في الوقت ذاته الذي كان فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يشارك في مؤتمر القمة العربية الإسلامية الأمريكية قي الرياض الأسبوع الماضي الذي خصص لمحاربة الإرهاب، كانت المخابرات المصرية قد أكملت خطتها، بل أعطت إشارة الانطلاق لأكبر حملة عسكرية في دارفور مرتكزة على محورين أساسيين، جنوبي منطلق من دولة جنوب السودان، ومحور شمالي منطلق من ليبيا.
الرواية السودانية حملت اتهامات صريحة من أعلى سلطة سياسية في السودان لمصر بالتورط في تدخل سافر لصالح متمردي دارفور بالسلاح والعتاد المصري، الذي تقول الخرطوم إن قواتها غنمته بعد دحر الهجوم في معارك شديدة البأس.
هذه المرة الأولى التي يتم فيها اتهام القاهرة بصورة مباشرة بالتورط في دعم الحركات المسلحة في السودان، وجاء الاتهام على لسان الرئيس السوداني عمر البشير. تقول الرواية السودانية: إن المتمردين جاؤوا بـ(64) عربة وتمّ الاستيلاء على (59) منها. كما تمّ الاستيلاء على كميات هائلة من الأسلحة والذخائر بما في ذلك المحرمة دوليّا و(92) أسيرا من بينهم (16) ضابطا. فإن صح الاتهام السوداني للقاهرة، فإن سؤالا محوريا يطرح نفسه بقوة: هل فقدت مصر بوصلتها الاستراتيجية، ووعيها القومي؟
ومع أن القاهرة نفت هذه الاتهامات الصريحة على لسان الرئيس السيسي جملة وتفصيلا، لكن في الوقت ذاته تجنب السيسي التعليق على قول البشير إن قواته استولت على مدرعات وآليات عسكرية مصرية بحوزة متمردي دارفور. بل إن السيسي اكتفى بنفي معمم تحدث فيه عن الشرف وأن نظامه يتبع سياسة شريفة، لا يمكن أن تقوم بعمل خسيس كالذي اتهم به البشير نظام السيسي. بل إن بعض المحسوبين على المخابرات المصرية مضوا قدما في استفزاز الخرطوم بلغة استعلائية تصب الزيت في النار. يقول الدكتور مصطفى الفقي في إطار ردود الفعل المصرية على اتهامات الخرطوم، "إن النظام في مصر قادر على قلب نظام الحكم في السودان في يومين فقط". لكن بعيدا عن الاتهام السوداني والنفي المصري نجد أن هناك العديد من المعطيات السياسية ظلت تتحكم في مسار علاقات البلدين التي وصلت إلى نقطة حرجة من التدهور. يقول الكاتب المصري الدكتور رأفت غزالي، إن تقدير الموقف السياسي المصري يعتبر الحكومة السودانية القائمة أكبر مهدد استراتيجي للأمن المائي المصري عبر تاريخه الممتد. ويرى أن خروج السودان من بيت الطاعة المصري – على حد وصفه - هو أكبر عامل دفع بحكومة السيسي لدعم المعارضة السودانية بكل أطيافها السياسية.
في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية المتدهورة في مصر التي تسبب بها نظام السيسي الذي جاء بانقلاب عسكري دموي على حساب شرعية انتخابية، فإن نظام السيسي يشعر بقلق كبير تجاه موقف الخرطوم من سد النهضة الإثيوبي الذي ترى الخرطوم أنه موقف عقلاني يحاول إيجاد مقاربة واقعية ما بين مخاوف إثيوبيا ومصالحها المائية، وبين تأمين حصة مصر من اتفاقية مياه النيل، فضلا عن أن ضرورات التنمية الاقتصادية في السودان تحتاج للاستثمار في مياه النيل؛ حيث لم يستغل السودان بالكامل حصته من المياه وفقا لتلك الاتفاقية.
كذلك فإن نظرة نظام السيسي القاصرة ترى في تنامي الاستثمارات الخليجية في السودان التي تقدر حاليا بأكثر من 30 مليار دولار خطرا على أمن نظامه. بيد أن الاستثمار الناجح للموارد الطبيعية السودانية الضخمة يخلق فرص عمل واسعة للمصريين، مع الأخذ في الاعتبار حقيقة أن السودان هو المجال الرحب لحل المعضلة الاقتصادية في مصر. ويذهب بعض المحللين الاستراتيجيين في السودان بعيدا وهم يرون أن استغلال نظام حسني مبارك للتمرد الجنوبي بقيادة جون قرنق في السابق كورقة ضغط على الخرطوم، ليس لأن نظام الخرطوم متهم بالتورط في عملية الاغتيال الفاشلة للرئيس مبارك، بل كان الهدف أن يظل السودان مشغولا بأزماته، غير قادر على استغلال نصيبه من المياه لتحقيق قدر من التطور الاقتصادي.