في مسرحية مدرسة المشاغبين الشهيرة يقول الممثل سعيد صالح لمعلمه الملواني "كل ما تتزنق اقلع"، ويبدو أن هناك من "مشخصاتية" السياسة من أقنع نظام السيسي أنه كلما مر بمأزق عليه أن يعلن قائمة جديدة للإرهاب، فما أسهل وضع هذه القوائم، وما أسهل تسويقها لدى قطاعات من الدهماء باعتبارها حربا للإرهاب وانتصارا عليه!!!
في الخامس والعشرين من ديسمبر 2013 (أي بعد 5 شهور من الانقلاب) وقف القيادي الناصري الدكتور حسام عيسى مفاخرا بإعلان جماعة الإخوان جماعة إرهابية تنفيذا لقرار مجلس حازم الببلاوي الليبرالي، وذلك على خلفية تفجير مقر مديرية أمن الدقهلية الذي أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس مسؤوليتها عنه، ومنذ ذلك الحين صعّدت السلطات العسكرية والأمنية معركتها ضد الإخوان، وبدأت تلفيق القضايا للآلاف منهم، وسبق ذلك إصدار قرارات بالتحفظ على أموال بعض القيادات في الشهر الأول للإنقلاب، ثم تطورت المعركة إلى المزيد من قرارات التحفظ على الأموال، ومصادرة المملتكات والشركات والجمعيات والمدارس الخ، ثم إعلان قوائم ما يسمى الكيانات الإرهابية بعد سلسلة من التعديلات القانونية السريعة وغير الدستورية.
حتى الآن صدرت العديد من القوائم، كان آخرها تلك التي نشرتها الجريدة الرسمية يوم 30 أغسطس وضمت 296 شخصا، وكان على رأس هذه القائمة فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي وابنته الدكتورة علا إلى جانب قيادات الإخوان الكبرى (إبراهيم منير ومحمود حسين ومحمد المرسي ..الخ)، وكان أكبرها تلك التي ضمت 1536 شخصا وصدرت في 18 يناير الماضي وكان على رأسها النجم الرياضي محمد أبو تريكة وضمت العديد من الشخصيات البارزة سواء من الإخوان أو غير الإخوان مثل رئيس حزب الوسط أبو العلا ماضي وعضو الهيئة العليا لحزب مصر القوية محمد القصاص، ومؤسس التيار المصري إسلام لطفي، ورجل الأعمال صفوان ثابت، ناهيك عن قوائم أخرى صدرت عقب بعض القضايا مثل قضية غرفة عمليات رابعة ..الخ.
في كل تلك القوائم كان واضحا استهداف كل الرموز السياسية والدعوية والإقتصادية والإعلامية، بهدف بث الخوف في نفوس الجميع من المصير ذاته الذي يينتظرهم، يكفي أن نعرف أن تلك القوائم ضمت حوالي 45 إعلاميا، والرسالة هنا واضحة لعموم الجماعة الإعلامية أن عليها أن تأخذ العبرة من هؤلاء الذين تعرضوا للقتل من قبل في رابعة، ثم للحبس والتعذيب في السجون، ثم بالتحفظ على أموالهم، وأخيرا بوضعهم على قوائم الإرهاب، وهذا التخويف هو جزء من حملة قمع كبرى ضد كل مظاهر الحريات العامة وخاصة حرية الرأي والتعبير، كما أن هذه الحملة مثلت "حالة مكارثية" نسبة إلى السيناتور جون مكارثي الذي قاد حملة التحريض ضد الشيوعيين في الولايات المتحدة منذ مطلع الخمسينات في إطار الحرب على الشيوعية وقتها ضمن الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، وهي الحملة التي وضع بموجبها أيضا قوائم لهؤلاء الشيوعيين بموجبها تم فصلهم من أعمالهم، وملاحقتهم، وحبسهم الخ، وقد استنسخ نظام السيسي هذه الحالة المكارثية منذ اليوم الأول لإنقلابه في 3 يوليو 2013، ونجح في حشد العديد من القوى والفئات الفنية والإعلامية وحتى الشعبية خلفه في تلك المعركة، ولكن مع تصاعد فشل النظام في تحقيق أي من وعوده، ومع تصاعد الأزمات التي صنعتها سياساته تفلت الكثير من المؤيدين، وأصبحوا معارضين له، وهو ما دعاه لمحاولة إحياء تلك "المكارثية" مجددا لعله يستطيع استرداد أولئك الذين تفلتوا، ولعله يستطيع الدخول إلى انتخابات 2018 مدعوما من أولئك الأنصار، لكن الواقع يؤكد أن النظام أصبح عاريا من أي غطاء شعبي الآن، وأن أحدا لم يعد ينطلي عليه تلك الحيل والحملات، فاكتفى النظام بممارسة هذا التحريض والعزل السياسي بقرارات سلطوية وأمنية حتى وإن لم يصحبها أي دعم شعبي، فهو يريد تنقية الأجواء تماما أمام عملية التزوير الكبرى التي يستعد لها في 2018 دون ضجيج كبير من خصومه الذين يريد إلهائهم بالدفاع عن أنفسهم.
