السؤال الذي نسعى إلى الإجابة عنه هنا هو التالي: هل من خيط رابط بين أزمة الخليج الراهنة والتي لا تزال تتفاعل وبين التصعيد الكبير الذي تعرفه الأرض المحتلة وبين ثورات الربيع التي انطلقت منذ أكثر من ست سنوات؟
المسلمة الأولى هي أنه لا يمكن الفصل بين هذه الوقائع الثلاثة لأنها تقع في حيز زماني ومكاني واحد فضلا عن أنها تتعلق بنفس فواعل وبنفس القضايا. لكن المعنى الأهم يتعلق بالبحث في طبيعة العلاقة بينها. هل هي علاقة سببية؟ أم هي علاقة تداعيات حرة بين حدث مؤَسِّس وأحداث تالية له؟
تحتاج الإجابة عن هذا الاستفهام توضيح جملة من المعطيات الأولية التي تتعلق بالسياق الخاص:
المعطى الأول الهام يتمثل في الفصل بين الفعل الشعبيّ من ناحية و الفعل السياسيّ من ناحية ثانية والفعل الاستعماريّ من ناحية ثالثة. ربيع الشعوب أو ثورات الربيع العربي هي ثورات شعبية بامتياز لأنها انطلقت من قلب الغضب الاجتماعي في الدول التي عرفت ثورات جماهيرية كمصر وتونس وليبيا وسوريا. أما أزمة الخليج أو حصار قطر فهي فعل سياسي بامتياز لأنها مظهر من مظاهر السياسة العربية وفشلها الذريع الذي يمتد منذ إعلان دويلات سايكس بيكو. أما حصار المسجد الأقصى فهو فعل استعماري صهيوني وليس فعلا سياسيا عربيا لأنه يتعلق بالقوى الاستعمارية الأبرز حضورا في قلب الوطن العربي.
المعطى الثاني يتمثل في حالة الضعف الكبير التي تحكم مفاصل الوطن العربي والتي تشكل السمة البارزة لكل أنظمته السياسية سواء منها الوراثية أو العسكرية أو الاستبدادية الجمهورية. فبعد احتلال فلسطين وانهيار العراق وسقوطه تحت الاحتلال الأمريكي منذ ما يقارب ثلاثة عقود من الزمان نشهد اليوم سقوط سوريا وانهيار الجزائر وانهيار مصر. هذا الضعف الكبير لم تشهد له المنطقة العربية مثيلا في تاريخها الحديث وهو ما ينبئ بمستقبل مخيف.
المعطى الثالث هو تمدد الإمبراطوريات الاستعمارية الإقليمية والدولية بشكل يزيد من خطورة الوضع العربي وهشاشته. الإمبراطورية الفارسية بما هي وكيل إقليمي مزدوج للإمبراطوريتين الأمريكية التي تدعي محاربتها والروسية التي تحارب إلى صفها هي أكثر الإمبراطوريات تعطشا للنفوذ في المنطقة العربية. أما الإمبراطوريات الروسية والأمريكية بمخلبها الصهيوني فهي تجدد حضورها في المشرق وتوزعه بشكل يسمح لها بتموقع أفضل وبحماية أعلى لمصالحها في المنطقة الغنية بالثروات والموارد.
بناء على المعطيات السياقية السابقة تمكن الإجابة عن السؤال الأساسي لهذه القراءة.
إن العلاقة بين أزمة الخليج وبين ثورات الربيع العربي وحصار المسجد الأقصى هي علاقة عضوية وسببية بشكل لا تنفصل معه عن بعضها البعض وذلك حسب التسلسل التالي.
ثورات الربيع العربي التي عمل النظام الاستبدادي والأبواق المرتبطة به على شيطنتها هي في الحقيقة أهم فعل شعبي عربي خلال العقود الأخيرة. هذا الفعل الشعبي هو الذي أثبت أن الأمة لا تزال حية ولا تزال تقاوم وهو ما يجعله حدثا لا ينفصل عن صمود المقدسيين في القدس ونجاحهم في رفع الحصار عن المسجد الأقصى.
النظام الاستبدادي العربي الذي ثارت الشعوب من أجل القطع معه هو جزء لا ينفصل عن المشروع الاستعماري وعن التمدد الإمبراطوري بكل أشكاله في الدول التي صنعتها اتفاقية سايكس بيكو. هذا النظام الذي سلّم أرض فلسطين للعدو الصهيوني من أجل الجلوس على عرش الدولة الإقليمية هو نفسه الذي يسهل تمدد المشاريع الإمبراطورية وهو نفسه الذي يقمع ثورات الحرية والعدالة الاجتماعية.
حصار قطر وأزمة الخليج هي عنوان آخر من عناوين تقاطع المشروعين الاستعماري الخارجي والاستبدادي الداخلي. فإذا كانت قطر قد دعمت إعلاميا ثورات الربيع العربي من خلال وقوف قناة الجزيرة مع مطالب الحرية والمطالبة بالعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات فإنها اليوم تحصد سبب هذا الدعم من خلال محاولة قوى الثورة المضادة والدول الداعمة لها فرض الوصاية عليها وعلى سيادتها.
عدم اعتراف قطر بالانقلاب العسكري الدامي في مصر هو الذي ساهم في تأليب المنظومة الاستبدادية العربية عليها وبالتالي فإنها حصارها يدخل في إطار محاولة إعادة النسق الاستبدادي الذي كان قبل الانفجار التونسي الكبير. من ناحية أخرى يمثل تجريم المقاومة بما هي فعل يناقض المشروعين الاستبدادي والاستعماري شاهدا آخر من شواهد تحالف المشروعين الاستعماري والاستبدادي لأن المقاومة الفلسطينية التي تعبر عنها حركة حماس هي في الحقيقة فعل شعبي لا ينفصل عن الفعل الشعبي الذي ظهر جليا في ثورات الشعوب.
الصدام الحاصل اليوم هو بين إرادتين أساسيتين: إرادة شعبية مقاوِمة تصارع من أجل الحرية وكرامة الإنسان وإرادة قمعية تسعى إلى فرض المنوال الاستبدادي بما هو امتداد طبيعي للمنوال الاستعماري. الصراع اليوم هو بين الحرية بكل أشكالها وبين أعداء الحرية بكل أشكالهم وهو ما يجعل من طبيعة المعركة طبيعة وجودية بالنسبة للمتصارعين وهي كذلك معركة طويلة لأنها لا تتوقف ما لم تحقق الشروط التي من أجلها اندلعت.
1
شارك
التعليقات (1)
salim
الجمعة، 28-07-201712:41 م
ما هي الا محاولة لي اعادة كسب ثقة شعب، و انه بمعني النظام مازال الوصي الراعي للاسلام
حامي الحرمين ! لما ادخال ملف سياسي في شان ديني يمس معتقد مليار ونصف ؟
العجيب انه كلما اتجهتم نحو الهاوية ،وجب اخذ الشعوب معكم .
حامي الحرمين فقط و الحرم الثالث ما له حامي ،اظن اصبح من الطابوهات .