كشفت صحيفة
واشنطن بوست أن
الإمارات العربية المتحدة قوضت جهود واشنطن في وقف الحرب التي اندلعت منذ نحو عامين في
اليمن، وذلك بغية تعزيز نفوذها في المنطقة باستخدام القوة العسكرية والجهود الدبلوماسية، مشيرة إلى وجود تباين واضح بين أبو ظبي وواشنطن فيما يتعلق بطريقة معالجة بعض الملفات الساخنة في الشرق الأوسط.
وقالت الصحيفة في تقرير ترجمته "
عربي21" إن الإمارات التي تعد حليفا لواشنطن، حرضت شركاءها في التحالف العربي في اليمن على رفض مناشدات وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري بشأن إنهاء الحرب في البلاد، والدخول في محادثات سلام.
وأضافت أن توجه الإمارات العربية المتحدة نحو تعزيز نفوذها في المنطقة يختبر تحالفها العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وفيما يلي نص التقرير:
عندما اندلعت حرب أهلية في اليمن قبل عامين وانطلقت على إثر ذلك نواقيس الخطر الدولية، حذرت الولايات المتحدة الأمريكية الأطراف المتقاتلة وطالبتها بالتراجع. إلا أن جهودها عمل على تقويضها بكل بهدوء أحد حلفاء الولايات المتحدة المؤتمنين: إنها دولة الإمارات العربية المتحدة.
قتل مئات الأشخاص في المعارك وفي الغارات الجوية. إلا أن الإمارات العربية المتحدة، والتي تشكل جزءاً من التحالف العسكري الذي تقوده المملكة العربية السعودية والمدعوم من قبل الولايات المتحدة، عملت على تشجيع شركائها على مقاومة مناشدات وزير الخارجية آنذاك، جون إف كيري للدخول في محادثات سلام أو التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
بينما كان كيري متوجهاً إلى المنطقة، قال محمد بن زايد، أحد كبار القيادات في الإمارات، مخاطباً رئيس الوزراء اليمني: "ينبغي على اليمنيين أن يكونوا ثابتين، فوزير الخارجية متحدث مقنع". وقال الأمير على دول الخليج العربية أن "تثبت"، وذلك، بحسب ما ورد في رسائل إيميل دبلوماسية مسربة حصلت ذي واشنطن بوست على نسخة منها تلخص ما دار في لقاء جمع بين الرجلين.
أشار الاجتماع إلى توجه الإمارات العربية المتحدة نحو تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط باستخدام القوة العسكرية والجهود الدبلوماسية ووسائل سرية بهدف تقوية حلفائها ومواجهة خصومها ومنافسيها. وقد تسبب دور الإمارات في اليمن في احتكاك مع الولايات المتحدة، الأمر الذي عقد العلاقة العسكرية بين الطرفين والتي امتدت لعقود.
وكان بروز الإمارات كحليف عسكري للولايات المتحدة قد ميزها من بين الدول العربية، وزاد في طموحاتها ونفوذها الإقليمي بما يتجاوز حجمها. والآن، يبدو أن الدولتين تتوجهان نحو توسيع شراكتهما أكثر فأكثر في عهد الرئيس ترامب، والذي يجري ترجمة شعار إدارته "أمريكا أولاً" إلى موقف أكثر عدوانية تجاه إيران وإلى حملة موسعة ضد متشددي القاعدة في شبه جزيرة العرب.
بعض القادة العسكريين الأمريكيين، بما في ذلك وزير الدفاع جيم ماتيس، يعربون عن إعجابهم بالإمارات ويصفونها بأنها "أسبرطة الصغيرة" وبأنها نموذج للكيفية التي يمكن من خلالها للحلفاء الإقليميين تقليص عبء مكافحة الإرهاب عن كاهل الولايات المتحدة.
إلا أن التوترات التي تشوب التحالف ما لبثت أن طفت على السطح الشهر الماضي عندما صرح مسؤولون في المخابرات الأمريكية إن دولة الإمارات العربية المتحدة كانت تقف وراء قرصنة موقع حكومي قطري – وهو التحرك الذي سعر خلافاً قديماً بين حلفاء أمريكا في الخليج وألجأ البيت الأبيض إلى وضع غير مريح يتمثل في القيام بدور الوسيط فيما بينهم.
