الإعلان عن برنامج وهدف "حج" الرئيس الأمريكي إلى المملكة العربية السعودية بعد أسبوع، من طرف البيت الأبيض، هو في حد ذاته حدث؛ لأنه يسبق الأحداث! فالرئيس "ترامب"، الكاتم للصوت، المتكتم عن الجهر إلا فيما يتعلق بالتهديد والوعيد، لا يمكن أن يعلن عن زيارة مرتقبة إلى منطقة الشرق الأوسط، لو لم تكن تحمل أهدافا غير معلنة، أو معلنة بطريقة "السر العلني"! خاصة أن "عمرة" الحاج ترامب، ستكون في شكل "قمة" مع قادة عرب تجمعهم المملكة، خلافا للزيارة التي تقوده في نفس رحلة قراع طبول الصداقة و"التحانف" إلى كل من "إسرائيل" وإيطاليا.
لقد كان واضحا الناطق باسم البيت الأبيض، وهو يعلن عن أول زيارة للرئيس الأمريكي الجديد خارج البلاد، وكأنه يعلن مسبقا برنامجه مع "العرب والمسلمين" الذين سيلتقي بهم، ولكن لاشيء معلن عن الزيارة لكل من إسرائيل وإيطاليا، ولو أننا نعرف على الأقل هدف ومغزى حجه للقدس، في هذا الظرف الذي تمر به القضية الفلسطينية و"استسهال" الرئيس لحل هذه المعضلة! ذلك أن ترامب كان قد سبق أن أعلن أنّ "حل المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية، ليس بذلك الأمر الصعب كما يعتقد الكثير"، وهو أمر مثير للدهشة، إنما يدل على شيئين: إما أن الرئيس لا يفهم أصلا في الموضوع ولا في غيره، وإما أنه شم تنازلات كبيرة من طرف عباس، بطبيعة الحال لا من الطرف الآخر المتمادي في سياسة الاستيطان والفصل العنصري والتهويد!
لهذا فهو متفائل بالحل السريع والسهل للمعضلة، لن يحلها لا ترامب ولا خليفة خليفة آخر خليفة في البيت الأبيض، ما لم يدرك هذا الخليفة خطر إسرائيل على الأمن العالمي وليس إيران! إيران التي جاء لها ولأجلها وفكر فيها وقدر لها، بأن تكون هي العدو الأوحد للجميع في المنطقة، وبالذات لإسرائيل والعرب المجتمعين في الرياض قريبا.
هذا هو مجمل ما سيأتي به ترامب، علاوة على خطاب تقليدي وعظي وإرشادي، صار يتمتع به "المرشد الأكبر للولايات المتحدة"، عندما صار يتحدث عن الأخوة مع المسلمين والعرب، من أجل تعاون للقضاء على أربع "دول": تنظيم الدولة، تنظيم القاعدة، إيران وسوريا حليف إيران!، أي التنظيمات المتطرفة والأنظمة المارقة!
وإذا عرفنا سياسة ترامب المعلنة على الأقل انتخابيا في خفض الإنفاق على حماية دول الخليج، سنعرف أن ترامب لن يأتي بسلة مساعدات للمنطقة أو الإعلان عن حمايتها، إلا من باب حماية إسرائيل ومساعدة دول الخليج على احتواء إيران وعدم الضغط عليها بالتهديد والوعيد!
هكذا، سيأتي الشيطان الأكبر ليحج ويعمر و"يأمر بالمعرف وينهى عن المنكر"، باسم "الإمام"، ويحث المسلمين "الحنفاء" على اتباع الدين القيّم، ملة إبراهيم.. جد الجميع بمن فيهم بنو إسرائيل.
هذه اللغة، وجدناها ملفتة في تصريح الناطق باسم البيت البيض الأخير، الذي أعلن عن الزيارة المرتقبة: لغة تهديد مبطن "بالأخوة" والتعاون، والتحالف، بل وأوامر واجبة أرسلها الناطق مشفرة، لكنها كانت واضحة: "عليكم أيها العرب المسلمون أن توضحوا حقيقة صورة الإسلام الحقيقي البعيد عن الإرهاب والعنف" (أي أن تبرهنوا لنا ولإسرائيل أنكم لستم إرهابيين)، وهذا كلام مبطن، "باطنه" الرحمة، وظاهره من قبله الويل والثبور لكل من لم يقبل بتأدية دور الجندي الأمريكي في المنطقة، من أجل محاربة التطرف الإسلامي السني والشيعي على حد سواء! أما إسرائيل، فهي دولة سلام..!
بعد هذا الكلام، ماذا نقول؟: لا سلام ولا كلام! تصبحون على خير.. سأنام!