يكشف الحادث الأخير الذي اصطدم فيه قطاران، ووقع فيه الضحايا والجرحى، عن مسألة خطيرة، قل من يفطن إليها، ذلك أن على رأس جهاز السكك الحديدية عُين منذ فترة لواء من الجيش، وكانت الرسالة آنذاك تعبر عن أن هؤلاء المدنيين الذين يقودون جهاز السكك الحديدية ليسوا على قدر من الجدية الواجبة، وخرجت المطالبات آنذاك بإسناد هذا الجهاز لأحد لواءات العسكر، وقد كان تعيين هذا اللواء وكأنه المنقذ وكأن هذا الجهاز سيكون في أفضل حالته مع إدارته، وأن عملية التسيير ستكون على أفضل ما يرام ، لم لا وقد أسندت مهمة القيادة لأحد لواءات الجيش.
صار من الطقوس حينما يكون هناك حدث مجتمعي يؤشر على فشل هنا أو هناك أن ينادي الناس من فورهم لابد وأن يتولى العسكر، إنه فريق المتعسكرة ينادي على العسكر من أقرب طريق وبعد أن سيطر العسكر سياسيا فآن الأوان أن يسيطروا إداريا ومجتمعيا، هكذا يجتهد هؤلاء من حملة المباخر في كل مرة وخطابهم الصاعد الزاعق يصيح بقوة فلنذهب إلى المنقذ، فلنذهب إلى العسكر حتى لو تحول كل شيء إلى معسكر.
لم يكتف كل هؤلاء بمد سلطان العسكر إلى كل مساحات السياسة والاقتصاد والمشاريع المختلفة التي تقدم هؤلاء بدعوى مساهمتهم في تنمية البلاد، فسيطروا على كل شيء من صناعات ومن طرق ومن استيراد حتى وصل الأمر إلى لبن الأطفال، عبر كل ذلك عن أحوال خطيرة وممارسات عجيبة وغريبة، العسكر في كل مكان، العسكر يهيمنون على كل مساحات الاقتصاد والسياسة والدواء والغذاء وغير ذلك من أمور، العسكر يقومون بكل ما من شأنه السيطرة والهيمنة، يقضمون المجتمع قطعة قطعة والإدارات إدارة إدارة، والصناعات يتغولون عليها والطرق يشرفون عليها ويجبون منها ..
العسكر في كل مكان، تبدو هذه المسألة التي تتعلق بالعسكرة صارت سياسة واستراتيجية، وأن القيام على ذلك افتعل مناسبات هنا وهناك حتى ينادي هؤلاء المتعسكرة على العسكر يطلبون منهم الغوث والإنقاذ، حتى حينما تسربت امتحانات الثانوية العامة قال البعض فليتولى العسكر شأن الامتحانات وشأن التعليم وشأن كل شيء يتعلق بخدمات المواطن.
في هذه المرة لم نفقد ذات المنطق المتعسكر وحينما طالبوا بالتغيير فوجئوا وربما لم يتبينوا أن من يقع على رأس الجهاز هو لواء، ولكنهم في هذه المرة لم يتحدثوا عن فشله ولكنهم أحالوا الفشل إلى من دونه ونٌصبت المساءلة وانطلقت الاتهامات وكالعادة استقر الأمر على أضعف الحلقات، وبدلا من أن يتحدث الناس عن فشل هذا العسكري حينما أدار الجهاز نسب هؤلاء الخطأ إلى من كانوا دونه، بل وطالبوا على أن يقوم بالإشراف على جهاز السكك الحديدية عسكر في عسكر من ساسه إلى رأسه، هكذا يتفوق النفاق العسكري فيذهب كل مذهب للتأكيد على أن العسكر معصومون لا يخطئون، وحينما ازدادت الانتقادات ولكنهم من طرف خفي أسروا لا يصلح الجهاز إلا عسكر ، مفارقات ونفاق وخطاب يمالئ العسكر لا يجرؤ على انتقادهم لا من قريب ولا من بعيد.
