في إحدى خطاباته أمام أحد المنتديات أو الملتقيات التي تنفق عليها أو تدعمها حكومة الإمارات في الولايات المتحدة الأمريكية وما أكثرها وقف سفيرها يوسف العتيبة أمام مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية والمعروف اختصارا بـ CSIS معددا مواقف حكومة بلاده الداعمة للسياسة الخارجية الأمريكية وخصوصا العدوانية منها فقال وبكل وضوح إن بلاده هو البلد العربي "الوحيد" الذي شارك مع أمريكا في ستة تحالفات عسكرية على مدار ربع قرن من الزمان، وأضاف لقد حاربنا معكم على مدار اثنتي عشر عاما في أفغانستان وكوسوفو والصومال وليبيا، ثم أردف وكله فخر وحماسة قائلا إن بلاده تستضيف أكثر من أربعة آلاف عسكري أمريكي في قاعدة الظفرة الجوية بأبو ظبي!! كما أوضح لا فض فوه أن ميناء جبل علي وهو ميناء إماراتي هو أكثر الموانئ التي يتم استدعاء الجيش الأمريكي إليها خارج أمريكا، ثم اختتم خطابه متسائلا عن السبب الذي تقاتل الإمارات من أجله فقال: "إن الإمارات هي الوعد في شرق أوسط جديد".
هذه هي القصة برمتها، وهذا وهو التحول الذي سعت من أجله الإمارات أو سعى من أجله حكامها "شرق أوسط جديد" ولكن ما هي ملامح هذا الشرق الأوسط، ولماذا استبدلوا العالم العربي بالشرق الأوسط الجديد؟
هذا التحول بدأ منذ غزو العراق على يد بوش الابن عام 2003 وهو الغزو الذي انتهى بأمرين ليس لهما نظير في تاريخ المنطقة:
الأول: هو غزو دولة عربية كانت تعد من بين الدول الأقوى عسكريا وهو العراق بقوات أمريكية مدعومة من مجموعة من العواصم التي شاخت نظم الحكم فيها، سواء كان الدعم ماديا وتمويليا ولوجستيا كما الحال في دول مجلس التعاون الخليجي أو بدعم سياسي من القاهرة وسوريا وبعض العواصم العربية. في ذاك الوقت كان المأمول هو غزو إيران على اعتبار أنها كانت العدو الرئيس لدول الخليج ولكن مركز صناعة القرار في أمريكا وتل أبيب كان يرى ضرورة ضرب العراق أولا وقد تم، ولم تجن أي دولة خليجية سوى الخسارة إذ هيمنت إيران وحلفاؤها الشيعة على الوضع في العراق ولا يزال الوضع على ما هو عليه، وهذا أول تغيير طرأ على خريطة المنطقة في 2003. إزاحة الحكام بقوة المحتل واحتلال عسكري يفضي إلى حرب أهلية وهيمنة شيعية.
الثاني:
بدء ثورات الربيع العربي التي حدثت في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن ونوعا ما في البحرين والكويت وهو الأمر الذي لفت انتباه الكيان الصهيوني إلى إمكانية تحول إدارة شؤون المنطقة من أيدي حاكمها المستبدين إلى أيدي الشعوب المنتفضة، وهو ما جعل التحرك لإجهاض الربيع العربي هدفا مشتركا لبعض دول مجلس التعاون الخليجي ولدولة الكيان الصهيوني، ولا يحتاج الأمر إلى دليل فقد فاض الفضاء بالأدلة التي لم يكذبها أحد سواء في الإمارات والكيان الصهيوني أو المخابرات الأمريكية أو الأردن أو المملكة التي أعلن ملكها آنذاك أنه يقف قلبا وقالبا مع الانقلاب الذي حدث في مصر وقدم لدعمه مليارات الدولار ولا تزال المملكة تمضي في دعمها للانقلاب على إرادة الشعوب حتى تاريخه ويبدو أنها لن تتوقف فالمرشح لتولي مقاليد السلطة هناك قد وقع أسير الخطة الجديدة التي صاغتها إدارة الوعد الجديد في الشرق الأوسط وأعني بها الإمارات والموساد والمخابرات الأردنية والأمريكية، وبالتالي ليس بمقدوره التراجع عن تنفيذ بنود خطة الشرق الأوسط الجديد.
