بدأت المحلات التجارية الخاصة بمواد الغذاء تزين رفوفها وساحاتها بالسلع الرمضانية بجميع أنواعها وأشكالها، فماذا أعددنا لهذا الشهر الكريم؟
(2)
خطباء منابر الجمعة بدؤوا يبشرون بقدوم هذا الشهر وخيراته اللانهائية، وراح بعضهم يبالغ في التحشيد لهذا الشهر وما سيلاقيه الخلق من ربهم، يروون أحاديث البعض منها يشبه القصة، ولعلها لا تكون ذات سند موثق، وفي المكتبات المتخصصة في بيع المصادر الإسلامية توجد كتب عناوينها الدينية شائقة، لكن مضامين بعض تلك الكتب تروي أحاديث ليس لها سند يعتد به.
ومن هنا، ننبه الكثير من خطباء منابر الجمعة إلى أهمية إعداد خطبة الجمعة إعدادا يليق بالمكان والموضوع، من حيث النص والرواة وما يتطابق والقرآن الكريم. كما أنبه خطباءنا إلى أن يعلموا حق العلم أن من بين المصلين الذين في المسجد من هو متفقه في الدين وعلوم الحديث المرسل منها وغير المرسل، وعلم التفسير وعلم اللغة العربية، والإعجاز في القرآن الكريم، والتاريخ الإسلامي، أستطيع توكيد القول بأنه يوجد بين المصلين يوم الجمعة علماء وفقهاء، وعلى هؤلاء الخطباء أن يخاطبوا أهل تلك العقول قبل مخاطبة العامة.
(3)
وقف أحد خطباء الجمعة على المنبر، ومن بين المواضيع التي تطرق لها في خطبته راح يردد حديثا في طاعة ولي الأمر، مؤدى ذلك الحديث "تسمع وتطيع للحاكم وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع"، وراح يمعن في تأكيد الحديث وصحته، وبعد الصلاة كاد الأمر ينفجر بين بعض المصلين والخطيب إذ قال أحد المصلين لخطيبنا أمام جمهور من المصلين: هل علي طاعة بشار الأسد اليوم أو العبادي في العراق في كل ما يفعلون بنا؟ قال: نعم عليك طاعتهم، لأن الحديث قال ذلك. وكاد الوضع يتفجر في المسجد بين الإمام وجمهور من المصلين لولا أن تدخلت شخصية مرموقة من بين المصلين فأخذت الإمام إلى خارج المسجد وانفض جمهور المصلين.
(4)
السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة: ألم يدرك الخطيب ما يجري في سوريا والعراق من قتل وحرق وتدمير بكل أنواع السلاح، بما فيه المحرم منه دوليا، وإخراج الناس من منازلهم وانتهاك حرماتهم وتهجيرهم إلى عالم مجهول؟ وفوق هذا تريد مني طاعة هذا الحاكم / الرئيس؟ لقد رحت أبحث عن ذلك الحديث في أمهات كتب الحديث ورواته، فلم أجد إجماعا بين أهل العلم على صحة ذلك الحديث.
لو سلمنا بصحة الحديث المشار إليه، فهل في مثل هذه الظروف يجب أن يذكر هذا الحديث؟ علما بأن بلد الخطيب، وأعني قطر، تتمتع والحمد لله بالتراحم بين الناس والعدل والاستقرار السياسي والاجتماعي، فلا حاجة لرواية ذلك الحديث في هذا المكان لأنه لا يوجد حالة تستدعي ذلك.
آخر القول: الرأي عندي، أن يوم الجمعة، هو مؤتمر المجتمع بلغة العصر، يناقش الخطباء في الخطبة الأولى حال الأمة، والمجتمع والأزمات التي يتعرض لها المجتمع الإنساني، وأفضل الطرق السلمية لمواجهة تلك الأزمات، ويذكّر في الخطبة الثانية باليوم الآخر وما يجب أن يفعله الإنسان لملاقاة ربه يوم القيامة.