وعليك هنا أن تتذكر ماذا قال كبير انقلابهم حينما وقف وزير النقل يتحدث عن الحل بالعقل، كان اقتراحه ومشروعه أنه لا يجب علينا أن لا نترك الأمور للأخطاء البشرية وأن كهربة القطارات والسكك الحديدية هو الحل الناجح والناجع، ثم نطق هذا الوزير بأريحية إن هذا المشروع يتطلب من المليارات عشرة، فانتفض المنقلب وقطب جبينه وزمجر بغضبته موجها كلامه إلى خادمه الوزير فإذا به يؤكد أن الوزير إنما يتحدث عن أمر غير محسوب موجها كلامه له " أنت عارف يعني إيه 10 مليار !!.. دا أنا لو حطتهم في البنك هيجيبوا مليار" هكذا قال المنقلب، لا نفتري عليه عليكم ببساطة شديدة أن تعودوا إلى هذا الفيديو المرئي منذ شهور قليلة ، كان هذا المعنى الجبائي هو انتفاء أي عمل خدمي وليذهب المواطنون إلى الجحيم ، جحيم القطارات من جراء فساد العسكر واللواءات.
ما بال هؤلاء ينظرون إلى الشعب وأرواحهم باستخفاف شديد فمن لم يمت بسلاحهم أو يعدم بأحكامهم أو يكون من المعدمين بغلاء أسعارهم يكتوون بها وبنارها ولا يستطيعون لذلك دفعا، فليمت على الطرق السريعة وليقضى في صدام القطارات، هذا مقام الإنسان في مصر المحبوسة في عهد الانقلاب ليس لأحد قيمة إنهم من العبيد، ومن ثم كانت واصلت المهزلة عرضها وأتمت فصولها.
فلنعد برهة إلى زمان المخلوع "مبارك" لنذكر الناس بحادث قطار الصعيد الذي احترق فيه الناس وتفحمت فيه الجثث وقد كان الناس مقبلون على العيد، أتذكرون ماذا فعل هؤلاء ومن الذي قدم إلى المحاكمة باتهامات مجهزة ومعدة مسبقا تضع الضعفاء في القفص متهمين، وتترك كل مسؤول حقيقي يفكر مثل السيسي لا يهمه أن يصلح أو أن ينصلح السكك الحديدية بل يهمه الجباية والإنسان يذهب إلى حتفه، أتذكرون القاضي الذي حكم في هذه القضية وقد برّأ كل هؤلاء الذين اتهموهم جورا وزيفا في حكم تاريخي، وقد أشار القاضي في حكمه إلى أن من يجب أن يكون في القفص ليس هؤلاء بل متهمون مسؤولون كبار فالمسئول عن الحادث ليس هؤلاء الذين دفعوهم إلى قفص الاتهام من الصغار، ومن وقتها عٌزل القاضي ولا نتصور أن يوجد مثله في زمن الانقلاب.
هكذا أيضا يمكن أن نستدعي حادثة عبارة السلام مات الناس وتعدوا الألف ومع ذلك واصل مبارك احتفاله بكأس الأمم الأفريقية وقد حصل على الكأس، ومات هؤلاء وغرقوا في قعر البحر لم يلق لهم بال وصاحب العبارة هرب هو وابنه، مصالح الفاسدين متحدة وتحالف المفسدين متماسك، يحمون بعضهم بعضا ثم يدفعون بعض الصغار كقربان ، يموت من يموت ولكن تحيى العصابة ، عصابة المفسدين والفاسدين شبكات الاستبداد التي تحمي مؤسسات الفساد وأصحابها، وفي كل مرة سنتحدث عن أن كل هذه الأحداث قضاء وقدر فكل فساد أو إهمال من جانب الفاسدين أو المفسدين قضاء وقدر، وكل أمر يتعلق بإنجاز زائف يتصدرون المشهد ويدعون النجاح، مال هؤلاء الفسدة يقومون بكل ما من شانه أن يصنع مجتمع الأسياد والعبيد ويصوغون كل المجتمع على أعينهم معسكرا متعسكرا إنها القضية الكبرى صدام القطارات وفساد العسكر واللواءات.
هل أتاك حديث بعض هؤلاء عن مستشارين من اللواءات يصرفون مرتباتهم بالملايين موجودين كمستشارين في وزارة النقل والسكك الحديدية، في كل مرة سيسقط الضحايا قضاء وقدرا، كما يقولون، لكنهم لن يقوموا بحل المشكلة من جذورها طالما أن من يلقى حتفه هو من طبقة العبيد.