قضايا وآراء

قمم الرياض.. الضرورات التي لابد منها

محمد مالكي
1300x600
1300x600
تحولت العاصمة السعودية الرياض إلى قبلة للقاءات والمشاورات الدولية، حيث احتضنت ثلاث قمم بالغة الأهمية من الناحية الاستراتيجية. انتظمت فيها القمة الأمريكية الخليجية، وهي الثالثة بعد قمتي "كامب ديفيد" (2015)، والرياض (2016)، والقمة العربية الإسلامية الأمريكية، التي جمعت 50 دولة من العالمين العربي والإسلامي، والقمة التشاورية السابعة عشرة لقادة دول مجلس التعاون الخليجي. والواقع أن إمعان النظر في نوع الدول المشاركة في القمم الثلاث، وحجم تأثيرها في صُنع القرارات الدولية، لاسيما من ناحيتي الاقتصاد والسياسة، يُقنع بأهمية الرهانات المتحكمة في هذه القمم، والآمال المنتظرة منها مستقبلا.

ثمة طبعا تمايزات بين مجالات القمم الثلاث، لكن من المؤكد أن هناك خيطا ناظما يربطها جميعا، ويوجهها نحو أفق واحد، هو بالضرورة أفق العمل من أجل إعادة صياغة رؤية للشراكة العربية الإسلامية الأمريكية لقضايا المنطقة وتحدياتها، في أعقاب فوز الرئيس الجمهوري "دونالد ترامب"، والتخوفات التي واكبت حملته الانتخابية، والشكوك التي حامت حول قراراته خلال المئة يوم من تسلمه السلطة في البيت الأبيض. نحن إذن أمام قمم للتشاور، والتنسيق، والتفاوض من أجل رسم طريق جديد لمقاربة الملفات الشائكة التي يرتهن بها مستقبل المنطقة العربية، ومصير العالم الإسلامي. وبذلك، هي قمم الضرورات التي لا مندوحة عنها  بين الأطراف المشاركة.

نتذكر جميعا نزعة الكراهية التي تصاعدت حدتها في المنطقة العربية والإسلامية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية منذ سقوط العراق عام  2003. ونعرف أيضا أن الشراكة الخليجية الأمريكية، الممتدة لعدة عقود، طالتها درجة من البرودة خلال ولاية الرئيس "أوباما"، وقد تعمقت أكثر خلال الحملة الانتخابية للمرشح الجمهوري "ترامب"، الذي لم يتردد في الإعلان جهرا عن كراهيته للإسلام والمسلمين، وتهديده لدول الخليج العربي، بنعتها بالاستفادة من الحماية الأمريكية لأمنها وأراضيها بأقل كلفة مالية وبشرية. لكن، بالمقابل، وهذا ما يسير ظروف انعقاد هذه القمم، ثمة تطور يبدو إيجابيا في رؤية الرئيس الأمريكي الجديد للمنطقة العربية والإسلامية وقضاياها المركزية، على الأقل قياسا لخطابه الانتخابي، وحدة تجريحه للإسلام والمسلمين. فقد أبان مرور مئة يوم على تسلمه السلطة حصول تغير تدريجي في نظرته للمنطقة العربية الإسلامية وقضاياها الشائكة. فمن جهة، لم يعد يُنظر إلى الإسلام والمسلمين ككتلة واحدة، بل أصبح التركيز على التيارات الأكثر تطرفاً وميلا إلى العنف، أي "داعش" وأخواتها. كما لم تستمر نظرته غير مكترثة بتغيير القيادة السورية، وتحديدا الرئيس "بشار" ونخبته، بل أصبحت سوريا ، وما يجري في أراضيها في صلب اهتمام القيادة الأمريكية، بدليل ضربها  لقاعدة "الشعيرات"، في أعقاب اتهام النظام السوري بقصف أهالي منطقة "خان شيخون" بالأسلحة الكيماوية. ومن جهة أخرى، نلاحظ نوعا من التغير، وإن بشكل أقل وضوحا ودقة، في نظرة القيادة الأمريكية للقضية الفلسطينية وسُبل حلها، لنتذكر أن اهتمامه بالملف الفلسطيني كان محدودا، إن لم نقل شبه منعدم، خلال حملته الإنتخابية، إلى حد أصبح حديث المراقبين والمتابعين لمكانة القضية الفلسطينية في السياسة الخارجية الأمريكية، مشدداً على أن فلسطين توارت وخرجت من دائرة اهتمام المرشح الجمهوري، فإذا بها تعود إلى أجندة "دونالد ترامب"، باستقباله الرئيس الفلسطيني " محمود عباس"، وشروعه في الحديث عن السلام بين الفلسطينيين والإسرائليين، وإن كان مقترح حل الدولتين لم يرد في خطاباته وتصريحاته، كما اقترح  من سبقه من الرؤساء.

نخلُص إذن إلى أن ثمة تغيراً في النظرة الأمريكية للمنطقة العربية والإسلامية وملفاتها، وهو تغير فرضته ضرورات الواقع، التي ليست شيئاً آخر سوى وعي القيادة الأمريكية أهمية  المحافظة على مصالحها في الشرق الأوسط ، واستمرار شراكتها الإستراتيجية مع دولها، وإن اقتضى الأمر إدخال تعديلات على أسسها ومنطلقاتها، بما يجعل الأطراف راضية ومتوافقة، وإن بدرجات مختلفة. ولعل هذا ما يقسر حصول الزيارة الرسمية الأولى لـ"دونالد نرامب" خارج بلاده لقلب المنطقة العربية: المملكة العربية السعودية. فهل ستُفضي الضرورات التي لابد منها إلى تحقيق آمال المنطقة العربية والإسلامية وتطلعات شعوبها إلى العيش في أمن وأمان، وحرية وكرامة، وعدالة اجتماعية؟

يصعب التكهن بما سيحدث في المستقبل، كما يكون عصياً استشراف مآلات الوعود والتوافقات المتبادلة بين قادة الدول العربية والإسلامية والقيادة الأمريكية في قمم الرياض، لأسباب موضوعية هي أن العلاقة بين الطرفين الرئيسيين في المفاوضات غير متكافئة، ومختلة لصالح الطرف الأمريكي، والأكثر خلال عُهدة رئيس أمريكي لا يؤمن إلا بالقوة بمعناها الواسع .فما حصل فعلا في الرياض، أن الكلفة المالية المُقدرة لنتائج مفاوضات الشراكة الجديدة وصلت 380 مليار دولار أمريكي في أفق العشر سنوات القادمة، منها ما يصل أو يزيد عن 110 مليار دولار للتسلح، وما تبقى سيوظف لإنجاز ما تضمنته الاتفاقيات الثلاثين التي تم التوقيع عليها. ما يجب أن ننتبه إليه أيضا أن الرئيس الأمريكي الجديد قادم من عالم المال والأعمال، تغلب عليه ثقافة تدبير الشركات والمقاولات، ويهمه بالدرجة الأولى الربح المالي، دون الاكتراث بالضرورة إلى غيره من الجوانب، وإن كان وجوده على رأس مؤسسة سياسية في أكبر وأقوى بلد في العالم، يفرض عليه التفكير بالسياسة ومن أجل السياسة وليس من زاوية  المال والصفقات ليس إلا.
التعليقات (1)
أيمن عصمان ليبيا
الأربعاء، 24-05-2017 03:54 م
لا قمم تاريخية ولا يحزنون ، "الخليفة" ترامب اجتمع بعماله الحقراء وأخذ منهم الغلة وقفل راجعا ، لا أكثر ولاأقل