حذر وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو من "وجود مكائد تحاك تجاه فلسطين"، وذكر أن بعض دول المنطقة تسعى إلى "تنصيب دمى تابعة لها على رأس السلطة الفلسطينية"، مؤكدا أن "تركيا ترى تلك التهديدات كافية، وأن السلطة الفلسطينية أيضا مدركة للمخاطر المحدقة بها".
تصريحات تشاووش أوغلو هذه جاءت الثلاثاء خلال زيارته لمقر وكالة الأناضول للأنباء في العاصمة التركية أنقرة، كما تزامنت مع وجود الحكومة الفلسطينية برئاسة رامي الحمد الله في القطاع، وزيارة وزير المخابرات المصرية خالد فوزي لغزة، لمتابعة تسليم الوزارات والأجهزة الحكومية في غزة إلى حكومة الحمد الله.
أنقرة رحبت بإعلان حماس حل اللجنة الإدارية في غزة، كما رحبت ببدء حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية عملها في قطاع غزة. ووصف تشاووش أوغلو هذه الخطوة بــ"التاريخية" و"الإيجابية للغاية"، مشيرا إلى "وجود مساهمات كبيرة لتركيا في وصول الأمر لهذه المرحلة، فيما يتعلق بإنهاء الانقسام الفلسطيني".
تركيا استضافت رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قبل حوالي شهر، واعتبرت وسائل إعلام مقربة من أبو ظبي هذه الزيارة آنذاك "محاولة تركية لإفشال التقارب بين حماس ومحمد دحلان". وبالتالي، يمكن القول بأن المقصود في تصريحات وزير الخارجية التركي هو الخطة الإماراتية المصرية التي تهدف إلى إسقاط عباس وتنصيب دحلان زعيما للفلسطينيين.
يتضح من زيارة عباس لأنقرة، وترحيب تركيا بحل اللجنة الإدارية في غزة، وعودة حكومة الحمد الله بممارسة عملها في القطاع، بالإضافة إلى تصريحات تشاووش أوغلو، أن تركيا تدعم المصالحة بين عباس وحماس، وإن بدت برعاية مصرية، لتخفيف معاناة سكان قطاع غزة المحاصر، وإفشال الخطة البديلة التي حذر منها وزير الخارجية التركي، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: "هل ستؤدي هذه الجهود في نهاية المطاف إلى المصالحة المنشودة؟".
التطورات التي شهدتها الساحة الفلسطينية حتى اللحظة تبدو كاستسلام حركة حماس للواقع المر الذي أصبح لا يطاق، والتخلي عن إدارة القطاع لصالح حكومة الحمد الله، أو على الأقل هكذا يرى رئيس السلطة الفلسطينية. وفي تعليقه على ما يجري، عزا عباس إقبال حماس على المصالحة إلى عدم قدرتها على دفع ما خصمته السلطة من الميزانية المخصصة لقطاع غزة.
المتابع للشأن الفلسطيني يلاحظ أن قادة حماس متفائلون للغاية بنجاج الجهود المبذولة لإتمام المصالحة، وإنهاء حالة الانقسام، وتحقيق الوحدة الوطنية، إلا أن المؤشرات تشير إلى أنهم قد يصابون بخيبة أمل كبيرة. ولعل المؤشر الأول تأجيل الحكومة الفلسطينية رفع الإجراءات العقابية التي فرضها عباس ضد قطاع غزة، إلى ما بعد اللقاء المرتقب بين حماس وفتح في القاهرة الأسبوع المقبل، علما بأن هذا التأجيل جاء بعد التصريحات التي أدلى بها رئيس السلطة الفلسطينية، مساء الاثنين، في لقاء تلفزيوني مع الإعلامية المصرية لميس الحديدي، وأبدى فيها عدم استعجاله في إلغاء تلك الإجراءات، مشترطا تمكين حكومة الحمد الله بشكل فعلي على أرض الواقع في القطاع.
المماطلة في رفع الإجراءات العقابية التي أدت إلى تشديد الحصار، على الرغم من تنازلات حماس، تثير علامات الاستفهام حول جدوى الخطوات التي قدمتها الحركة من أجل تخفيف معاناة سكان القطاع المحاصر، لأن الجميع كان يتوقع أن تعلن حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية بعد أول اجتماعها بغزة إلغاء تلك الإجراءات، كما أن "تمكين الحكومة بشكل فعلي على أرض الواقع" معيار فضفاض يمكن استغلاله لابتزاز حماس.
ولعل الأخطر في تصريحات عباس ما قاله حول سلاح المقاومة، حين أكد أنه يريد لغزة أن تكون في واقعها كالضفة المحتلة من حيث وجود سلاح واحد فقط، وهو سلاح السلطة الفلسطينية، وقال: "أنا هنا إذا وجدت أحدا من فتح يحمل السلاح أعتقله". وتثير هذه التصريحات أسئلة عديدة حول مستقبل سلاح المقاومة والأزمات التي يمكن انفجارها في القطاع.
واقع الضفة الذي يريد عباس استنساخه في غزة تشتكي منه حركة حماس، لأن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في ذاك الواقع تستهدف قادة الحركة وكوادرها، في إطار التنسيق الأمني مع إسرائيل. وإن بدأت ذات الأجهزة استهداف قادة حماس في غزة أيضا، بعد تمكين الحكومة على أرض الواقع، فهل ستسكت كتائب عز الدين القسام على هذا أم أن الانقسام الفلسطيني سيعود إلى المربع الأول، ليشهد القطاع - لا سمح الله - اقتتالا داخليا وحسما آخر على غرار الحسم العسكري الذي انتهى بطرد دحلان ورجاله من قطاع غزة في 2007؟