سياسة عربية

"حظر النقاب" لدواع أمنية.. يثير الجدل والانقسام في الموصل

داعية إسلامي حذر من أن مثل هذه القرارات سوف تضع الوضع الأمني على صفيح ساخن- ا ف ب
داعية إسلامي حذر من أن مثل هذه القرارات سوف تضع الوضع الأمني على صفيح ساخن- ا ف ب
"سما البدراني"، واحدة من آلاف الموصليات الحائرات، بشأن قرار الخروج من منازلهن لقضاء حوائجهن اليومية، بعد حظر السلطات الأمنية ارتداء النقاب في مدينة الموصل شمال العراق، إثر تكرار ضبط عناصر من تنظيم  الدولة (داعش) متنكرين بأزياء نسائية.

اعتادت "سما"، وهي طالبة جامعية (23 عاما) على ارتداء النقاب، حتى قبل سيطرة تنظيم "داعش" على المدينة في صيف عام 2014، وفرضه على الفتيات ابتداء من عمر 12 عاما، ولكنها باتت تخشى التعرّض للتوقيف من قبل القوات العراقية إذا ما خرجت به.

وقالت "سما"، إنها ترتدي النقاب منذ أن كانت في مرحلة الدراسة المتوسطة (التعليم الإعدادي)، عندما كان عمرها لا يتجاوز الـ13 عاما، وهي ترتديه الآن باعتباره التزاما دينيا.

بنبرة صوت مشحونة بحسرة، عبرت عنها دموعها على ما آل إليه حال المدينة والمرأة بشكل خاص، وأضافت: "النقاب والتزام الإنسان بالتعاليم الدينية لا يمثل تنظيم داعش".

وأوضحت أن "المنقبات، لسن ضد الحفاظ على الأمن في الموصل، بل مع أي قرار يضمن الحفاظ على الأرواح والممتلكات، بشرط أن لا يُسيء لأية جهة، أو يعرضها إلى حرج اجتماعي".

والمجتمع الموصلي معروف بالتزامه بالعادات والتقاليد الدينية والاجتماعية التي نشأ وتربى عليها أفراده رغم التحديات التي يواجهونها على مر الأزمنة، ومن بينها تمسك الرجال المعروف بـ"الدشداشة العربية"، وهي عبارة عن قماش غالبا أبيض اللون مكون من قطعة واحدة كاملة تغطي جميع الجسم والذراعين.

أما الزي المتوارث لدى النساء، فهو الجلباب الفضفاض والخمار، والنقاب الذي يغطي الرأس والوجه، ولا يظهر سوى العينين أو حتى لا يظهرهما.

على مدى السنوات طرأت تغييرات على تلك العادات والتقاليد لكنها لا تزال متواجدة بكثرة، ويمكن مشاهدتها في أي مكان بالشطر الشرقي لمدينة الموصل، الذي استعادته القوات العراقية في يناير/ كانون الثاني الماضي.

والسبت الماضي، أصدر قائد شرطة نينوى العميد الركن واثق الحمداني قرارات جديدة من بينها "حظر ارتداء النقاب" في المدينة لدواع أمنية متمثلة بوجود مؤشرات على أن خلايا لتنظيم "داعش" قد تشن هجمات عبر التنكر بزي النساء، وارتداء النقاب.

وبينما لم يوضح قائد الشرطة عقوبة المخالفين، فقد طالب السكان بالتعاون مع الأجهزة الأمنية.

ولهذا القرار مؤيدون في الأوساط الدينية، أحدهم الشيخ محمد الشماع إمام وخطيب جامع "النبي يونس" (عليه السلام) سابقا (دمر بالكامل بعد أن فجره تنظيم "داعش" بحجة أنه يضم قبرا ولا يجوز إقامة الصلاة فيه).

وقال الشماع إن "النقاب عندما يكون سبيلا لتخفي المجرمين وطريقًا لسفك دماء الناس، فدمهم وحياتهم مقدم على الوجه، وتنظيم داعش يتحمل وزر كشف الوجه باتخاذه الأحكام الشرعية وسيلة لجرائمه".

ولفت الشماع إلى ضرورة أن يُطبق القرار لفترة محدودة، ومن ثم يرفع للحفاظ على حرية المرأة، وعدم مخالفة الدين والشريعة الإسلامية.

