الانتخابات وسيلة للتغيير ... ليست غاية في حد ذاتها ... إنها مثل السيارة، ونحن متفقون على أن السيارة وسيلة مواصلات، لا أحد يشكك في كون السيارة وسيلة مواصلات، وكذلك لا أحد يشكك في أن الانتخابات وسيلة تغيير.
ولكن هل يمكن أن تركب سيارتك ثم تخوض بها البحر؟
السيارة وسيلة مواصلات برية، تسير على الأرض فقط، وهي لا تسير على أي أرض، فغالبية السيارات لا بد لها من شارع ممهد، ولا بد لها من بنزين، وصيانة، وعشرات الشروط الأخرى، وحتى السيارات المهيئة للسفر في الطرق الوعرة لا بد من مراعاة طبيعة المنطقة وتهيئة السيارة لها.
في ظل هذه المقاربة نستطيع أن نحكم على مسار انتخابات الرئاسة المزمع إقامتها في مصر في عام 2018.
يرى البعض أن دخول الانتخابات والوقوف خلف مرشح مستقل قد يكون خطوة في طريق التغيير، أي أنها (سيارة) من الممكن أن نقطع بها جزء من الرحلة (وليس الرحلة كلها)، وهذا كلام معقول جدا (نظريا).
ولكن في الجهة المقابلة يرى آخرون – ولعل كاتب هذه السطور منهم – أننا سنركب سيارة ثم نخوض بها البحر، أو على الأقل سنمشي بها في طريق شديد الوعورة بحيث يستحيل أن نقطع بها جزء من الرحلة، بل في الأغلب أننا سنفقد (السيارة) نفسها !
إن حالة البطش الأمني بكل المخالفين في الرأي في مصر حاليا تدحض أي حلم في انتخابات نزيهة، وتخرب أي محاولة لعمل اختراق في النظام.
يقول البعض إننا قد عدنا إلى عهد أسوأ من عهد مبارك، فلماذا لا نعود إلى الوسائل التي استخدمناها في عهد مبارك!؟ نحن في عام 2017، ولسنا في عام 2011، ولا حتى في عام 2010، وكل ذلك صحيح ... ولكن !
***
حسنا ... أمامنا تجربة الدكتور أيمن نور في الانتخابات الرئاسية عام 2005، لم يفز بالرئاسة، ولكن حملته الانتخابية كانت مدرسة لتعليم السياسة لجيل جديد، كانت حلما شارك فيه آلاف الشباب، وهؤلاء رأيناهم في حركة السادس من إبريل، وفي حملة البرادعي، وفي ميدان التحرير، وفي الأحزاب التي تأسست بعد الثورة ... أي أن مكاسب دخوله لسباق الرئاسة كانت كبيرة جدا (على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد)، وكانت الوسائل المتاحة لتحدي النظام وقتئذ محدودة.
هل يمكن أن نرى مرشحا رئاسيا في هذه الظروف يقدم لنا نموذج حملة أيمن نور الانتخابية؟
أنا لا أطالب المرشح بالفوز في الانتخابات ... سأساير هؤلاء الأصدقاء الذين يرون أنه من الممكن أن نركب السيارة وأن نقطع بها مسافة محدودة في طريق طويل !
هل يمكن لأي مرشح أن يفتح باب العضوية في حملته الانتخابية؟
وإذا فتح ... هل يجرؤ أحد على الانضمام؟
وإذا انضم عدد محدود أو حتى إذا انضم عدد معقول هل سيتورع النظام عن الفتك بهم؟
هل يمكن لأي رجل أعمال أن يتبرع لهذه الحملة الانتخابية؟
ما نوعية الشخص الذي يمكن أن يتجرأ على دخول الانتخابات في هذه الأجواء؟
إجابات هذه الأسئلة واضحة جدا ... ومحاولة المراوغة في الإجابة لن توصلنا لشيء، فنحن أمام حقيقة واضحة تتعلق باستحالة بناء حملة انتخابية حقيقية أو حتى شبه حقيقية على الأرض !
إذا كانت أي حملة تحتاج لآلاف المتطوعين، فإنني أتحدى أي مرشح يتمكن من جمع عدة مئات – ولن أقول عدة عشرات – من المتطوعين في مصر كلها !
