نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني تقريرا حول تطور العلاقات البحرينية الإسرائيلية، مشيرا إلى أن المنامة بذلت جهودا حثيثة في اتجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل، رغم التوترات التي تسود المنطقة والمعارضة الشعبية الشديدة لهذه الخطوة.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "
عربي21"، إن المنامة استقبلت وفدا إسرائيليا خلال الفترة الماضية، في ظل وجود مخططات لتخفيف القيود على زيارة المواطنين البحرينيين لإسرائيل. وهناك تقارير تفيد بإنشاء لجنة مشتركة بين البلدين للإشراف على مشروع متحف للتسامح الديني، وصدور تصريح مثير لملك البحرين يندد فيه بحصار العرب لإسرائيل.
وأضاف الموقع أنه بعد عقود طويلة من المعارضة الشديدة للكيان الصهيوني والدعم العلني للقضية الفلسطينية، يبدو أن دولة البحرين على وشك أن تصبح أول بلد خليجي يطبع العلاقات مع إسرائيل.
كذلك، يرجح مصدر دبلوماسي أن الإعلان الرسمي حول هذه الخطوة سيتم العام المقبل. ويكمن السبب الرئيسي لهذا التحول في الضفة الأخرى لمنطقة الخليج العربي، أي طهران التي تنظر إليها النخبة السنية الحاكمة في المنامة على أنها تشكل تهديدا لها إلى جانب حزب الله.
ونوه الموقع بأن تطبيع العلاقات مع إسرائيل يهدد بحدوث مزيد من الانقسامات وتولد التوتر في البلاد، التي تعاني أصلا من الانقسام بين حكام البلاد والأغلبية الشيعية من الشعب. في المقابل، هناك دول خليجية أخرى تتواصل مع إسرائيل بشكل سري؛ من أجل تجنب السخط الشعبي والانتقادات، إلا أن البحرين تقوم بذلك بشكل علني في الفترة الأخيرة. واستخدمت الحكومة الانقسام المجتمعي الحاصل كذريعة لهذه الخطوات، بتعلة أنها تريد حماية الأمن القومي من التدخلات والاعتداءات الإيرانية.
ونقل الموقع عن مصدر دبلوماسي مطلع في الحكومة البحرينية، تصريحا أفاد فيه بأن "هناك اتصالات على أعلى مستوى بين المسؤولين في البلدين، تركز على تبادل الزيارات بين رجال الأعمال والشخصيات المؤثرة في المجتمع والدين. وسيتبع هذه التطورات إعلان رسمي عن اتفاقيات تجارية بين البلدين".
وأضاف الموقع أن هذه الخطوات البحرينية تمثل جزءا من الواقع الجديد الذي فرض نفسه في الشرق الأوسط، إلى جانب تغييرات أخرى شهدتها المنطقة، مثل تراجع العديد من الأنظمة عن التمسك بضرورة رحيل بشار الأسد. وفي هذا الإطار، أكد مصدر دبلوماسي أن "إسرائيل لا تشكل تهديدا لأمننا أو تتآمر علينا، بل إن إيران هي التي تقوم بذلك". وأضاف المصدر نفسه: "لقد كان الرئيس الفرنسي محقا عندما ذكر أن بشار الأسد ليس عدوا لفرنسا، والإطاحة ليست من ضمن أولوياتها، ونحن نعمل بالمبدأ ذاته مع إسرائيل؛ لأننا نضع مصالح بلدنا أولا".
وأشار الموقع إلى أن هذه التصريحات منبثقة عن دولة لا تزال تعتبر القدس مدينة محتلة، ولسنوات كان الأئمة في مساجدها يدعون لتدمير إسرائيل، بتشجيع مباشر من الحكومة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن شرارة هذه التطورات أطلقتها تغريدة على موقع تويتر نشرت في شهر أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، أطلقت العنان لسباق ضد الزمن؛ من أجل تحسين العلاقات.
وأوضح الموقع أن العديد من البحرينيين أصيبوا بالصدمة عندما علموا أن وزير الخارجية، الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، كتب هذه التغريدة باللغة الإنجليزية، مقدما فيها تعازيه لإسرائيل بعد وفاة رئيسها السابق شمعون بيريز.
والجدير بالذكر أن دول الخليج لا تربطها أي علاقات رسمية أو اتصالات مع إسرائيل، ولم يسبق أن علقت على أحداث تخصها أو عبرت عن تعاطفها مع أي من الشخصيات السياسية. ولكن، بعد شهرين من هذه التغريدة، تم نشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر فيه بحريني يرتدي اللباس الوطني، يرقص إلى جانب حاخام على وقع أغنية بعنوان "شعب إسرائيل أحياء"، أثناء احتفالهم بعيد الحانوكا في المنامة.
من جهتها، ذكرت حينها السلطات أن هذا الحدث هو مناسبة خاصة مرتبطة بزيارة محدودة، قام بها رجال أعمال أمريكيون يهود، من أجل دعم الاستثمار المحلي. وفي 11 أيار/ مايو من هذا العام، شهدت المنامة أول زيارة لمسؤول إسرائيلي خلال الاجتماع رقم 67 للجمعية العامة للاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا.
وذكر الموقع أن رئيس الاتحاد البحريني لكرة القدم، الشيخ علي بن خليفة آل خليفة، قال لصحيفة البلاد المحلية: "أنا متأكد من أن استضافة اجتماع الفيفا يعني بالنسبة لنا أكثر من مجرد السماح لثلاثة أعضاء إسرائيليين بدخول البلاد. نحن ننظر دوما للصورة الكبرى".
