ماذا بعد في ظل المشهد المصري الحالي وأوضاع حقوق الإنسان والديمقراطية؟ هذا هو السؤال الذي يبحث عن إجابة شافية بعد خمس مقالات سابقة تناولنا فيها حقيقة موقف الغرب من الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر تحديدا، وتحتاج الإجابة عليه إلى قراءة واقعية للمشهد الداخلي المصري وما آل إليه من تطورات خلال السنوات الماضية، وبيان منحنى القوة صعودا وهبوطا لتقدير أوليات المرحلة وتحديد الوسائل، مما يتطلب صياغة إستراتيجية جديدة واضعة في الاعتبار الأبعاد الإقليمية والدولية، ومدركة لطبيعة المرحلة ونوع المواجهة التي تتجاوز حدود الداخل لأنها مواجهة من أجل التحرر واسترداد الإرادة والانفكاك من الهيمنة والتبعية.
إن مصر وغيرها من الدول العربية لن يُتركوا لينعموا بنظام حكم ديمقراطي رشيد ومن ثم لن يتحقق فيهم عدل أو انتصار لحقوق الإنسان لأن ذلك يجعل منهم قوة إستراتيجية كبرى (جيو- سياسية) وهذا هو الخطر الأكبر على المصالح الغربية والأمريكية ومصالح الكيان الصهيوني المحتل، لذلك فمستقبل الحرية وحقوق الإنسان في مصر والمنطقة مرهون بقدرة المصريين وشعوب المنطقة على تحقيقه وفرضه على العالم فرضا، لأن الغرب وأمريكا يرون في نظم الحكم العسكرية العلمانية في بلد كمصر ضمانة لمصالحهم وأن أي محاولة للانفكاك من التبعية والهيمنة من أجل الاستقلال الحقيقي سوف يعمل الغرب على مواجهتها وإفشالها ولعل أقرب مثال واضح على ذلك هذا الانقلاب الفاشل على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومة العدالة والتنمية في الخامس عشر من تموز/يوليو 2016.
إن الذين يعتقدون أن الغرب عبر الشجب والاستنكار من الممكن أن يتخلى عن النظم التي تحقق مصالحه في المنطقة لأجل حقوق الإنسان هم بلا شك واهمون ومخدوعون ويعيشون أحلام اليقظة في عالم لا يعرف إلا المصالح ولو كانت جثة على الآخرين.
ومن ناحية أخرى فإن على النظام الحاكم في مصر ألا يغتر بغض الطرف الغربي ويهون من الأمر ويكتفي بدور المستمع للشجب والاستنكار فيغريه ذلك بمزيد من الانتهاكات التي قد لا يصبر الداعمون على تحمل تبعاتها.
غير أن الأهم هو أن يدرك النظام في مصر أن الاستمرار على نفس النهج لن يحقق سوي المزيد من الإخفاق والتردي على كافة الأصعدة وأن الحالة التي عليها النظام الآن والاستمرار في طريق الانتهاك لحقوق الإنسان وتسميم العلاقة بين السلطة والشعب هي الحالة المثالية التي تسعى القوي الدولية لتخليقها والعمل على ديمومتها في بلد محوري كمصر حتى تظل في حالة فشل وخاضعة للضغوط والإملاءات، وواقع مصر السياسي، والاقتصادي خير مثال على حالة التردي التي تعيشها مصر الآن، كما أنه من الصعوبة بمكان بل من الاستحالة أن يضمن الاستمرار بهذا الشكل استمرارية للنظام لأن ذلك يخالف نواميس الكون وطبائع الأشياء.
فائدة وتوصية
إن المرحلة التي تعيشها مصر والأمة، في ظل موقف النظام العالمي الذي تقوده أميركا وحلفاؤها تحتاج من جميع الفاعلين التركيز على الاعتماد المطلق على النفس بعد الله وبعث الروح في الأمة من جديد، وطرق كافة الأبواب الأخرى الداعمة حتى بما فيها باب الملف الحقوقي عبر المنظمات والهيئات الدولية، والتي إن أكدت التجارب وحقائق التاريخ أنها أدوات بيد من يقود النظام الدولي إلا أن ذلك لا يمنع مطلقا من ولوج الطريق لخلق وعي دولي على مستوى الشعوب قد يكون له أثر في الجانب المعنوي وربما يتخطاه لشيء ملموس على الأرض.
