إن عضوية أي تجمّع بشري منظّم أو إطار مؤسسي، تنطلق من قبول الأفكار والقناعات التي يمثّلها، وتعتبر بمثابة الشراكة بين ذلك الإطار والعضو المنخرط في صفوفه، وفقا لقواعد تنظيمية تحدّد علاقاتهم وأسلوب عملهم.
ويقتضي ذلك بداهة أن يكون لكل إطار رؤيته وأهدافه وآليات تحقيق تلك الأهداف، كما يستلزم بالتبعية توفر مؤهلات وشروط معينة فيمن يرغب في الانضمام إليه. وفي المقابل، لا بد من توفّر القناعة بأفكار هذا الإطار وآليات عمله لدى العضو، مع القدرة على الوفاء بمتطلبات العضوية، التي يرى أنها تحقق ما يصبو إليه، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي.
فحينما يكون هدف الإطار المعني هو التحرر الوطني من احتلال أجنبي - على سبيل المثال - ويتخذ من المقاومة آلية لتحقيق هذا الهدف، سيترتب على ذلك اختيار أعضائه وفق مواصفات الجندية بما تعنيه من قوة البنية، والاستعداد للتضحية وطاعة للأوامر مع درجة عالية من القدرة على الكتمان، إلى غير ذلك من مواصفات خاصة تناسب طبيعة عمله، بينما التجمّع الذي يستهدف بالدرجة الأولى خدمة المجتمع، ويعتمد مجالات العمل الخيري والتطوعي وسيلة لذلك، فطبيعي أن يسعى لضمّ مختلف شرائح المهنيين كالأطباء والمهندسين والمدرسين وغيرهم ممن لهم احتكاك كبير بقطاعات المجتمع المستهدف.
ولو كان الحديث عن حركة سياسية أو حزب يبتغي الوصول إلى الحكم، وينتهج العمل السياسي بمختلف آلياته، فلا شك أن عضوية المشتغلين بالسياسة ستكون من أولوياته، إضافة إلى الحقوق والحريات والإعلام والثقافة والفن والأدب وصناعة الرأي، والتخطيط الاستراتيجي وإدارة الأزمات، وغيرها من المجالات التي تخدم أهدافه.
لكن جلّ الإشكاليات تنشأ حين يحدث التباين بين أهداف الكيان أو الإطار وبين متطلبات العضوية، فليس منطقيا أن يكون الهدف هو الوصول إلى الحكم، بينما غالب الأعضاء من المهنيين على اختلاف مجالاتهم، ولا وجود لأهل الكفاءة والتخصصات الأساسية. فهذا خلل ولا شك أنه يتضاعف حينما يتم تكوين أولئك الأعضاء وفق منهج فكري قائم على مبدأ الإصلاح المطلق، وتبني السبّل القانونية والآليات السلمية. وحين يتغيّر الواقع، يُنتظر منهم بين عشية وضحاها أن يتحولوا إلى ثوريين أو محاربين في ساحة الوغي، بما تحمله الأوصاف من معان وما تقتضيه من متطلبات غائبة فكرا وممارسة. فأنّى لهذا الكيان أو الإطار أن يصل لهدف؟!
ومكلّف الأشياء ضدَّ طباعها ** متطلِّب في الماء جذوة نار
وإذا رجـــوت المستحيل فإنَّما ** تبني الرَّجاء على شفير هار
آليات كسب العضوية:
إذن من الطبيعي أن تكون آليات اكتساب العضوية متناسبة مع الهدف، تماما كمتطلبات العضوية، فطبيعة المنظمات العسكرية التي تستلزم درجة انتقائية عالية لأفرادها، يتوقع أن تكون آليات عضويتها كذلك معقّدة للغاية، إذ أي اختراق لها سيكون باهظ الثمن.
أما التجمّعات المدنية الإسلامية فالأصل فيها سهولة انضمام الناس إليها، ولا يمنع هذا وجود درجات تضبط تلك العضوية، بينما نجد الواقع خلاف ذلك، حتى قال بعضهم إن الانضمام للكيانات الإسلامية أصعب من دخول الجنة (على سبيل المبالغة والنقد)!
تغيّر درجات العضوية سلبا وإيجابا:
درجة العضوية في أي كيان لا بد أن تعكس أداء العضو، بغض النظر عن حداثة أو قدم انتمائه، ولعل لهذا القول مستند شرعي في التعامل النبوي مع الصحابيين عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد رضي الله عنهما، فلم يمنع تأخر إسلامهما في أن يتقدما الصفوف لكفاءتهما، وتوفر الأهلية للقيادة كل في مجاله الذي يتقنه.