وأورد الموقع أنه خلال الأسبوع الماضي، قدّم الأمير البحريني ناصر نيابة عن والده، الملك حمد، "الإعلان البحريني عن التسامح الديني" في متحف التسامح في لوس أنجلوس، وهو متحف وصفته لوس أنجلوس تايمز بأنه مؤسسة تابعة بالكامل لإسرائيل.
وأشار الموقع إلى أن الصحف الإسرائيلية بالتوازي مع هذا الحدث، ذكرت أن ملك البحرين ندد بالحصار العربي لإسرائيل، في حديث له مع الحاخام أبراهام كوبر، مدير برنامج العمل الاجتماعي العالمي في مركز سيمون ويشنتال.
في الحقيقة، إن هذا الانفتاح لا يحظى بأي شعبية في صفوف الشارع البحريني، خاصة التعازي التي تم تقديمها لإسرائيل على إثر وفاة شمعون بيريز. فضلا عن ذلك، ضجت حسابات التويتر في البحرين بالغضب والاستياء من موقف وزير الخارجية، معتبرة أنه لا يمثل فقط تغاضيا عن الاحتلال الإسرائيلي لأراضي الفلسطينيين، بل تناسيا أيضا لجرائم الحرب التي ارتكبها بيريز في لبنان وفلسطين.
ونقل الموقع عن خليل بهازة قوله: "كيف يمكن لبيريز أن يرقد بسلام بينما ستلاحقه دموع الأمهات اللاتي قتل أبناءهن؟ كيف يمكن أن ترقد روحه بسلام ودماء الشهداء الفلسطينيين واللبنانيين تطلب القصاص؟" وأضاف خليل بهازة: "أنت تقدم تعازيك لشخص ارتكب مجزرة قانا إبان حرب لبنان، أنت تقدم تعازيك لشخص شارك في تهجير السكان العرب من أرض أجدادهم، أنت تقدم التعازي لشخص قاد عملية الاحتلال".
وأكد الموقع أن وسائل التواصل الاجتماعي في البحرين شهدت أيضا غضبا كبيرا من زيارة الأعضاء الإسرائيليين في الفيفا، وانتشر وسم "البحرين ترفض التطبيع". وقد انضمت 12 منظمة من المجتمع المدني إلى القوى التي شكلت جمعية لمناهضة التطبيع. وفي هذا الصدد، قال رئيس هذه الجمعية، جمال الحسن، إن "مصالح وأهداف الحكومة البحرينية التي تسعى لتحقيقها لا تساوي شيئا أمام الدماء الفلسطينية".
كما غرد محمد خالد، العضو السابق في البرلمان البحريني والمنتمي للإخوان المسلمين، قائلا: "صدقوا أو لا تصدقوا، البرلمان فشل في إصدار بيان يدين الوجود الإسرائيلي على الأراضي البحرينية".
وأضاف الموقع أن المعارضة الشعبية لتطبيع العلاقات لا تقتصر فقط على فئة واحدة من المجتمع البحريني؛ إذ إن الشاب رسول أيضا، المنتمي للطائفة الشيعية، كتب على تويتر تغريدة، قال فيها: "من العار على بلدي أن يرفرف على أرضها علم الكيان الصهيوني".
كما نقل الموقع موقف الإمام السلفي إبراهيم الهادي، الذي كتب: "لم أتصور يوما أن علمهم سوف يرتفع في بلدي، لماذا يا بحرين يحدث هذا؟". أما الناشط السياسي المعارض، علي الفايز، فقد اعتبر أن القضية الفلسطينية لطالما وحدت البحرينيين، لذلك فإن الحكومة بموقفها هذا لا تمثل الإرادة والتوجهات السياسية الشعبية.
وأشار الموقع إلى أن جماعة الإخوان المسلمين في البحرين نددت بهذه الخطوة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وأعلن الأمين العام للجمعية وعضو اللجنة التنفيذية في رابطة القدس، ناصر الفضالة، أن "الحكومة البحرينية خرقت الدستور، الذي ينص بكل وضوح على الالتزام بالقضايا العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية". كما بين الفضالة أنه "في كل مرة يقومون بخطوات أكثر نحو التطبيع، يزيد الرفض والغضب الشعبي. لا يحق لهم خرق الاتفاقات المبرمة بيننا".
وذكر الموقع أن الحكومة البحرينية، رغم كل هذا الرفض الشعبي من مختلف الأطياف والشرائح، تصر على المواصلة في هذا الخيار. وحيال هذا الشأن، أفاد دبلوماسي غربي متواجد في المنامة بأن السلطات البحرينية ستعلن عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل في غضون سنة. كما قال هذا الدبلوماسي: "لا أعتقد أننا سنشهد افتتاح سفارة إسرائيلية هنا، ولكن ربما ستكون هناك زيارات رسمية بين وزراء الاقتصاد والتجارة".
كما أضاف المصدر نفسه: "لا أقول إن هذا سيحدث خلال العام الجاري، ربما العام المقبل سيخبرون الشعب أن هذا مهم من أجل الوقوف في وجه إيران، ومع الوقت سيقبل الناس بهذا الواقع".
وفي الختام، أورد الموقع أنه في الأثناء تواصل السلطات مساعيها لتعويد عقول البحرينيين على هذا التطبيع. وذكر إمام من منطقة الرفاع في غرب البحرين، أثناء اتصال مع ميدل إيست آي، أن الحكومة أصدرت مؤخرا تعليمات للمساجد لوقف أي خطب معادية لإسرائيل. ولكن السؤال الذي يطرح الآن هو: هل سيحترم أئمة المساجد المعارضون لهذه السياسة تعليمات حكومتهم؟
الموقع: ميدل إيست آي
الرابط:
https://www.middleeasteye.net/news/analysis-bahrain-and-israel-match-made-manama-482678491