كما تباينت المصالح الإماراتية والأمريكية في ليبيا، حيث اشتكى مسؤولون أمريكيون من أن الإمارات العربية المتحدة تعمل على إجهاض جهود السلام هناك. أما في اليمن، فلقد عرض الصراع الدموي الولايات المتحدة لاتهامات بالتواطؤ في ارتكاب جرائم حرب نظراً لموقفها الداعم لدولة الإمارات العربية المتحدة وحلفائها الخليجيين.
وفي ذلك يقول مسؤول أمريكي كبير سابق: "الخطر الكامن في إيجاد قدرة عسكرية مستقلة هو أنك توجد قدرة عسكرية مستقلة. شيء عظيم أن نجد في الإماراتيين شريكاً لنا، ولكننا لا نتفق دائماً في الرؤية."
استحكام حماسي
في عام 1981، بعد عقد واحد فقط من استقلال دولة الإمارات العربية المتحدة، طار محمد بن زايد آل نهيان، الذي أصبح فيما بعد ولي عهد أبو ظبي، إلى واشنطن يحدوه طموح كبير في شراء طائرات مقاتلة أمريكية كفيلة بتعزيز القدرات العسكرية للمملكة النفطية الثرية وتحويل بلاده إلى قوة عالمية. إلا أنه بدلاً من ذلك "شعر بأنه تعرض للسخرية" حسبما يقول دبلوماسي أمريكي سابق "إذ أن الإمارات العربية المتحدة لم يكن أحد يسمع بها أو يعرف عنها، وكان السؤال الذي يتبادر إلى الذهن: من هو هذا الطفل؟"
وفي السنوات التي تلت، بدأت الإمارات العربية المتحدة بإرسال قوات إلى الدول المدعومة غربياً، بما في ذلك إلى حرب الخليج الفارسي عام 1991، وإلى الصومال، وإلى البلقان، وإلى أفغانستان. وتقوم المملكة حالياً بإقامة سلسلة من القواعد في أفريقيا لتمكنها من مد أذرعها العسكرية في المنطقة.
كما انهمك الإماراتيون في الإنفاق بسرف بالغ، فبالإضافة إلى الحصول على طائرات F-16 ، كانوا أول حليف للولايات المتحدة يحصل على نظام دفاع صاروخي بالغ التعقيد يعرف باسم THAAD . ويأملون الآن في اقتناء طائرات هجوم مشترك من طراز F-35 ، وهي أكثر طائرات البنتاغون تقدماً، تقدر تكلفة الطائرة الواحدة منها بما يقرب من مائة مليون دولار.
يقول أندرو إكسوم، الذي كان حتى هذا العام مسؤولاً كبيراً في البنتاغون مكلفاً بمتابعة القضايا ذات العلاقة بالشرق الأوسط، إن الأسلحة المتقدمة والمعقدة ليست أكبر المقتنيات العسكرية لدى دولة الإمارات العربية المتحدة. ويضيف إن ما يميزهم هو الجد والاجتهاد والمثابرة التي يتحركون بها للاستثمار في الأشياء التي قد لا تبدو مغرية ولكنهم يحتاجونها لبناء قدرة عسكرية، بما في ذلك القدرات اللوجستية والتدريب.
يقول المسؤولون الإماراتيون إن الخطر الإيراني الذي يشعرون بأنه يهددهم هو ما دفعهم إلى التوجه نحو بناء قوة عسكرية حديثة وإلى اختبار قواتهم خارج حدودهم. كما يشعرون بالحاجة الماسة إلى الوقوف في وجه جماعة الإخوان المسلمين الإسلامية وأي مجموعات سياسية أو مسلحة يرون أنها امتداد لهذه الجماعة.
