اعتقل ثلاثة شبان في الإسكندرية؛ بتهمة "إهانة" الرئيس!.. الاتهامات التي اطّلعتُ عليها كانت مضحكة، وعلمتُ أن منابر إعلامية غربية التقطتها، وجعلتها موضوعا للتندر على الانتهاكات الفجة التي تحدث في مصر!
ولا أدري ما هي جريمة "إهانة" الرئيس تحديدا في هذه القضية، إذا ما قُورنت بفضيحة هروب وزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلي، وهو تحت حراسة الداخلية المشددة.. أيهما أكثر إهانة الأولى أم الثانية؟! وفي السياق.. لا أدري أيضا، إلى أي سند يتكئ السيسي في خطاباته حين يقول للناس: نحن في دولة القانون؟!.. أي دولة وأي قانون؟!
المفارقة أنه في حين أظهر السيسي "العين الحمراء".. لكل من خالف القانون، وتعدى على أراضي الدولة، وهددهم ليس بالشرطة وحسب، وإنما بالجيش أيضا.. في غضون ذلك، كانت الداخلية تخطر النيابة العامة رسميا بهروب حبيب العادلي!
الفضيحة.. تتجاوز كل معاني ومرادفات وتفاصيل الإهانة، إلى ما هو أسوأ أقلها "كسر عين" السلطة، فلن يجرؤ بعد اليوم، أحد من مكوناتها، أن ينتفخ منتشيا ليحدثنا عن "القانون" ودولة القانون! حين يطلع العالم، على هذه المفارقة المدهشة: اعتقال ثلاثة شبان، وإخفاء بعضهم، لأنهم "معارضون" للسيسي.. فيما تتعامل الدولة بكل مؤسساتها بأريحية شديدة، مع هروب وزير داخلية أدانته المحكمة بالحبس؛ لاستيلائه على المال العام (مليار و300 مليون جنيه).. فإن العالم ـ والحال كذلك ـ ربما يرى أنه في مصر ليس مهما مكافحة الفساد والإرهاب، وإنما سحق المعارضة وإسكاتها.
الطريف.. أن كل الناس كانت تتكلم عن هروب العادلي، منذ أكثر من أسبوعين، ولم يصدر من الداخلية ما يؤكد أو ينفي.. وكأنه حادث بسيط يشبه هروب "الواد بسه" حرامي الغسيل! فمن الذي يعمل على هدم الدولة ـ وهي إحدى التهم الموجهة للشبان الثلاثة ـ ومن الذي أهان السلطة والنظام ورأسه: من يقول "لا" للسيسي؟.. أم من الذي هرّب أخطر مسئول أمني متهم بالفساد من "فلته"؟ ومن وسط حراسته، وبعد أن اطمأن أن كله تمام، وأن الوزير الهارب، "ظبّط" وضعه.. تم تبليغ النيابة: عادي إيه المشكلة.. ومن سيحاسب من؟!
وكأن كل واحد ماسك على الثاني "حاجة".. ولن يجرؤ أحد على الكلام أو السؤال.. أو حتى يصدر بيانا شكليا ذرا للرماد في العيون! مصر الآن تُهان في صلب ما تبقى لها من مقومات الدولة.. ليس من المعارضة.. فالمعارض مهما أشطت، فهو يمارس النضال السلمي، الذي كفله له القانون والدستور.. وإنما تُهان ممن أُسند إليهم الحفاظ على كرامتها وهيبتها.. وعلى وجودها كدولة موحدة.
هذه الفوضى من المفترض أن يتدخل لوقفها الرئيس بنفسه، فهروب وزير الداخلية المتهم بالفساد، والمُدان قضائيا بالحبس سبع سنوات، سابقة لم تحدث إلا في عهده هو.. ودلالتها الرمزية بالغة الخطورة، وعلى مستقبل الرئيس ذاته، خاصة أنها حدثت وسط سلسلة من الصدامات بين الرئاسة ومؤسسات مهمة في الدولة، فيما لا يفصلنا عن الانتخابات الرئاسية القادمة أكثر من 12 شهرا.