكي نحكم على الإنسان بأي حكم دون إجراءات العدالة المكفولة لكل متهم.
ترى سؤالا آخر يثيره البعض: (ماذا لو أن هذا المظلوم قد تلوثت يده بدماء أبرياء؟)
والإجابة تظل ذاتها: (نتضامن معه مظلوما، ونحاسبه بالعدل والقانون ظالما فيما ينسب إليه من أفعال).
وفي جميع الأحوال لقد تلوثت أيادي الجميع بالدماء، والفارق في الكم لا في جوهر الخطيئة، فمن رضي أو برّر قتل شهداء ماسبيرو أو محمد محمود، ذبحه المستبد في رابعة وأخواتها، ومن يستنكر على الآخرين السكوت في مجلس الوزراء والعباسية، سكت أو رقص على الدم في مجازر الحرس والمنصة.
لكل ذلك ... لا منطق في التحجج بتلوث الأيادي بالدماء، أو بالرضى بالقمع، لأن جميع التيارات قد وقعت في هذه الخطيئة، والطريقة الوحيدة لاستثناء تيار دون تيار هي منطق عنصري بغيض يصنف الناس بعضهم أعلى من بعض!
***
وأما الإجابة الصحيحة الثانية على سؤال (مع من نتضامن؟): نتضامن مع كل ضحايا الاستبداد (حتى لو لم نتفق معهم) لأننا في وضع لا يسمح لنا برفاهية الاختلاف، فنحن أمام حالة تحتاج فيها الأمة إنقاذا عاجلا، ولا تستطيع أية مجموعة أو أي فصيل منا أن يغير الوضع الحالي للأمة دون أن يضع يده في يد المظلومين الآخرين، فالمعركة أكبر من كل فصيل لوحده، والوضع أكثر تعقيدا من أن تقوم به جماعة واحدة.
قد يكون صحيحا أن بعض هؤلاء المظلومين قد ظَلَموا بالأمس، ولكن الحقيقة أنه لا يكاد يوجد استثناء في أي تيار، الكل ظلم بالأمس، والكل مظلوم اليوم ... والسؤال لن يغير من حقيقة أن الجميع اليوم مظلوم، وأن الجميع متضررون باستمرار هذا الوضع، وللجميع مصلحة كبرى في انتهاء هذا الوضع وإسقاط هذا النظام.
***
كل من يعترض على حملات التضامن مع المختلفين عنه ساقط أخلاقيا، وفي الوقت نفسه لا يعرف حقيقة مصلحته السياسية، ويبدو أن كثيرا ممن يتحدثون في الشأن العام قد جهزوا أنفسهم لمنفى طويل، أو نسوا عشرات الآلاف من الشباب المساجين، أو لا يدركون أن دورهم سيحين قريبا ليكونوا في السجون ... وحينها قد لا يعجبهم سؤال (مع من نتضامن؟) !
عبدالرحمن يوسف
موقع إلكتروني : www.arahman.net