وأودّ هنا التركيز على ظاهرتين تتعلقان بترقي أو نزول درجة العضوية:
(الأولى) أن استمرار العطاء هو معيار الترقي، وليس مجرد فضل السبق أو سابق الفضل. فمن كان له عطاء منذ سنوات ثم قلّ لسبب ما؛ ينبغي أن تعكس درجة عضويته وضعه الحالي لا السابق. وتعد هذه الديناميكية في درجات العضوية محكّ الحيوية ومعيارها في أي كيان.
(الثانية) أن المستويات القيادية في الكيانات الإسلامية هي وظيفة إدارية بالدرجة الأساس، ويعني هذا أن أي عضو تتوفر لديه المهارة ولم تثبت عليه مخالفة معتبرة؛ يمكن أن يتولاها، تماما كما لو اتفقت مجموعة على السفر بالسيارة، فالأصل أن يجلس على عجلة القيادة أكثرهم مهارة وخبرة بالطريق ومنعرجاته، لا أكثرهم تقوى أو ورعا.
فالخلط بين التقوى والصلاح الفردي وبين الأهلية للإدارة والقيادة، من أكثر الإشكالات المعاصرة في الحركات الإسلامية كافة، ولعل هذا الإشكال علمي (شرعي) أو صوفي المنشأ، لكن مع خلل في التطبيق، إذ يسحب قداسة ما يحمله الشيخ أو الفقيه من علم على شخصه، فيصير هو المرجعية في كل شيء، بغض النظر عن توفر المقوّمات أو انعدامها. وقبل تسرّع بعض القرّاء في فهم ما أقصده، لا يعني هذا ألا يكون القائد صالحا ورعا، بل حبذا لو كان كذلك بشرط أن يملك المهارات الكافية، إلا أن التاريخ والواقع على خلاف ذلك في الغالب.
تقييم الأعضاء بين الشفافية والسرّية:
في عملية تقييم العضوية - وهي لا شك مطلوبة بشكل دوري - لا بد من اعتماد مبدأ الشفافية، والتخلّص من أسلوب التقارير السرّية، فالأصل أن علاقة الأعضاء قائمة على التواصي بالحق والصبر، والأخطاء البشرية واردة، والنصح والتقييم وفق الضوابط الشرعية هما طريق علاج الخلافات أو معالجة الأخطاء، ثم يكون الانتقال إلى ضوابط التعامل الإداري كحلّ أخير.
فقد العضوية لا يعني ترك الإسلام:
من الأهمية بمكان أن يعتقد أعضاء أي كيان إسلامي أنهم جماعة من المسلمين، وليسوا عموم الأمة ولا الطريق الأوحد لدخول الجنة، ولا تعتبر عضوية هذا الكيان أو ذاك معيارا شرعيا للمولاة والمعاداة - أو الولاء والبراء كما يحلو للبعض أن يفسره - بل لعل أكثر من سيدخلون الجنة لم يكونوا يوما أعضاء في كيانهم ولا في غيره.
وبالتالي، إذا وصل عضو في كيان ما إلى قناعة أن وجوده فيه وعمله من خلاله لن يصل به إلى غايته من إرضاء الله والفوز بالجنة، فيجب عليه - من وجهة نظري - أن يتخلى عن تلك العضوية، إذ هي وسيلة وليست غاية. لكن لا ينبغي له أن يتحوّل بعد تغيّر قناعاته إلى خنجر يطعن في ماضيه وانتمائه السابق، أو يسفّه من قناعة من جمعهم به عمل كان يراه صوابا قبل تغيّر موقفه، فالحرّ من راعى وداد لحظة.
كما لا ينبغي في المقابل أن تنزلق تلك الكيانات، سواء على مستوى القيادة أو الأفراد، إلى ردّات الفعل والتشكيك والطعن وكيل التهم لمن اختلف معهم أو غادر مـتأولا، حتى ليعتبره بعضهم أسوأ من غير المتدين أو يراه من الخوالف والخوارج!
وبين هذا وذاك، تداس أبسط حقوق الأخوة الإسلامية والواجبات الإنسانية، فلا غرابة حينها أن تكثر فضائح الفتن، وتغيب الحقيقة وتختلط المواقف وتتسمم الأجواء، والنتيجة تشويه الجميع أفرادا وفكرا وتاريخا. ولعل هذا يشي بخلط واضح في المفاهيم، بين الإسلام كدين وثوابت وبين الكيانات الإسلامية كوسائل ومتغيرات، وهو خلل في الفهم ينبغي أن يصحح.
كثير من هذه الأطروحات والتساؤلات محل نظر المهم منهجية التناول والتحليل والاستنتاج والقرارات كما يجب الابتعاد عن الجدل والتحريف والتخوين ويجب أن يبحث هذه الموضوعات أهل الاختصاص الراسخين في العلم.