أستأذن القارئ العزيز في اقتطاف بعض فقرات من مقالة نشرتها في هذه الصحيفة في 6 /11/2001 بعنوان "الحرب الإعلامية اشتعلت.. والبقاء للأكثر جرأة" كتبت في ذلك الزمان "شُغلت الخاصة والعامة في عالمنا العربي بظاهرة محطة "الجزيرة" الفضائية التي تبث إرسالها من قطر إلى كل العالم".
يشاهدها العرب الرحل في البراري والقفار، كما يشاهدها الملوك والأمراء والرؤساء، ويتابعها عرب المهجر باعتزاز، إنها المحطة التي يشاهدها المحب والكاره لها، الحاقد والناقد، وكذلك العدو والصديق.
تطاول عليها بعض ولاة الأمر، واتهموها بأنها ولدت من رحم الصهيونية، وتربت ورضعت من حليب دولة الاستكبار العالمي، كانوا يقولون إنها صناعة أمريكية وكادرها من الصف الثاني في المخابرات البريطانية، وقالوا عنها الكثير.. من "علبة الكبريت" إلى حانة في زاوية من مدينة الدوحة لا يقترب منها عربي.
لقد راح حملة أقلام السلطة الذين لم تكسب رضاهم "الجزيرة" يرددون ترانيم ولاة أمرهم، في هذا الصرح الإعلامي الكبير، وجدُوا في سعيهم لتشويه كل عمل تقوم به، بهدف إلحاق الأذى بها وصرف العامة والخاصة عن مشاهدتها.
ووصفها أحدهم، وهو ينتسب إلى عاصمة عربية لها باع في الإعلام وتوجيه الرأي العام في العالم العربي في حقبة من الزمن بأنها "عمل غير صالح" هكذا بكل بساطة البلهاء، لكونها لم تكن فكرة ذلك القطر، ولم تبث برامجها منه، ولم تقبل توجيهه أو بث تحركات وتصريحات قيادته، إلا في حدود عالمية الخبر، وفاعلية التصريحات. من المؤسف والمخجل، أن زعيما عربيا راح يناشد الإدارة الأمريكية بأن لا تقصر حربها على أسامة بن لادن وطالبان وإنما يمتد إلى "محطة الجزيرة" ولو بصاروخ "توما هوك" حتى يسكتها إلى الأبد. وراح زعيم عربي آخر يشكو لطوني بلير وهو يدافع عن موقفه وموقف بلاده غير المتشدد علنا لحرب أمريكا وبريطانيا في أفغانستان بقوله: "إننا لا نستطيع أن نذهب معكم إلى أكثر مما فعلنا في تأييدكم لأننا نخاف أن تشهر بنا محطة الجزيرة".
وعلى أثر ذلك تزايدت الضغوط على القيادة القطرية وعلى العاملين في "الجزيرة"، ولا أستبعد في ظل غياب العقل عند الإدارة الأمريكية (آنذاك) وانعدام البصيرة أن ترسل بقائمة أسماء العاملين والمشاركين في برامج "الجزيرة" إلى كل حكومات العالم طالبة تجفيف مواردهم وملاحقتهم وتسليمهم للحكومة الأمريكية بصفتهم مروجين للإرهاب.
لقد أصدرت الإدارة الأمريكية في هذه الأيام (تلك الأيام) توجيها إلى الشركات الأمريكية الكبرى بيبسي كولا، جنرال موتورز وشركات أخرى، بعدم الإعلان في محطة "الجزيرة" وذلك محاولة لتجفيف مصادر الدخل عند المحطة، كما أن هذه الشركات طلبت من وكلائها في المنطقة عدم التعامل مع "الجزيرة" وراحت بعض الحكومات العربية تومئ إلى مكاتب الإعلان في عواصمها باتباع ذلك المنهج.