حسنا لنسمي الأشياء بأسمائها، هذه هي صفقة القرن والتي لم يتكشف لنا منها سوى الشق المتعلق بتسوية الصراع العربي الصهيوني والمعروف إعلاميا بالقضية الفلسطينية.
فما الذي خفي اذن؟
بعد ما حدث في قمة الرياض التي عقدت في المملكة قبل أيام والتي لخص ترامب نتائجها في تغريدة نشرت يوم 27 مايو قال فيها: "لقد عدت من المملكة بالمليارات التي تعني فرص عمل"، لم يعد هناك حديث عن تدخل أمريكا لوقف استبداد الحكام المستبدين ضد شعوبهم.
هذا يعني أن ترامب لا يهمه من قريب ولا بعيد أي صراع في المنطقة بقدر ما يعنيه رفع قيمة فاتورة الحماية التي يقدمها لدول مجلس التعاون الخليجي، ولا يهمه في هذا الإطار ماذا ستفعل هذه الحكومات بشعوبها قتلا أو تعذيبا أو تجويعا.
هذا يعني أنه يجب ترك الحبل على الغارب للحكام لكي يفعلوا بشعوبهم ما يشاؤون دون إدانة ولو على استحياء من إدارة ترامب، يعني أن المليارات هي ثمن السكوت لحين تصفية الربيع العربي ولو تطلب الأمر تصفية الإسلام كعقيدة فلا ضير فالمهم أن تخمد الأصوات وتخشع فلا تسمع إلا همسا.
هذا الهدف يرى من صاغوه أنه لا يمكن أن يتم إلا بوجود الكيان الصهيوني في قلب المعادلة وبصورة واضحة لا لبس فيها، أي أنه وكما اتفق الجميع على مسح كلمة إرادة الشعوب أو الثورة أو الربيع العربي فيجب على عرب الخليج ومعهم الانقلاب وحكومة الأردن وما تبقى من بشار الأسد في سوريا أن يتفقوا على مسح أو إزالة أو شطب كلمة المقاومة من سجل المحادثات والمخاطبات ومن القاموس العربي أيضا.
هذا يعني أنه يجب وصم حماس وأي مقاومة للاحتلال بالإرهاب.
إذن هي صفقة القرن وملخصها "سنمنح الحكام حق القضاء على الثورة والشعوب دون تدخل، وستمنحوننا الأموال لحمايتكم من هذه الشعوب إن انتفضت مرة أخرى، وسيقوم الكيان الصهيوني بدعمكم (الحكام) معلوماتيا واستخباراتيا وفي المقابل سوف تمنعون المقاومة الفلسطينية وتجرمونها وتحرمونها ويصدر علماؤكم ومشايخكم بيانات التنديد باعتبار المقاومة إرهاب وعدوان وخروج على الدين والملة، وما أيسر ذلك عندكم. إن فعلتم ذلك فلكم الأمن والأمان، وإن لم تفعلوا فسوف نترككم بلا دعم وسوف نندد بأفعالكم ونفضحكم ونترككم لشعوبكم وهي كفيلة بكم".
هذا هو الوعد أو صفقة القرن وباختصار في كلمتين أموالكم مقابل الحماية ووجودكم مقابل اعترافكم بالكيان الصهيوني يبدو متفق عليه، أو يتراءى للإماراتيين والحكام الجدد في الجزيرة أنه سهل وبسيط، لولا وجود معضلة أو عائق بسيط يحول دون تنفيذ الوعد وهو قطر وتركيا والشعوب الحرة.