وأعتقد أن حملة الاعتقالات التي لا تكاد تترك ناشطا في منزله تؤكد أننا بعيدون جدا عن سيناريو دخول الانتخابات الرئاسية، وأن أي دخول لهذا السباق ستكون نتيجته مفيدة للنظام، ومضرة لمعارضيه.
سوف نمنح بالمشاركة الشكلية شرعية لنظام يفعل المستحيل من أجل الحصول على شكليات الشرعية، ومن يظن أن شرعية النظام خارج النقاش فهو واهم، إنها أساس نزاعنا مع كل الأنظمة.
كاتب هذه السطور حين هجا مبارك ... قال له أول ما قال (فقدت شرعيتك) !
إن معركتنا مع هذه الأنظمة هي معركة الشرعية، بمعناها الحقيقي العميق، لا بمعناها الساذج الذي يرفعه البعض اليوم، الشرعية أمام الاستبداد، وليست شخصا أمام شخص.
***
يحاول البعض أن يتحدث عن البديل ... أو مواصفات المرشح الذي يستطيع أن يطمئن قوى كثيرة، وأن يجمع الناس خلفه، ويتناسون حالة الاستقطاب التي لم يسبق لها مثيل في المجتمع المصري.
حالة الاستقطاب التي يزيدها مهرجان الانتخابات سوء !
يحاول هؤلاء أن يتجاوزوا المشكلة رقم واحد، بأن يطرحوا حلولا للمشكلة رقم عشرة !
(ملحوظة : من يحاول توصيف المرشح هو كمن يقدم لنا توصيفا للسيارة التي تصلح لنقطع بها رحلة ما كما قلت في بداية المقال، وبالتالي ... ستكون كل هذه الدراسات والتنظيرات مفيدة حين يصبح الطريق ممهدا لسير السيارة!
***
إن سيناريو انتخابات 2018 المزعومة (عند من يطرحونه كمخرج للأزمة) يبدو لي مطروحا كهروب من الإجابة عن السؤال الصعب (متى وكيف تتوحد المعارضة المصرية بكل تياراتها واتجاهاتها؟)
لا معنى للانتخابات ولا للتظاهرات ولا للعصيان المدني ولا لأي وسيلة من الوسائل السلمية التي ندعو إليها إلا بعد أن تتوحد الجماعة الوطنية في مجملها، وبعد ذلك تحدد المسار الأمثل.
يحاول البعض أن يجري مقارنات مع دول أخرى، نجحت فيها المعارضة في أن تحقق مكاسب ضد أنظمة عسكرية بالانتخابات، وهي مقارنات مع فارق كبير، وحدثت جميعها بعد توحيد المعارضة لا قبلها !
إن فكرة خوض الانتخابات الرئاسية لا تبدو إجابة على سؤال : (كيف يمكن تغيير الوضع الحالي؟)، بل يبدو أنها – وللأسف الشديد – تبدو لي كإجابة على سؤال آخر، هذا السؤال باختصار هو : (كيف يمكن تغيير الوضع الحالي بدون أن نضع أيدينا في أيدي خصومنا السياسيين؟)
الإجابة الحقيقية... لا يمكن تغيير الوضع الحالي إلا بتوحد غالبية أطياف المعارضة المصرية في كيان قادر على الفعل، وكل الإسلاميين الذين يتخيلون أن بإمكانهم أن يغيروا الوضع الحالي دون بقية التيارات واهمون، وكل التيارات المدنية التي تتخيل أن بإمكانها أن تسقط نظاما بدون تحالف واسع يشمل الإسلاميين ... وهمهم أكبر من الأولين.
***
في النهاية ... لا حل إلا باصطفاف الجميع (أو الغالبية)، وحين يحدث ذلك سيتضح الطريق، بالحوار، وبالتعاون، سيكون لنا وزن، وسنتمكن من إزاحة هذا الكابوس، وبدون ذلك ... لن يتحقق إلا المزيد من الخسائر.
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين ...
عبدالرحمن يوسف
موقع إلكتروني : www.arahman.net
بريد إلكتروني :
[email protected]