المئة يوم الأولى لدونالد ترامب في البيت الأبيض كانت كارثة؛ فهو لم يحقق شيئا سوى غارة على قاعدة حربية سورية وتهديد كوريا الشمالية. إذا كان لي أن أبدي رأيا فأفضل ما في المئة يوم هو وجود ريكس تيلرسون وزيرا للخارجية وجيمس ماتيس وزيرا للدفاع وجون كيلي وزيرا للأمن القومي. الصحافة أطلقت عليهم «محور البالغين» أو الراشدين.
رأي الأمريكيين في رئيسهم الجديد أهم من رأيي، وشعبيته هبطت تدريجيا منذ تنصيبه رئيسا في 20 كانون الثاني (يناير)، وأعتقد أنها الآن 35 في المئة، وربما 34 في المئة. مؤسسة غالوب أجرت استفتاء تبين منه أن 45 في المئة من الأمريكيين يرون أن ترامب يحافظ على وعوده أو تعهداته. كانت الثقة بترامب قبل شهرين فقط 62 في المئة، وهبطت بنسبة 17 في المئة الآن. في الفترة ذاتها هبطت ثقة الأمريكيين بقدرة ترامب على إحداث التغيير الذي تحتاج إليه البلاد من 53 في المئة إلى 46 في المئة، وهبط عدد الناس الذين يعتقدون ترامب شريفا ويستحق الثقة من 42 في المئة إلى 36 في المئة.
كتبت مرة بعد مرة عن تغريدات لترامب هاجم فيها الرئيس باراك أوباما، فلا أعود إليها، وإنما أختار قوله في 17/8/2011 أن أرقام أوباما في استطلاعات الرأي العام وصلت إلى رقم قياسي في الهبوط هو 39 في المئة، وعشنا لنرى رقم ترامب هذا الشهر 35 في المئة، ولعله الآن 34 أو 33 في المئة.
ترامب قال في تغريدة له في 9/10/2012 إن تأييد أوباما يهبط بسرعة؛ لذلك فهو يفكر في هجوم على ليبيا أو إيران. أوباما لم يفعل، وترامب اتهمه بأنه ينفق الملايين لإخفاء سجله، فهو أقل الرؤساء الأمريكيين شفافية على الإطلاق. الواقع أن أوباما كشف سجله الضريبي، وأن ترامب لا يزال يرفض كشف ما لم يدفع للضرائب، رغم أنه بليونير.
وكان ترامب قال في تغريدة في 7/11/2012 إن الندوة الانتخابية كارثة على الديموقراطية، وفاز بالرئاسة وفاخر بأنه حصل على «أعلى» نسبة من أصوات الندوة الانتخابية منذ رونالد ريغان. الخبراء قالوا له فورا أن سلفيه أوباما وقبله جورج بوش الابن حصلا على أصوات في الندوة الانتخابية تفوق كثيرا ما نال ترامب الذي خسر الأصوات الشعبية، فمنافسته هيلاري كلينتون حصلت على نحو ثلاثة ملايين صوت أكثر منه. أغرب تغريدة لترامب عشية المئة يوم أنه أنجز المستحيل بأعلى أصوات في الندوة الانتخابية والآن يتكلمون عن سجله الضريبي. هو قال إنه سيعلنه ولم يفعل.
المشكلة في كل ما سبق ليست الحديث عن الماضي، بل التوكؤ على المئة يوم الأولى لسبر غور المستقبل. هو فشل في نقض الرعاية الصحية التي وضعها أوباما، وهناك ألف دليل ودليل على علاقة رجال حملته الانتخابية بروسيا، ومثلها أيضا على تدخل روسيا في انتخابات الرئاسة الأمريكية لمصلحة ترامب ضد كلينتون. كان ترامب امتدح روسيا وقال إنه يعرف فلاديمير بوتين وحدثه، وبعد اشتداد الحملة عليه قال إن العلاقات مع روسيا في الحضيض لأن روسيا تتحالف مع سورية. بل إنه أنكر أنه يعرف بوتين ناسيا تصريحاته السابقة.
المئة يوم الأولى انتهت وغارات أمر بها ترامب قتلت عشرات النساء والأطفال في سورية والعراق وأفغانستان. والديمقراطيون قالوا أنهم سيعارضون خطط الرئيس الخاصة بالضرائب طالما أنه لم يكشف بعد سجله الضريبي. الناطق الرئاسي شون سبايسر قال إن الرئيس لن يكشف سجله. هذا يعني أن خطة جديدة للضرائب وعد ترامب بإصدارها في شباط (فبراير) الماضي وبأن تكون أسهل من الخطة الحالية وتشمل ضرائب أقل لن تكون جاهزة حتى ما بعد الصيف.
لا بد أن ترامب يعرف أنه حاول وفشل، وربما قرر لتحويل الأنظار عن فشله دخول حرب مع كوريا الشمالية، ما يفتح أبواب الشر على العالم كله، لا على الشرق الأقصى وحده. ولعل «محور البالغين» يمنعه من المغامرة بفشل يفوق كل فشل له حتى الآن.