أثار تصريح لرئيس المجلس الأعلي للإعلام في
مصر، مكرم محمد أحمد، حول ملابس
الصحفيين حالة من الجدل؛ حيث اعتبرها البعض دليلا على مدى انشغال القائمين على المهنة بـ"صغائر الأمور"، بينما يعاني الصحفيون من أزمات، وتشهد المهنة والحريات الصحفية تراجعا، بحسب مراقبين.
وكان رئيس المجلس، أو نقيب الصحفيين بعهد حسني مبارك، قد قال في تصريحات صحفية يومي الجمعة والسبت، إنه يرفض لبس الصحفيين لبنطلون الجينز، وخاصة المقطع منه، مطالبها بلبس بدلة كاملة أثناء مهامهم الصحفية، كما دعا لعمل استفتاء حول ملابس الصحفيين، مع تطبيق العقوبة على المخالفين.
وزاد مكرم محمد أحمد من استفزاز الصحفيين؛ عندما أشار إلى أن "الدولة متمثلة في وزارة المالية والمجلس الأعلى للإعلام ونقابة الصحفيين"؛ قامت بزيادة بدل التدريب والتكنولوجيا للصحفيين، وأنه لم يعد لهم حجة كي يمتنعوا عن ارتداء الملابس الرسمية بدلا من الجينز، كما قال.
لكن على مدار الأيام العشرة الماضية، عاش الصحفيون أزمة تأخر صرف بدل التدريب والتكنولوجيا البالغ 1400 جنيه (حوالي 80 دولارا) شهريا، بحجة زيادته بواقع (300 جنيه) (17 دولارا) لكل صحفي، في ظل وعود يومية من مسؤولي
النقابة والمجلس الأعلى للإعلام بصرف البدل مع الزيادة بأثر رجعي من تموز/ يوليو الماضي، وهو ما لم يتم حتى كتابة هذه التقرير.
أزمات الصحفيين
أزمتا "بنطلون الجينز" وتأخر صرف بدل التدريب؛ تأتيان في ظل أزمات حقيقة يعيشها الصحفيون المصريون، من تراجع الحريات والحقوق داخل المؤسسات الصحفية، وتعرض الصحفيين للفصل والتنكيل وسجن واعتقال العشرات منهم لأسباب سياسية، إلى جانب تراجع مستوى المهنة بشكل عام، مع إغلاق عشرات المواقع الصحفية وتشريد المئات من الصحفيين.
وفي آذار/ مارس الماضي، أكد التقرير السنوي لمنظمة "فريدوم هوس"، المعنية بتقييم حرية الصحافة والحريات السياسية عالميا، أن مصر الثالثة عالميا في عدد الصحفيين المعتقلين، مع أكثر من 25 صحفيا خلف القضبان، لأسباب مرتبطة بعملهم الصحفي، فيما تقدر منظمات حقوقية العدد بأكثر من ذلك.
وتزايدت مؤخرا عمليات فصل الصحفيين على خلفية المواقف السياسية، مثل قضية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.
"بدلة الشتاء والصيف"
من جانبها، انتقدت الكاتبة الصحفية، إكرام يوسف، تصريحات رئيس المجلس الأعلى، وأكدت أن هناك من الصحفيين من يعيش على هذا البدل. وقالت عبر صفحتها في فيسبوك: "يمنون البدل على الصحفيين، ويقولون لا يصح أن يلبس الصحفي بنطلون جينز مقطع؛ صحفيون كثر عايشين على البدل، ومؤسساتهم تقريبا لا تمنحهم رواتب".
"سخافة واختلاق"
ويرى الشاعر والناقد المصري، شعبان يوسف، أن تصريحات مكرم محمد أحمد؛ تعد "سخافة واختلاق قضايا لشغل الرأي العام والصحفي، بعيدا عن كل القضايا الحقيقية".
وأشار يوسف في حديث لـ"عربي21" إلى أن أحمد "قد انتهت صلاحيته تماما في الدفاع عن شرف المهنة وعن الصحفيين عموما"، كما قال.
عادة لا طائل منها
وقال الكاتب الصحفي وحيد رأفت: "لم أر الأستاذ مكرم إلا مرتديا بدلته الكاملة، وأذكر أنه ذات مرة كان يوزع جوائز النقابة للتفوق الصحفى وصعد الزميل سعد القرش، وكان قميصه مفتوحا، فطالبه مكرم محمد أحمد بإغلاقه قبل أن يسلمه جائزته فى المقال الصحفي، فاستجاب سعد".
ورأى رأفت، في حديث لـ"عربي21"، أن "كلام كبير عائلة الصحفيين عن البناطيل المقطعة التى يرتديها شبابهم؛ ما هو إلا ضبط لأداء بعض الصحفيين الذين لم يألفوا الانضباط بعد"، موضحا أنها "عادة تربى عليها محمد أحمد، وستأخذ وقته وجهده فيما لا طائل من ورائه"، على حد قوله.
وطالب رأفت؛ مكرم بأن "يلتفت لحل المشاكل الحقيقية لمشردي الصحفيين"، مؤكدا أنها "كثيرة؛ فمنهم من أغلقت صحفهم وباتوا في العراء منذ سنوات ويحصلون على البدل ليس لشراء البدل والكرافاتات (ربطات العنق)، وإنما لسد احتياجات المعيشة".
ماذا عن البدل الحمراء؟
ويعتقد قطب العربي، الأمين العام المساعد السابق للمجلس الأعلى للصحافة ورئيس المرصد العربي لحرية
الإعلام، أن "حديث مكرم عن رغبته في عدم لَبْس الصحفيين بنطلونات جبنز؛ يعبر عن تفاهة عقلية وحالة فراغ يعانيها"، على حد وصفه.
وقال لـ"عربي 21": "كان المأمول لمن يجلس في مجلس مكرم أن يعرب عن رغبته، بل ويتحرك فعلا، لعدم لَبْس الصحفي بدلة بيضاء (المخصصة للحبس الاحتياطي) أو زرقاء (المخصصة للمحكومين بالسجن) أو حمراء ( المخصصة للمحكومين بالإعدام)"، مضيفا: "نحن نشهد الآن صحفيين وإعلاميين يرتدون الأنواع الثلاثة داخل محابسهم الظالمة بسبب كتاباتهم وآرائهم، ومع ذلك ابتلع مكرم محمد أحمد لسانه ولم يتحرك للإفراج عنهم، بل إنه يبرر حبسهم"، كما قال.
وأكد أن "حديث مكرم عن بنطلون الجينز بعد زيادة البدل النقدي للصحفيين بواقع 300 جنيه (حوالي 17 دولارا) شهريا؛ يكشف أيضا جهله بالمعاناة التي يعانيها الصحفيون؛ كجزء من مجتمع يعاني بشكل عام، ولم تعد مجرد زيادات طفيفة في دخله كافية؛ على مواجهة أعباء الحياة وارتفاع الأسعار".
وخلص العربي للقول: "ليعلم مكرم أن البنطلون الحينز هو لباس عادي للصحفيين في كل مكان، وأن العبرة ليست في شكل البنطلون، ولكن في عقل من يلبسه وفِي المناخ الذي يعمل فيه وما يوفره من حرية"، بحسب تعبيره.