يخطئ النظام في هذا الوهم مجددا، فالذين لم ترهبهم عمليات القتل والتعذيب في السجون لن ترهبهم أيضا قوائم إرهابية، ولهم في ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر قدوة حين قتل الحجاج ابنها عبدالله بن الزبير، ثم جاءها مفاخرا بأنه صلبه أيضا بعد قتله متوهما أنها ستستجدي منه تكفينه ودفنه، فقالت قولتها الشهيرة وهل يضير الشاه سلخها بعد ذبحها؟!.
ومع فشل النظام في تسويق هذه القوائم لدى النخب والطبقات الوسطى والتي اعتمد عليها من قبل، خاصة أن تلك القائم بدأت تطال بعضهم، فقد عمد إلى محاولة تفعيلها دوليا لحصار من ضمتهم من الأسماء المعارضة، وأصدرت في 9 يونيو بيانا مشتركا مع السعودية والإمارات والبحرين عن إدراج 59 فردا و12 كيانا في قوائم الإرهاب، وضمت القائمة أسماء 26 مصريًا، ولكن الدول الأربع تعرضت لصدمة رفض الأمم المتحدة الإعتراف بهذه القائمة، حيث صرح المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، "استيفان دوغريك"، للصحفيين يوم 16 يونيو، إن "أي قوائم غير تلك الصادرة عن إحدى وكالات الأمم المتحدة هي قوائم غير ملزمة لنا".
لكن ذلك لم يثن النظام المصري وحلفائه الخليجيين عن مواصلة ملاحقته للمعارضين السياسيين عبر مساعٍ ثنائية مع بعض الدول التي تقاسمها المخاوف، أو تلك التي يمكن رشوتها بأموال سعودية وإماراتية وحتى بعقود مصرية سخية، ولكنها تعرضت لانتكاستين جديدتين في معركتي الإعلاميين أحمد منصور وعبد الرحمن عز اللذين احتجزتهما سلطات الأمن الألمانية بهدف تسليمهما لمصر، وقد انتهى الإحتجاز بالسماح لكليهما بالسفر إلى حيث يريد في هزيمة جديدة لمساعي حكومة السيسي.
هذه الانتصارات الجزئية لا ينبغي أن تلهينا عن الدور المركزي المطلوب من مناهضي الإنقلاب، فإذا كانت تحركاتهم قد نجحت في استنقاذ منصور وعز فقد لا تنجح في حالات جديدة في دول أخرى عقدت تفاهمات علنية أو سرية مع النظام المصري، أو حلفائه الخليجيين، (سلمت الكويت 2 من المصريين وسلمت السعودية بعض الليبيين لحفتر) وبالتالي فإن الأمر يستوجب عملا منظما على مستوى التواصل الدولي سواء مع منظمات الأمم المتحدة أومنظمات المجتمع المدني الدولية المعنية بحقوق السفر والتنقل والهجرة، ومع البرلمانات الدولية المختلفة لحثها على تعطيل أي تشريعات تسمح بتسليم المعارضين السياسيين المصريين، وملاحقة الحكومات التي تخالف القواعد الدولية الضامنة لحرية التنقل، والحامية لهؤلاء المعارضين، وهذا التصدي ينبغي أن يشمل تحركات سياسية وحقوقية وقانونية وإعلامية، يشارك فيها الجميع كل حسب طاقته.