أدى تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية في دول الصراعات بمنطقة
الشرق الأوسط إلى تصاعد استخدام أوراق البنكنوت والأشكال الأخرى من النقود كأداة للنفوذ السياسي والاقتصادي بها.
وحدد تقرير حديث أصدره مركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، ثمة عوامل ساعدت على انتشار هذه الظاهرة في دول مثل ليبيا وسوريا والعراق واليمن، يتصل أبرزها بحالة الانقسام والصراع السياسي بالدول السابقة، والتي واكبها انقسام مماثل على صعيد المؤسسات الاقتصادية.
هذا إلى جانب حدوث تدهور مالي كبير في تلك الدول، بشكل دفعها، في بعض الأحيان، إلى البحث عن موارد مالية بديلة عبر الاقتراض وطبع النقود أيًا كانت التكاليف الاقتصادية المحتملة، فضلا عن انتشار التنظيمات الإرهابية فيها مثل "داعش"، والتي سعت إلى تأسيس قاعدة مالية قوية تمكنها من ممارسة أنشطتها الإرهابية وتعزيز سيطرتها على بعض المناطق.
وكنتيجة للظروف السابقة، قامت بعض الأطراف السياسية المختلفة في تلك الدول بإصدار أوراقها النقدية المستقلة في إشارة ليس فقط إلى الانقسام السياسي، ولكن أيضًا إلى "الفوضى النقدية" التي تشهدها تلك الدول. كما حاول تنظيم "داعش"، في عام 2014، تأسيس سلطة نقدية عبر إصدار العملة الخاصة به.
لكن مع تضييق الخناق على مصادر تمويل التنظيم، أشارت بعض الشواهد إلى اتجاهه نحو استخدام العملات المزورة لتغطية أوجه إنفاقه، فضلا عن العملات الإلكترونية "بيتكوين" كوسيلة دفع يصعب تتبعها في تمويل أنشطته. ومن دون شك، فإن حالة الفوضى النقدية السابقة سوف تفرض تداعيات سياسية واقتصادية عديدة، حيث أنها ستؤدي، على الأرجح، إلى تكريس حالة الانقسام السياسي في دول الصراعات، وتقويض الثقة في العملات المحلية، وتوفير مصادر لتمويل الإرهاب صعبة التتبع.
وتصاعد استخدام البنكنوت وأشكال النقود الأخرى كأداة للنفوذ السياسي والاقتصادي في دول الصراعات بمنطقة الشرق الأوسط، وهو ما يعود إلى اعتبارات عديدة، حيث شهدت دول الصراع مثل ليبيا وسوريا انقسامًا سياسيًا على مدار السنوات الماضية، أدى إلى انقسام موازٍ على صعيد المؤسسات المالية والاقتصادية في البلاد.
ففي ليبيا، ساهم تدهور الأوضاع السياسية في تشكيل ثلاث حكومات بالبلاد هي حكومة الوفاق الوطني بجانب حكومتين في شرق وغرب البلاد. وكنتيجة لذلك، تكونت على مدار العامين الماضيين مؤسسات اقتصادية موازية لمنافسة المؤسسات الأخرى القائمة.
وبعد تصاعد نشاطها في بعض دول الشرق الأوسط، حرصت التنظيمات الإرهابية منذ عام 2014 على تأسيس قاعدة مالية قوية تمكنها من تمويل أنشطتها الإرهابية داخل المنطقة وخارجها. وقد تمكنت من تأمين أموال وفيرة من إنتاج النفط والتجارة غير المشروعة في الأراضي العراقية والسورية، وبما دعم من نفوذها في الفترة الماضية. وفي عام 2015، وصل حجم عائداتها المالية، بحسب بعض التقديرات، إلى نحو 2.4 مليار دولار.
وقد صاحب التوتر الأمني والسياسي في هذه الدول تراجع اقتصادي ومالي واسع، حيث واجهت الحكومات صعوبات في تعبئة الموارد العامة فيما عانت البنوك المحلية من شح كبير في السيولة المحلية. ففي ليبيا، ظل عجز الموازنة مرتفعًا في السنوات الماضية ليصل إلى ذروته في عام 2016 عند مستوى 52.7% وتم تمويل معظمه بالاقتراض من البنك المركزي الليبي.