الإرهاب والإجرام لن يتوقف فهو قرين السلوك البشري منذ بداية الخليقة، وما تغير تاريخيا هو اتساع رقعة الجرائم وطول قائمة المجني عليهم.
على صعيد مكافحة الإرهاب والإجرام فقد صار هناك موقف دولي أكثر نضجا تعكسه الضوابط التي تميز الإعدام المشروع عن القتل خارج القانون ولو كان بأمر رأس هرم السلطة التنفيذية.
ما سبق كان مقدمة ردي على من حاورت حول سلسلة الجرائم التي تقع على أيدي ضباط ومتنفيذين في بنغازي وذلك بعد أن حاول محاوري تبرير قتل 26 مواطنا بإطلاق النار عليهم في سيناريو درامي لا علاقة له بتنفيذ أحكام الإعدام الصادرة عن قضاء مستقل وبشكل علني وذلك بعد استيفاء شروط المحاكمة العادلة والتي في مقدمتها ضمانات الدفاع عن المتهم.
نتفق جميعا في تجريم التعذيب والقتل الذي تتورط فيه مجموعات مسلحة هنا وهناك لأسباب أيديولوجية أو بغرض جني الأموال، فالإجرام قرين الخارجين عن القانون والرافضين لسطوته، لكن الطامة أن يتورط من ينتسبون للمؤسسة العسكرية أو الأمنية في الفعل ذاته بل وبشكل أكثر إجراما، فالمفترض أن يكون الدافع وراء عودة المؤسسات الأمنية هو فرض الأمن بأسمى صوره وأعلى درجاته والمساعدة في طمس الإجرام الذي تفشى وصار حدثا يوميا يملئ الدنيا ويشغل الناس.
إطلاق لفظة إجرام ممنهج يمكن أن تكون مقبولة في ظل تكرار الحوادث الفظيعة ومع تغافل المؤسسات السيادية التشريعية والتنفيذية عنها إذا لم يخضع المتورطون فيها للمحاسبة والعقاب، فالدليل على أن فعلهم مجرَّم موجود، ويكفي أنه فعل تتفق كل المواثيق الدولية على إدانته واعتباره ضمن الجرائم ضد الإنسانية.
خطورة التغاضي عن هذه الأعمال هو توظيف الظرف الأمني وخطر الإرهاب لتصفية المخالفين بغض النظر عن اتجاههم، وسلسلة التصفية لن تتوقف بعد أن انطلقت دون معارضة عريضة وقوية، فالمعارك ستتجه من العدو المشترك إلى الخصوم داخل الجبهة الواحدة.
آخر جرائم القتل البشع شهدتها بنغازي خلال الأيام القليلة الماضية، سبعة من الذين تم اعتقالهم تعسفيا فوجئ ذووهم بجثثهم ملقية على قارعة الطريق في مشهد مأساوي لا يمكن أن يبرره إلا شريك في الجريمة، فجرم المغدور بهم –مهما تعاظم - لا يمكن أن يبرر معاملتهم بهذا الشكل المشين، فكيف وهناك ما يشير إلى أنهم أبرياء من التهم التي على أساسها تم اعتقالهم وتعذيبهم ثم تصفيتهم.
لكن الأفظع عندي هو تغافل وتجاهل شريحة واسعة من أهل الرأي والدفاع عن الحقوق ممن دأبوا على رفع أصواتهم بمناسبة وغير مناسبة للتنديد بانتهاك وقع في مناطق سيطرة خصومهم الفكريين والسياسيين، لكن ألسنتهم تخرس وحناجرهم تتحجر أمام الانتهاكات التي فاقت الوصف وتعدت المقبول على أيدي من اعتبروهم عدة الجيش المخلص وعتاده.
فالحقوق والانتهاكات صارت اليوم حتى عند شريحة واسعة من النخبويين طوعا للاتجاه الفكري والتوجه السياسي والانتماء الجهوي والفئوي، ولم تعد عند كثير من هؤلاء مسألة قيمية وإنسانية ويتصدون للانتهاك عند وقوعه دون تمييز أو تحيز، فقط لأنه حق مقترن بالإنسان والإنسانية ولا يمكن إخضاعه للنوازع الخاصة.
ينبغي أن أنوه إلى أن العديد من النشطاء وأصحاب الرأي يرفضون هذه الممارسات البشعة في داخلهم لكنهم لا يقومون بإدانتها صراحة وبشكل معلن اعتقادا منهم أن موقفهم قد يشوش على المشهد العام، أو أنهم آثروا الصمت خوفا من أن يصبحوا هدفا مباشرا للمتورطين في هذه الأعمال، وهو عذر قد اتفهم دافعه خاصة اذا ابتعدوا كليا عن المشهد وقبلوا بالانزواء بعيدا عن الأحداث.
قلقي الأكبر يرجع إلى الازدواجية في مواجهة الحوادث المتشابهة بالشجب الشديد لبعضها والتعامي عن شبيهاتها لأنها وقعت على أيدي شركاء النضال أو من يقفون تحت مظلتهم الفكرية والسياسية.