كتاب عربي 21

ليبيا: مماحكة "العواقير" وبعض الإشارات المهمة في بيانهم الأخير

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600
 الجميع يدرك أن جناحا في قبيلة العواقير، وهي من أكبر قبائل المنطقة الشرقية، يضم بعض شيوخها وبعض قادتها العسكريين، يقف موقف عداء مضمر مع خليفة حفتر منذ ما يزيد عن العام، لكن أطرافا فاعلة في القبيلة احتوت الوضع.

بعد فترة من التهدئة سمتها تراجع المناوئين لحفتر في القبيلة عن خطابهم التصعيدي والرضوخ للقيادة العامة، تفجر الوضع على خلفية اختطاف أحد شيوخ القبيلة من قبل كتيبة تحت إمرة صدام خليفة حفتر، ثم تحريره بالقوة على أيدي شباب العواقير وإصدار بيان شديد اللهجة فيه تحد صارخ للضغوط التي مارسها حفتر بعد تحميله مسؤولية اغتيال أحد أبرز شيوخ القبيلة منذ نحو أسبوعين.

حادثة اغتيال الشيخ ابريك اللواطي ثم ملاحقة بعض رموزهم ومنها اختطاف الشيخ نوري بوفنار أفقدت حفتر بعض التوازن الذي كان يتمتع به تجاه قبيلة العواقير من خلال ضمان تأييد أطراف ذات وزن خاصة شيوخهم وبعض النافذين العسكريين بينهم، وبيان التنديد الذي صدر في سلوق، 50 كم جنوب غرب بنغازي، يشير إلى ارتفاع أصوات الرافضين التسليم "على بياض" لخليفة حفتر، لكنه بالمقابل لا يعني أن القبيلة بكافة فروعها صارت في مواجهة مع المشير، فقد صدر عن جناح العواقير الموالي لحفتر بيان تأييد له من سلوق ومن أمام بيت الفقيد اللواطي.

العواقير أذكى من أن يدخلوا في مواجهة مباشرة وشاملة مع حفتر، فهم أكثر براغماتية في التعاطي مع ممثلي السلطة التنفيذية، كما أن المواجهة تعني مواجهة مع قبائل برقاوية راهنت بكل ما تملك على الكرامة وعلى خليفة حفتر. أيضا القبيلة حققت مكاسب مهمة جدا بعد الكرامة فهي اليوم تشكل الطرف الفاعل في بنغازي على الصعيدين المدني (المجلس البلدي والعديد من المؤسسات الحيوية)، والأمني من خلال مديرية الأمن والبحث الجنائي وعدد من الكتائب المسلحة.

مظهر التصعيد تمثل في نزوع الجناح المتبرم من حفتر إلى القوة لإرجاع المختطف. ففي الأوضاع الطبيعية يتجه وفد من القبيلة للقيادة العامة لحثها على الإفراج عن المعتقل والتنبيه إلى حالة الغليان التي قد تخرج عن السيطرة مع التعهد بلجم المتشددين وتهدئة الأوضاع، غير أن الجناح الآخر كان أسبق في ردة فعله فاقتحم السجن وأرجع المختطف وأقام اجتماعا بالمناسبة ووجه تحذيرا ومطالب له دلالتها.

ومما طالب به البيان التحقيق في حادثة اغتيال اللواطي، وفي ذلك إشارة إلى موافقة من يقولوا بأن حفتر أو دوائر نافذة ضمن الجيش متورطون في الجريمة.

وطالب البيان التحقيق في فرار عناصر تنظيم الدولة من درنة ومن بنغازي وقطعهم مسافات طويلة دون أن يتعرض لهم طيران الكرامة، والدلالة في هذا المطلب هو اتهام الجناح المتشدد في القبيلة ضباط يعول عليهم حفتر كثيرا في التواطئ لتهريب الدواعش، ومن المعلوم أن المتهمين وقعوا في مواجهة مع القادة العسكريين من العواقير ويُعتقد أن حفتر يستخدمهم للجم الرافضين للانصياع كليا لمشروعه.

أيضا جاء في البيان رفض أن يكون العواقير ورقة بيد أي طرف لأجل تحقيق أجنداته السياسية، والإشارة هنا إلى حفتر وفي ذلك تشكيك في الغاية التي أطلق حفتر من أجلها عملية الكرامة وهي مواجهة الإرهاب وبناء الجيش، وأن ما قام به أجندة خاصة لتحقيق مكاسب سياسية ذاتية.

وأخلص إلى القول بأن صعود منحى التوتر بين الطرفين أعقبت لقاء أبوظبي الذي جمع حفتر والسراج والذي أشرنا في مقال سابق أنه سيربك المشهد في بنغازي، فالمعارضون لحفتر وجدوا فيه فرصة للتأكيد على صواب موقفهم من المشير وأنه استخدم برقة وبنغازي لغاية أكبر ومطمح أعظم، وأنه سيهملها في حال وصل إلى طرابلس، مما يعني أن بنغازي مرشحة لتأزيم أكبر، وربما سيجد حفتر نفسه أمام خيارات صعبة، فمواجهة الجناح المتشدد في القبيلة قد يدخله في مأزق لا قبل له به، والترضية تعني الضعف وهو ما لا يقبل به بعد ما تحقق له من مكاسب وتوفر له من تأييد، فبنغازي ورقة مهمة جدا في التفاوض واضطرابها يضعف من موقفه التفاوضي ويشوش على تحالفاته في الجنوب والغرب.
0
التعليقات (0)