لكن الداعية الإسلامي، عبد الخليل النجار، إمام وخطيب جامع "بهاء الدين" سابقًا (دار عبادة بالجانب الغربي للموصل تعرض للتدمير بعد قصفه من قبل الطيران الحربي لأن داعش اتخذه مقرا)، بدا منزعجا من القرار.

وطالب النجار باتخذ القرار بـ"الإسراع بإلغائه أو تعديله بما يتناسب مع طبيعة هذه المدينة وعراقتها، والتكوينة الاجتماعية والدينية لسكانها".

وحذر من أن مثل هذا النوع من القرارات من شأنه أن "يزيد التوتر، ويجعل الوضع الأمني على صفيح ساخن أو أشبه بقنبلة قابلة للانفجار في أية لحظة".

وأشار إلى أن "النقاب ليس داعشيا، بل استغله المسلحون لتنفيذ أجنداتهم، التي جاءوا بها عند دخولهم الموصل، كما استغلوا القرآن والسنة في تنفيذ جميع جرائمهم".

واعتبر النجار أن "الانتقاص من النقاب دليل ضعف في فهم الأدلة، وإن كان من باب درء المفسدة على جلب المصلحة، فلا يجب إجبار أي انسان (رجل أو امرأة) على فعل شيء بالإكراه بحجة الحفاظ على مجتمعه".

وارتأى أن "القرار في النهاية دليل قاطع على ضعف الجانب الاستخباراتي للقوات الأمنية المتواجدة في المناطق المحررة بالموصل، واعتمادها على طرق بدائية جدا، وغير متحضرة لمنع خروقات قد تحدث في المستقبل".

من جانبها، اعتبرت الناشط المدنية الموصلية مريم سعيد الخزرجي رئيسة "فريق الخير" الإنساني التطوعي (منظّمة مستقلة)، أن حظر النقاب فيه "اعتداء على حقوق الإنسان، وتطاول سافر على حرية المرأة بالذات".

وقالت: "يجب احترام خصوصية كل فرد وتوجهه، لأن العدالة لا تتحقق إلا بالمساواة، والمساواة هي مفتاح الأمن والأمان والتقدم".

ولم يتسن الحصول على تعقيب فوري من القيادات الأمنية العليا بشأن القرار لانشغالهم بـ"أمور العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش، ومطاردة خلاياه النائمة" حسب مسؤولي المكاتب الإعلامية لتلك القيادات.

لكن النقيب مزهر المشهداني، مسؤول الدوريات الأمنية المتنقلة التابعة لشرطة نينوى (شمالا)، بمنطقة الزهور التجارية شرق الموصل، قال إن "القيادة عندما اتخذت هذا القرار، ليس هدفها الإساءة إلى المجتمع الموصلي، وتقاليده، وإنما للحفاظ قدر المستطاع على أمن هذا المجتمع".

وحذر المشهداني من أن "تحرير المنطقة، لا يعني القضاء على تنظيم الدولة "داعش" بشكل نهائي، فالكثير من عناصره لا يزالون طلقاء، وهم قادرون على تنفيذ عمليات إرهابية بعد أن يتخفوا بأزياء النساء".

وأوضح أن "وجود مئات النسوة اللواتي يرتدين النقاب، ويتجولن في الأسواق التجارية والمناطق الشعبية يُتيح لعناصر التنظيم التنقل والتجول بحرية تامة دون القلق أو الخوف من التعرّض لهم من قبل رجال الأمن المنتشرين في كل مكان".

وأشار المشهداني إلى أن "المعلومات التي وردت إلى غرفة الاستخبارات الخاصة (التابعة لوزارة الداخلية‎)، أفادت بأن الخلايا النائمة لتنظيم "داعش" من الرجال كانت تخطط لاستغلال ارتداء النساء للنقاب، وتنفيذ هجمات مسلحة ضد الأهداف الحيوية؛ لا سيما خلال شهر رمضان المبارك".

ونوّه إلى أن "القرار هو للمصلحة العامة"، وأن "القيادة سوف تصدر قرارا آخر يقضي بتجميد قرارها السابق، حال التأكد من أن خطر التنظيم المسلح قد زال".. مختتما حديثه، بالقول إن "حرية المواطن من أساسيات عمل الأجهزة الأمنية".
التعليقات (0)

خبر عاجل