ليس ذلك فحسب، بل وصلت الحرب على "الجزيرة" إلى الكنيست الإسرائيلي، إذ تقدمت مجموعة من أعضاء الكنيست الإسرائيلي بمشروع يطالبون فيه الحكومة بحظر بث "الجزيرة" عبر الكبل الإسرائيلي. وراح وزير الاتصالات في الحكومة الصهيونية يدرس المسألة بهدف تنفيذها وهكذا تسير الأمور. وقال وزير خارجية فرنسا (هوبير فدرين) (في ذلك الزمان) لم تعد الهيمنة الإعلامية لمحطة الـ(سي إن إن) ولا الـ(بي بي سي) البريطانية وإنما لمحطة "الجزيرة" القطرية (أكتفي بهذا النص المجتز من المقال آنف الذكر).
(2)
تقول أوثق المصادر إن الأزمة الراهنة ضد دولة قطر كان يعد لها من مطلع العام الحالي في مركز دراسات استراتيجية في إحدى الدول الثلاث، وأُقترح سيناريوهات متعددة، وطرحت أمام صانع القرار في نهاية شهر مارس الماضي، وعليه أن يحدد توقيت التنفيذ، وكانت مناسبة حضور الأمير الشيخ تميم احتفال تخريج دورة الخدمة الوطنية والتي لم تكن في الحسبان نقطة انطلاق، اتخذ القرار في 24 مايو الماضي لاجتياح (الهكر) وكالة الأنباء القطرية وأفرعها ليذاع عليها أنباء كاذبة نسبت إلى سمو الأمير تميم، وكان لهم ما أرادوا في إعلان الحرب الاقتصادية والحصار على قطر.
اليوم تواجه الجزيرة الحرب المعلنة عليها من (جماعة الأربعة) الرياض والقاهرة والمنامة وأبوظبي، يريدون إسكاتها بكل الوسائل، أحد الفرسان الأربعة عرض دفع مليار دولار، والآخر عرض شيكا مفتوحا مقابل إغلاق "الجزيرة"، وآخرون اكتفوا بتغيير سياستها التحريرية، عندما هاج عليهم الرأي العام العالمي بحجة أنهم ضد حرية الرأي. وفعلا أغلقوا مكاتب "الجزيرة" في تلك العواصم العربية وجرموا كل من يتعاطف مع قطر أو الجزيرة بالغرامة المالية والحبس، أحد مراسلي الجزيرة مصري الجنسية ما برح مسجونا منذ عدة أشهر في القاهرة لأنه كان يعمل مع الجزيرة.
أمس الخميس اجتمع وزراء إعلام الدول الأربع في جدة لتدارس الموقف من "الجزيرة" واتخاذ الإجراء ت الرادعة تجاه الجزيرة وكل العاملين فيها والمشاركين في برامجها، وقد يرتكبون حماقات تدل على جهلهم مما قد يثير الرأي العام العربي الحر والدولي ضد دولهم لأنهم يشكلون جبهة أعداء حرية الرأي والكلمة.
في الجانب الآخر "إسرائيل نتنياهو" تصيغ هذه الأيام تشريعا يقضي بإغلاق مكتب الجزيرة في القدس وطرد مراسليها. والحق عز وجل، أني أستغرب خوف هؤلاء الحكام من أي كلمة تصدر من "الجزيرة" تحمل خبرا أذاعته وكالات الأنباء العالمية عن حدث تم في داخل أي من تلك الدول! أو إظهار حركات احتجاجية شعبية في تلك الأمصار لها مطالب مشروعة وأهمها العدالة والمساواة وحق المشاركة في السياسية وحرية التعبير. لماذا الحاكم العربي يخاف من المطالب الشعبية العادلة، والكلمة الناقدة لإدارته وسلوك موظفي دولته؟ لماذا لا يطالبون الدول الأخرى بعدم انتقادهم وهم ينفقون مليارات الدولارات في تلك الدول بطريقة أو أخرى؟
آخر القول: سبعة عشر عاما مضت والحرب على "الجزيرة" لم تتوقف، تصمت حينا وسرعان ما تنفجر الحرب عليها مرة أخرى. والحق أقول: إن الحاكم العربي الذي تهز عرشه كلمة من مذياع أو مقالة في صحيفة ثم يرتعد منها ليس جديرا بأن يحكم شعبا له كرامة وكبرياء.
الشرق القطرية