يقول يوسف العتيبة، سفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدي الولايات المتحدة الأمريكية والشخصية المركزية في الجهود الناجحة التي تبذلها بلاده في مجال اللوبي (الضغط السياسي): "يتعلق الأمر في الحقيقة بالجغرافيا وبالتهديدات التي نشأنا معها يوماً بعد يوم." لقد تمكن العتيبة، الذي لا يمل ولا يكل من الترويج لوجهة النظر التي تقول بأن الإمارات العربية المتحدة قوة تمكين للاستقرار في الشرق الأوسط، من فتح خطوط مهمة مع مسؤولين نافذين في إدارة ترامب بما في ذلك جاريد كوشنر، زوج ابنة الرئيس ومستشاره.
إلا أن نقاد الإماراتيين يقولون إن وجهة نظرهم في الاستقرار تشتمل على احتضانهم للزعماء السلطويين ممن يشاطرونهم مشاعر الكراهية لإيران وللإسلاميين وكذلك على عدم تسامحهم مع أي معارضة سياسية.
ولقد سبب هذا الموقف صداعاً للولايات المتحدة الأمريكية وخاصة في ليبيا، فبينما لعب الطيارون الإماراتيون دوراً مركزياً في التدخل الذي وقع عام 2011 للإطاحة بمعمر القذافي، تنامى الإحباط لدى المسؤولين الأمريكيين في السنوات التالية بسبب قيام الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب مصر، بهدوء بتوفير الدعم العسكري والمالي للجنرال خليفة حفتر، الشخصية المتنفذة الذي قاد حملة عنيفة ضد القوات الإسلامية بما في ذلك المتشددين منهم، حيث أن مثل هذا الدعم يشكل انتهاكاً لحظر السلاح الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا.
كما يعتبر المسؤولون الأمريكيون حفتر عقبة في طريق الحل السياسي، وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير هي الشحنة الضخمة من العربات المصفحة والعربات الأخرى التي وردت من الإمارات العربية المتحدة إلى حفتر، والتي تسببت في رد صارم من إدارة باراك أوباما.
يقول العتيبة: "ما نسعى إليه في ليبيا هو حكومة علمانية مستقرة. وهو نفس الشيء الذي نسعى إليه في سوريا، وهو نفس الشيء الذي نسعى إليه في اليمن. حكومات علمانية."
رمال متحركة في اليمن؟
خلال أيام من الزيارة التي قام بها في شهر مايو 2015، تمكن كيري من إيقاف القتال في اليمن. ولكن وقف إطلاق النار لم يدم طويلاً، بل انهار بعد أيام قليلة كغيره من حالات وقف إطلاق النار العديدة التي تم التوصل إليها منذ ذلك الوقت.
بعد مرور ما يزيد على عامين، قُتل الآلاف في الغارات الجوية والقصف المدفعي الذي شنته قوات التحالف. وبات ملايين اليمنيين فريسة للجوع والمرض، بما في ذلك وباء الكوليرا، وتراجع الحديث عن التوصل إلى حل سلمي للصراع.
انضمت الإمارات العربية المتحدة إلى التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية بعد أن تمكنت مجموعة شيعية متمردة تعرف باسم الحوثيين من إسقاط الحكومة اليمنية، حيث يرى الإماراتيون، وهي في ذلك سواء مع شركائهم السعوديين، أن الحوثيين عبارة عن قوة إيرانية بالوكالة – وهو تصنيف اعتبره المسؤولون الأمريكيون في بداية الحرب أمراً مبالغاً فيه.
كما حذر البعض في إدارة أوباما حلفاءهم الخليجيين من أن التدخل لم يتم الإعداد له بشكل جيد، حسبما قال روبرت مالي، منسق البيت الأبيض السابق لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج. وحرصاً منهم على تحسين الأجواء مع دول الخليج التي أغضبها اتفاق أوباما النووي مع إيران، قرر المسؤولون في الإدارة دعم الجهد الحربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، ولكنهم كانوا يأملون بإبقاء المشاركة الأمريكية في حدها الأدنى والمسارعة في التوصل إلى تسوية سياسية.
يقول مالي في ذلك: "خشينا ألا تكون هذه الحرب حرباً من المقدر لها أن تنتهي بسرعة. كما أن المنطقة لديها ما يكفي من التجارب في التعامل مع العناصر الفاعلة غير الحكومية مثل الحوثيين – والتي بالرغم من كونها متخلفة عسكرياً كما هو واضح إلا أنها على استعداد للاستمرار في القتال دون توقف وليست على استعداد للاستسلام." وأضاف إن التحالف الذي يقوده السعوديون جازف "بأن يُجر ويتورط أكثر فأكثر على الرغم من التكلفة الإنسانية باهظة."
