لا يوجد حاكم ليس له بديل سوى في أوهام الدول التي يحكمها شخص واحد.
عادة، تنشأ أوهام غياب البديل على تقديس الحاكم الأوحد الذي يملك كل شيء في يده، فهو الضمان لاستمرار الدولة والأمن والأمان لها، ولا سبيل سوى أن يحكم إلى الأبد.
لكن هذه الأوهام لا تقول لنا.. ماذا سيكون الوضع لو تدخلت عوامل غير بشرية فغاب القائد والزعيم. لا خلاف على أن الأعمار بيد الله، وكل نفس ذائقة الموت، لا فرق في ذلك بين مواطن عادي وقائد فذ مسيطر مكوش، عظيم القدر والمكانة.
غاب عبدالناصر فجأة مساء 28 سبتمبر 1970، فظن الشعب المصري كله أنه انتهى وتيتم، وستنهشه الذئاب، وستتوقف حياته. لكنها أوهام ماتت تباعا في ظل بديل جديد بفلسفة حكم مختلفة وتفكير أكثر مرونة.
ولم يمض وقت حتى تكلم الصامتون بعيوب عبدالناصر وانحرافات أجهزته وفساد نظامه. استيقظ الناس على أكذوبة الحاكم الأوحد الذي تتوقف الدنيا بتوقف قلبه عن الحياة.
مبارك قامت دعايته طوال 30 عاما على أنه بلا بديل، وحتى ساعة تنحيه كان يزعم أن الشعب ليس أمامه إلا أحد خيارين.. هو أو الفوضى.
البدائل دائما متوفرة وقد تكون أفضل بكثير، لكن الدعاية المضللة والتطبيل لحكم الفرد تحجب الشمس عنهم فلا يظهرون. الطريقة الوحيدة لاكتشاف البدائل هي الديمقراطية وصناديق الانتخابات وإطلاق الحريات.
استغرب أن الدعاية الحالية تروج أيضا بأنه لا بديل للرئيس عبدالفتاح السيسي، وعلينا الانتظار في ظل الظروف الحالية غير المستقرة، مع أنه في عام 2011 كانت الظروف أسوأ بكثير، ولم يكن السيسي معروفا، بل إن الناس سمعت عنه لأول مرة عند إعلان اسمه وزيرا للدفاع.
ليس هناك مدرسة لمنصب رئيس الجمهورية يتخرج فيها من يترشح له سوى مدرسة الممارسة السياسية بواسطة الأحزاب أولا والمجالس المنتخبة، وفي مقدمتها البرلمان، والإعلام الحر المتحرر من كل قيود السلطة.
خنق المناخ السياسي واختيار الحكومة كلها من التكنوقراط من رئيسها إلى أقل وزاراتها أهمية، هو بمثابة خنق لأي تفكير في التغيير وتداول الحكم. في النظم الديمقراطية رئيس الحكومة السياسي هو مشروع بديل، والوزير السياسي مشروع بديل، وكذلك رؤساء الأحزاب، وحتى رئيس البرلمان.
في مصر الراهنة، لا شيء من ذلك. نسينا أن هناك أحزابا. شخصيا لا أتذكر منها حزبا واحدا، فقد تماهت خلف "الاتحاد الاشتراكي العربي".. أقصد "ائتلاف دعم مصر".