كذلك لابد من العمل على وضع تصور لبناء جسور تواصل مع الكيانات المحلية والدولية والإقليمية المناهضة للتبعية والهيمنة وخلق علاقات مع القوى الشعبية والنخب الفاعلة إقليميا ودوليا والرافضة للتبعية والهيمنة الغربية الأميركية، ولاسيما في الدول التي خاضت تجارب مشابهة للحالة المصرية ولا تعادى الفكرة الإسلامية وذلك عبر صياغة وتقديم مشروع حضاري مغاير وموازى للمشروع الأميركي الأوروبي.
إن على الجميع أن يدركوا أن هناك حاجة ملحة لأعداد مشروع وطني متكامل ورؤية للتعامل تشمل كافة مؤسسات الدولة السيادية وغير السيادية وكافة الأطياف السياسية والمكونات الفاعلة في مصر للخروج من هذا المأزق التاريخي بما يستوجب العمل على فتح خطوط تواصل بين كافة الشرفاء والمخلصين لهذا الوطن.
لابد أن يعي الجميع بأن المنطقة تمر بمرحلة تحول تاريخي وأن الصراع صراع من أجل التحرر والاستقلال ومن أجل تحقيق دولة العدل والحرية وإن مصر بلد مستهدف حتى النخاع.
إن سنن الله في الكون ماضية فالله سبحانه وتعالى توعد الظالمين فقال تعالى (ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون) وأن مآل الظالمين لن يخرج عن مآل الأمم السابقة (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).
كذلك لابد من العمل على تحقيق أسباب النصر كما في قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) فالمرحلة تحتاج إلى إدارة المشترك وإدارة التعدد وإدارة الاختلاف.
خاتمة
إن الغرب وأميركا لم يكن موقفهم أكثر وضوحا من قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر وفي العالم الإسلامي كما هو واضح الآن؛ فالغرب بزعامة الولايات المتحدة الأميركية ومعها الصهيونية العالمية لن ينتصروا لحقوق الإنسان والديمقراطية في منطقتنا، وإن هيئات النظام العالمي ومنظماته ومحاكمه الجنائية بحكم الواقع والشواهد عندما يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين تصبح حقوق الإنسان والديمقراطية مجرد دعاوى وأدوات ضغط وشعارات.
إن من الصعوبة بمكان أن يكون الغرب وأميركا قادة الاستعمار الحديث عونا أو حكما عادلا ، و وسيطا نزيها بين طالبي العدالة والحرية وبين أنظمة الظلم والاستبداد، ذلك أن الغرب وأميركا هم صناع الهيمنة والتبعية وما تلك النظم التي تقف بين حرية الشعوب، وتنتهك ثوابتها إلا صناعة أياديهم، لذلك فإن من العبث انتظار النصرة من الغرب وأميركا لحقوق الإنسان والديمقراطية ما لم يتقاطع ذلك مع مصالحهم الإستراتيجية.
إن حقيقة مهمة يغفل عنها كثيرون عن قصد أو بغير قصد وهى أن الغرب وأميركا يعتبرون الإسلام منافسهم الرئيسي في أنحاء المعمورة ومن ثم فإن أي انتهاك للحريات وحقوق الإنسان في بلاد المسلمين فإن الغيرة على حقوق الإنسان والأخلاق والقانون تتوارى وتكون الجرأة عليها أشد ويصبح غض الطرف والتمرير سيد الموقف، وهذا في حد ذاته يعد ارتدادًا على ما أنجزته البشرية في مجالات التشريع والاتفاقات الدولية والأعراف المرعية بما يفتح الباب لفوضى عالمية ويحول العالم إلى غابة لا تحتكم إلا لمعايير القوة الباطشة.