وحتى المسؤولون الإماراتيون لم يترددوا عن الإعراب عن قلقهم داخل المجالس المغلقة بحسب ما كشفت عنه رسائل إيميل تعرضت للقرصنة ووزعتها مجموعة يبدو أنها متعاطفة مع قطر، الخصم المنافس للإمارات. ومن ذلك ما كان قد كتبه العتيبة في رسالة إلى زميل له في يوليو 2015 –– حيث قال إن تغطية وسائل الإعلام الغربية تركز "بالدرجة الأولى" على الأزمة الإنسانية في اليمن، ولذلك فإن الإمارات العربية المتحدة "تفقد بسرعة المبرر الأخلاقي" لعملياتها في اليمن.
إلا أن التورط الأمريكي ما لبث يتعمق بشكل متزايد في عهد إدارة ترامب، والتي ما فتئت تعطي الأولوية للمواجهة مع إيران على إبداء التحفظات على الصراع في اليمن.
ولقد تصدرت الإمارات العربية المتحدة للعب دور رائد في الحرب على تنظيم القاعدة في جزيرة العرب داخل اليمن – وذلك في حد ذاته يعتبر من أولويات الولايات المتحدة. ولكن في عام 2015، أثبتت القوات الإماراتية قدرتها على تخطيط وتنفيذ عملية كبرى، حينما شنت هجوماً برمائياً لانتزاع مدينة عدن الجنوبية من أيدي قوات الحوثيين، وذلك على الرغم من تحذيرات أمريكية بتجنب ذلك.
ومنذ ذلك الحين لم تسلم إدارة الإمارات العربية المتحدة للأمور في الجنوب من المشاكل.
والآن، لربما بات التوصل إلى تسوية للحرب غاية في الصعوبة على إثر النزاع الذي نشب بين الانفصاليين الجنوبيين الذين تدعمهم الإمارات العربية المتحدة من جهة والحكومة اليمنية من جهة أخرى، وكذلك بسبب دعم الإمارات العربية المتحدة للسنة المتشددين المعروفين بالسلفيين، وهو الأمر الذي يقوض حديثها عن منطقة "علمانية".
لقد تبين من خلال العملية التي تجري في اليمن أن ثمة مخاطر تحدق بالولايات المتحدة جراء دعمها، ولو بشكل غير مباشر، للعمليات التي تقوم بها قوات أجنبية.
زعمت تقارير صدرت في شهر حزيران/ يونيو عن كل من وكالة الأسيوشيتد بريس ومنظمة هيومان رايتس واتش أن الإمارات العربية المتحدة أو قوات موالية لها تدير شبكة من السجون السرية في جنوب اليمن. ونقلت وكالة الأسيوشيتد بريس عن شهود قولهم إن القوات الأمريكية كانت حاضرة على الأقل في واحد من هذه المرافق التي كان المعتقلون فيها يتعرضون للتعذيب.
ولكن نفى مسؤولون إماراتيون أن يكونوا قد أقاموا مراكز اعتقال سرية أو أنهم مارسوا التعذيب بحق المساجين. أما المسؤولون الأمريكيون فصرحوا لوكالة الأسيوشيتد بريس بأن قادة عسكريين حققوا في المزاعم وخلصوا إلى القناعة بأن القوات الأمريكية لم تكن موجودة أثناء وقوع أي إساءات.
صدر مؤخراً تقرير خلص إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب دعمها لعمليات الإمارات في اليمن، يمكن أن تتحمل المسؤولية القانونية عن الممارسات غير القانونية التي تجري داخل المعتقلات التي تديرها الإمارات في اليمن. ويقول أحد محرري التقرير، دايان غودمان، وهو مسؤول سابق في البنتاغون ويعمل الآن محاضراً في جامعة نيويورك: "هل هذه في الواقع هي الطريقة المجدية لمحاربة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أو لضمان الاستقرار في اليمن؟"